العدد 4456 - الثلثاء 18 نوفمبر 2014م الموافق 25 محرم 1436هـ

فشلت رهانات الإرهاب... وماذا بعد؟

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الجذور الفكرية للإرهاب ما تزال تعشعش في البرامج التعليمية والتربوية والإعلامية، ولابد من عملية تصحيح، تركز على إشاعة التسامح، وترفض نهج التكفير، وتسلم بمبدأ المواطنة.

منذ العمل الإجرامي في بلدة «الدالوة»، وموضوعات وأقلام الكتاب بالمملكة العربية السعودية تتوالي مُدِينةً العمل الإرهابي الشنيع. ليس ذلك فحسب، بل إن جموعاً من المواطنين من مختلف مناطق البلاد اتجهوا إلى الإحساء لتقديم واجب العزاء، ومشاطرة أهالي الشهداء والمصابين أحزانهم.

لقد طرق الإرهاب مجدداً بلادنا العزيزة، واختار قرية وادعة، في أثناء أدائها مراسم عاشوراء، لتنفيذ جريمته النكراء. وجاءت ردود الفعل الرسمية والشعبية، متماهيةً مع جسامة الحدث، ولتؤكد من جديد تماسك النسيج الوطني وقوته. وكان أهم ما برز من تداعيات هي الصورة التي تبدت بها الوحدة الوطنية بأقوى صورها.

أثبتت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية مهارة عملية وسرعة قياسية في إلقاء القبض على الجناة لينالوا القصاص العادل. وكانت مشاطرة وزير الداخلية شخصياً مع الأهالي أحزانهم، قد أسهمت في تخفيف معاناة المصابين.

جاء الحادث الأثيم في ظل ظروف غير طبيعية تمر بها المنطقة العربية، حيث تسود الفوضى وتفكّك الأوطان، وتضيع الهويات، ويمارس القتل من غير رادع أو حساب. وقد امتدت ظواهر الإرهاب المقيتة هذه لتشمل عدة بلدان عربية، كما هو الحال في سورية والعراق ولبنان واليمن ومصر وتونس وليبيا والجزائر. ولذلك لم يكن مستغرباً أن يطال بلادنا بعض من اللهب.

استهدف الجناة بجريمتهم الغادرة تعكير الأمن وحالة الاستقرار. كما استهدفوا ضرب حالة الانسجام بين أبناء بلد واحد، يربطهم دين ودم وأواصر قربي ووطن. وكان التعدد والتنوع الفكري والعقدي والتفاعل الخلاق والمبدع بين مكونات بلاد هو سر ثرائها وخصبها.

لقد فشل الإرهاب في تحقيق هدفه، ولم يتمكن الجناة من خدش الوحدة الوطنية. لكن السؤال الذي يقلق كثيراً من المواطنين هو: ماذا بعد؟ ومصدر القلق يكمن في طبيعة الحدث المروع. فقد تمكّن الجناة من التسلل تحت جنح الظلام، ونفّذوا جريمتهم. وكان من اللافت للانتباه العدد الكبير للجناة، الذين بلغوا، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية، أكثر من 22 فرداً.

هل نحن أمام حادثة معزولة لن تتكرّر مرةً أخرى، أم أننا أمام موجةٍ جديدة من أعمال الإرهاب، تعيد إلى الذاكرة أعمال التخريب التي مرت بها بلادنا قبل عدة سنوات؟ وقد دحرت في حينها بفضل السياسة الحكيمة للقيادة، وأيضاً بفضل المواجهة الجسورة من قبل رجال الأمن الشجعان، وكيف ينبغي أن تكون المواجهة الوطنية للإرهاب. ومما يضاعف من حالة القلق في مجتمعنا هو أوضاع أشقائنا في الجوار الذين اكتووا بنار الإرهاب.

أسئلة عديدة تعشعش في نفوس المواطنين منذ جريمة العاشر من المحرم في «الدالوة». بعض الأسئلة تركّز على الجانب الفكري لمجموعات الإرهاب، ويجد أن الجذور الفكرية للإرهاب، لاتزال تعشعش في البرامج التعليمية والتربوية والإعلامية. وأنه لابد من عملية تصحيح تركّز على إشاعة التسامح وترفض نهج التكفير، وتسلّم بمبدأ المواطنة المستند على الندية والتكافؤ.

لقد أدلينا بدلونا، أثناء المواجهة المحلية مع الإرهاب قبل عدة سنوات، بأن مواجهة الإرهاب مع الإرهاب ينبغي ألا تقتصر على خندق واحد، وتدع الخنادق الأخرى مكشوفةً وقابلةً للاختراق. وجرى التأكيد على أهمية وجود مشروع استراتيجي وطني للمواجهة، يتخطى التشرنق في أوساط النخب المثقفة، ليصبح مشروعاً وطنياً يزجّ بطاقات الشعب كله في المواجهة الوطنية ضد الإرهاب.

وقد شدّدنا على أن من الطبيعي أن تكون المرتكزات الفكرية والثقافية لأي مجتمع هي الحاضن الأشمل لكل ما يصنعه ويبدعه ذلك المجتمع من الأفكار والأشياء وطرائق العمل. لكن ذلك يتطلب تنقية مستمرة ومواجهة لضروب النشاط الاجتماعي والفكري السلبية والمؤذية التي تمارس في مختلف الميادين.

من هنا فإن مواجهة الإرهاب تقتضي في أبسط أبجدياتها قراءة شاملة لتلك المرتكزات وتفكيكها وإعادة تركيبها بطريقة تفتح الأبواب مشرعةً، وتتيح المجال للتعددية الفكرية والثقافية وتعميم لغة الحوار واحترام الرأي الآخر والتسليم بالحق في الاختلاف بما يعزّز الوحدة الوطنية ويخدم مشروع النهضة.

إن نهج الإقصاء ورفض لغة الحوار وعدم التسليم بالحق في الاختلاف ليس حاصل جمود في تفسير النص، واحتكام إلى الخرافة وتسفيه للعلم الحق فحسب، ورفض الاجتهاد، ولكنه أيضاً حاصل بنية اجتماعية هشة ومتخلفة. إنه انعكاس موضوعي لحالة ضعف في هياكل النخب الثقافية والوطنية، وهو ضعفٌ يشمل قاع المجتمع وسفوحه ووديانه، لا فرق. ولا يستثنى من ذلك أحد.

تلجأ النخب الثقافية والفكرية التي يفترض فيها أن تمارس عملية التفكيك والتحليل، نتيجة عدم استيعابها لمناهج التحليل الاجتماعي وتطبيقاتها، ولعجزها عن التصدي لواقعها ومشاكلها الخاصة، وبسبب غيابها عن التحولات الكونية التي شهدها هذا العصر، إلى الحيل الدفاعية، فترفض التعايش مع عصرها، وتستعير أطروحات و»كليشهات» من خارج دائرة بيئتها ومحيطها، ومن الزمن السحيق.

المشكلة مع الإرهاب أنك مع نموذج غريب من البشر، يرفض التعايش مع مجتمعه. نموذجٌ لا يؤمن بسنن الكون التي اعتبرت اختلاف الناس رحمة. والمعضلة مع هؤلاء لا تكمن في اختلافك معهم، فذلك ما يمكن التعايش معه، ولكنها تضعك بين خيارين لا ثالث لهما: إما التسليم بأطروحاتهم الواهية المستندة على الوهم والتي ما أنزل الله بها من سلطان، أو المواجهة المسلحة مع المجتمع بأسره، حيث تكون أهداف إرهابهم النساء والأطفال والمدنيين العزل.

المواجهة الوطنية الفكرية للإرهاب ستكون طويلة، لأنها مواجهة مع أفكار ومع سلوك منحرف، ولا من مناص من خوضها. رحم الله شهداء «الدالوة» الذين سقطوا ضحية الإرهاب، وأسكنهم فسيح جناته، ورحم الله الجنود البواسل الذين سقطوا في معركة الشرف، وهم يحاولون اجتثاث الإرهاب، وجعلهم مع الشهداء والعليين، «إنا لله وإنا إليه راجعون».

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4456 - الثلثاء 18 نوفمبر 2014م الموافق 25 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:04 م

      يجب ان لا نضحك على انفسنا

      هي تلك البلد بؤرة التشدد المسيطر عليه حسب المطلوب تشبع ديني في طريق تكفير وإقصاء الاخر مناهج دينية تكفيرية مدارس ومعاهد تخرج دعاة ينشرون حول العالم حنفية المال متوفرة بقوة للتمويل وأقول هم خرجوا من تحت سيطرتهم فيحاولون حاليا تصنيفهم كإرهابيين لعل الوضع يرجع تحت سيطرتهم وهذا لن يحدث مع شديد الأسف فلقد شبوا عن الطوق والقادم اقتم

    • زائر 1 | 9:59 م

      التاريخ يعيد نفسه

      إلي حصل في السعودية تفس إلي جصل في البحرين الفرق الأشخاص إلي فامو به

اقرأ ايضاً