العدد 4330 - الثلثاء 15 يوليو 2014م الموافق 17 رمضان 1435هـ

القادمون من كهوف التاريخ

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الذي يرصد المشهد العربي من المحيط إلى الخليج، يعتقد أنه يشاهد فيلماً يصور البشرية في العهد الحجري.

نعم، ورغم مظاهر الحداثة من ناطحات السحاب والطائرات والقطارات والإلكترونيات وأزياء الهوت كوتور، ورغم البرلمانات والأحزاب والجامعات والمؤسسات واليافطات في شوارع المدينة، ورغم الصواريخ والمقاتلات والمدرعات والسفن الحربية والموانئ والقواعد العسكرية، والملابس العسكرية الزاهية والرايات الخفاقة والنجوم المرصعة على أكتاف العسكريين، إلا أن خلف ذلك عقلية سكنة الكهوف في العصور السحيقة.

نعم قد يتباين تمظهر ثقافة الكهوف من بلد إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى، ومن السلطان إلى نقيضه خليفة المسلمين، لكن الجوهر واحد. الجوهر هو ثقافة الاستبداد والإخضاع والإكراه، ثقافة الرأي القطعي الواحد، ثقافة «نحن» أو «هم». لقد سادت الحياة العربية بعد فترة قصيرة من الحياة السياسية والثقافية والدينية والقومية والاثنية التعددية لما بعد الاستقلال أو خلال النضال من أجل الاستقلال في أكثر من بلد عربي، فازدهر الاقتصاد والعلوم والثقافة، وساد السلم الأهلي مع كثيرٍ من المنغصات، ولكن كان ذلك واعداً بتطور قادم وبلمّ شتات الأمة العربية المشرذمة، بل وحتى استعادة فلسطين السليبة وسائر الأراضي العربية المغتصبة. لكن ذلك تبدد سريعاً، حيث تصدّر المشاهد العسكريون الانقلابيون الذين قفزوا إلى السلطة على ظهور الدبابات، مستغلين طموحات شعوبهم في الحرية والكرامة والعدالة.

وبموازاة ذلك كانت خلايا الأحزاب الشمولية الإسلامية والقومية والوطنية الشوفينية تنمو وتتكاثر، في ظل بيئة الإحباط والهزائم والانتكاسات والتراجعات التي تمر بها الشعوب والبلدان العربية، وهذه التنظيمات السرية بمعظمها أشاعت في صفوفها ثم في صفوف الشعب بعد استلامها السلطة، ثقافة تأليه الزعيم وتمجيد الحزب القائد على حساب الأمة، ووصم الخصوم بالخيانة. ورغم طرحها شعارات الحرية للشعب والكرامة للمواطن والعدالة الاجتماعية والتنمية والاستقلال الحقيقي، بل والاشتراكية عند البعض، وحكم الإسلام عند البعض الآخر، إلا أنها كانت تؤسس داخل صفوف الحزب أولاً، ثم في صفوف الشعب، لثقافة الاستبداد والخضوع والاستئثار بالسلطة، والتي كانت الطريق للاستئثار بالثروة.

وهكذا فإن وصول أحزاب قومية للسلطة كما في العراق أو سورية، أو وطنية كما في اليمن وتونس والمغرب، أو إسلامية كما في السودان ومؤخراً في ليبيا وتونس ومصر ضمن موجة الربيع العربي، وبغض النظر عن فلسفتها سواء أكانت يسارية أو يمينية، إسلامية أو علمانية، فقد اتسمت بسمات عربية مشتركة تنهل من التراث العربي من الاستبداد واحتكار السلطة والثروة، وفرض قيمه وآرائه على الآخرين وإخضاعهم. وهكذا شهدت الأمة العربية مرحلة كالحة من تاريخها، حيث تسوّد الحزب الواحد للحكم بغض النظر عن ديكورات الجبهة الوطنية أو التحالف أو الائتلاف الشكلي، واستقرت التناقضات القومية والدينية والإثنية في أكثر من بلد عربي، ووصلت إلى حد الحروب الأهلية، وترافق ذلك مع تطور أخطر في حروب عربية عربية، وغزوات عربية عربية.

وتتالت هزائم الأمة العربية على يد أعدائها وخصوصاً «إسرائيل»، وطمع الجيران فاحتلوا أراضيها وشرعنوا لتدخلاتهم من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، وأضحت الأمة العربية وبلدانها وشعوبها بما توفر لها من ثروات نفط وغاز ومعادن وغيرها، نهباً للدول الأجنبية، وللاحتكارات العابرة للقارات؛ وأضحت القواعد الأجنبية الجوية والبرية والبحرية متناثرةً على أرض العرب من المحيط إلى الخليج، تحمي المصالح الأجنبية والحكام من شعوبهم أولاً، وبذا فقدت بلداننا العربية السيادة الوطنية، والاستقلال الحقيقي الذي ضحت من أجله أجيالٌ من المناضلين، وتراجع حلم تحرير فلسطين وتوحيد الأمة العربية.

لكن كل ذلك يهون أمام الموجة الثالثة والمتمثلة في ظهور الحركات التكفيرية الدينية والمذهبية، ليكتمل المشهد بظهور أبوبكر البغدادي، خليفة الحجاج الثقفي القائل: «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني»... خليفته المتمرس في مخابرات حكم البعث في العراق، والمتحول للفكر التكفيري المتطرف، مستعيراً خطبة الخليفة الصديق أبوبكر، وهو يلبس ملابس أثرية للعهد العباسي، في مشهد من الكوميديا السوداء، فشتّان ما بين أبوبكر الصديق وما بين أبوبكر الكاريكاتور. نعم فإن الفشل الذريع للدولة الوطنية ليس في سورية والعراق فقط ولكن في أكثر من بلد عربي، والخواء الفكري للأنظمة العربية الحاكمة، والأحزاب الحاكمة والمعارضة على السواء، والنخب الثقافية والعلمية والسياسية، هي الحاضنة لتوليد هذا الفكر وهذه الثقافة الخارجة من كهوف القرون الحجرية.

إن عقيدة هؤلاء لا علاقة لها بالإسلام، إلا إذا كان إسلام جنكيزخان. ونحن نشاهد فصلاً مرعباً من الانحطاط العربي، وعنوانه ما يدعى بدولة الخلافة الإسلامية، القائمة على حد السيف وقطع الرؤوس، وسبي النساء، والغزو وما يرافقه من نهب وقتل وسبي واسترقاق.

هذه المرة لا يمكننا التحجّج بمؤامرة خارجية، ولا أيدي الصهيونية، فهؤلاء نتاج خالص للحاضنة العربية والتمويل العربي، والتراث الاستبدادي العربي والقيم المتخلفة المنسوبة زوراً للإسلام.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4330 - الثلثاء 15 يوليو 2014م الموافق 17 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:52 ص

      هي قلب للمقاييس كما اخبر النبي ص عليه بانقلاب الصورة حيث يصبح اهل البلد خونة

      اهل البلد واصلها وفصلها يصبحون خونة وحاقدين لانهم يطالبون بحقوقهم تلك والله الطامة الكبرى والانقلاب الاكبر على مقاييس المنطق التي اخبرها عنها الرسول الاكرم حيث قال في آخر الحديث الشريف بما معناه كيف لي بكم اذا رأيتم المنكر معروفا والمعروف منكرا: هذا تعليقك الآن يقع تماما ضمن ما اخبر وأنبأ عنه الرسول الاكرم . ونحن نعرف اين ترمي بكلامك ولكن لله امر هو بالغه وكما قال الامام الحسين ع نصبر على بلائه فيوفّينا اجور الصابر واما انتم ايها الفرحون فاضحكوا قليلا ولتبكوا كثيرا

    • زائر 4 | 3:10 ص

      قلم صريح

      عندما هاجم جنكيز خان الدول واستباح الحرمات وحرق المكاتب والكتب النادره لا يوجد في زمنهم لا طائرات ولا ناطحات السحب ولا عولمه البيت الواحد لعة القوه تسود ولكن في وقتنا لماذا جنكيز خان جدد

    • زائر 3 | 2:13 ص

      الوضع من سيء الى أسوأ

      ولكن ااااا في الوجود والثقة بااااا ليس لها حدوووود . يمحو ااااا ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب . لعنة اااا على التكفيرين .

    • زائر 2 | 1:45 ص

      زمن سمك لبن تمر هندي

      رائع يابا منصور

    • زائر 1 | 10:22 م

      اخبار طيبة

      الايام الجاية كلها خير اخبار خير وطيبة وتفرح الاوفياء والشرفاء من اهل البحرين الطيبين ولا عزاء للخونة الحاقدين

اقرأ ايضاً