العدد 4541 - الأربعاء 11 فبراير 2015م الموافق 21 ربيع الثاني 1436هـ

المرأة الإسلامية وغلبة ثقافة العالم الخاص

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

باستقراء الخطاب القرآني نجده يدعم المساواة بين النساء والرجال، فهناك ما لا يقل عن ثلاثين آية في القرآن توضح ذلك، إذ لا يوجد مقياس للتفضيل لذكر على أنثى ولا لأنثى على ذكر إلا بالتقوى، كما في قوله تعالى «للرجالِ نصيبٌ ممَّا اكتسبوا وللنّساءِ نصيبٌ ممَّا اكتسَبْنَ واسأَلُوا اللهَ من فضلِهِ». (سورة النساء، 32).

وقد أظهرت المرأة في صدر الإسلام صورة إنسانية على قدر كبير من الوعي والتأثير، فهي مالكة لناصية نفسها، بليغة في حجتها، مؤثرة في حضورها، فخولة بنت ثعلبة تجادل رسول الله (ص) تلتمس حلاً لأمرها، وهنا يأتي أمر الله في الاستماع إليها: «قد سمِعَ اللهُ قولَ التي تُجادلك في زوجِها وتشتكي إِلَى اللهِ واللهُ يسمع تحاوُرَكما إِنَّ اللهَ سميعٌ بصيرٌ» (المجادلة، 1). ولم يكن غائباً عن ذاكرتنا المرأة التي جادلت الخليفة عمر بن الخطاب حين أراد تحديد صداق المرأة، إذ فندت قرار الخليفة بالقرآن الكريم، فيقر لها بالصواب حين قال: «امرأة أصابت ورجل أخطأ».

إن المرأة بما تحمله من خصوصيات في تركيبتها الطبيعية والاجتماعية تعتبر الفاعل المحوري في عملية التحوّل، إذ إن أدبيات علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي أكّدت جميعها بأن المرأة تعد عنصراً أساسياً من عناصر التغيير، بل تبقي أكثر أدوات التغيير فعالية، لأنها أكثر سرعة في تقبل كل ما هو جديد، وتتميز بالقدرة على التكيف والأكثر اعتدالا في التعامل مع الجديد، دون أن تتخلى عن ثوابتها.

الثوابت هنا لا تعني أن يكون هناك تناقض بين الفعل والقول، وبين الفكر والممارسة، وما بين التواجد في المجال العام والمجال الخاص، والاختلاف ما بين تصورنا والحكم الشرعي. الدراسات التي تناولت المرأة في الإسلام في السنوات الماضية خلصت إلى التأكيد على أهمية دور المرأة في النموذج الإسلامي للأسرة بوصفها النواة الأولى لسلامة بنية المجتمع، مع عدم إغفال دور الرجل في هذه المعادلة ومسئوليته في بناء المجتمع. هذا التصور يعطي المرأة المركزية في الأسرة، ويصبح هو عالمها، ويظهرها بأنها وحدها المسئولة عن التربية وحفظ كيان الأسرة وأخلاقيات المجتمع والتضحية بالذات باعتبارها المسئولة وحاملة العبء الأكبر. ومع هذه الثقافة المبالغة سادت مفاهيم لكل جنس مجاله وتخصصه، فأصبحت الذكورة تعني العمق والجدية والأنوثة هي السطحية، فتم تقديم الذكورة على أساس القوة، وفي المقابل تم تمجيد الأنوثة على أساس سطحيتها باعتبارها الحارس للأسرة والمجال الخاص.

وفي هذا المجال يشدد آية الله السيد محمد حسين فضل الله على مسألة الفصل في المجالات بحسب الجنس بقوله: «إنَّ الفكرة التي تحبس دور المرأة في نطاق خاص، أو تحبس دور الرجل في نطاق خاص، هي فكرة غير عملية وغير صحيحة. وقد اعتاد الناس على أن يجعلوا لكل إنسانٍ دوراً بحسب اختصاصه».

لذا فحين نتحدث عن المرأة الإسلامية ونفرق بين دورها في المجال العام، وفي المجال الخاص، فإننا نشكك في قدرتها على المشاركة في الحياة العامة، ونقفل الأبواب أمامها، لأنه سيدخلها في منافسة خاسرة مع دورها كأم وزوجة، وهي ليست ثقافة الإسلام، الذي أعطى الخيار للمرأة بوصفها شريكاً في الحياة، في أن تكون ما ترتضيه، وتلعب أي دور تريده، وأين تجد نفسها، وهي مسئولة عن خيارها.

إن المرأة الإسلامية تمتلك الكثير، وهي قادرة على تغيير ما جعله الناس ثوابت لتتقوقع في عالم خاص. إنها قناعةٌ قبل أن تكون ثقافة، ولن يكون التغيير مقروناً بتبديل قناعة الرجل بقدر ما هو مرتبطٌ بمواقف المرأة الإسلامية نفسها في أن تتجاوز عالمها الخاص دون التفريط فيه.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4541 - الأربعاء 11 فبراير 2015م الموافق 21 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً