العدد 4544 - السبت 14 فبراير 2015م الموافق 24 ربيع الثاني 1436هـ

بريطانيا وهي تواجه تجارة الرقيق في الخليج: ماذا كانت تخفي؟

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

الهيمنة البريطانية على الخليج العربي في مرحلة الاستعمار البريطاني لم تكن بحاجة فقط لأسطول عسكري ضخم وقادة وسياسيين متمرسين ومنظومة معرفية وإدارية عميقة، بل كانت بحاجة لمبررات وشعارات تسوّغ السياسات وتؤطرها في إطار يكون أكثر قبولاً. ومن أبرز نماذج ذلك شعار محاربة تجارة الرقيق في الخليج العربي.

كانت تجارة الرقيق شائعة في الخليج العربي في تلك الفترة. في البحرين على سبيل المثال، يذكر لوريمر في كتاب «دليل الخليج» أن المعتمد السياسي في البحرين ذكر في العام 1905 أن «استيراد الرقيق الأفريقي مستمر في البحرين»، وقد قدّر عدد المستوردين منهم للبحرين منذ 1847 بالآلاف. وفي مكان آخر من كتابه، حين يعدّد سكان مدينة المنامة، فإن لوريمر يذكر من ضمنهم 1500 فرد من الزنوج الأحرار و800 فرد من الزنوج العبيد الذين لازالوا يعيشون مع أسيادهم.

رغم أن محاربة الرقيق تعد عملاً أخلاقياً ومحموداً، إلا أن السلطات البريطانية حين رفعت هذا الشعار فإنها حقّقت من خلاله الكثير من المكاسب المهمة، الأمر الذي ساهم في تركيز نفوذها في الخليج العربي. فقد سمحت سياسة محاربة تجارة الرقيق لبريطانيا بإلزام حكام الخليج بالتوقيع على معاهدات واتفاقيات توفّر لبريطانيا الغطاء لمواجهة السفن التابعة للقوى المحلية تحت ذريعة ملاحقة تجار الرقيق، كما وفّرت لها الغطاء للتدخل في بعض القضايا الداخلية تحت الذريعة نفسها.

في مقال نشره موقع www.qdl.qa بعنوان «إعتاق الرقيق، وليس الإلغاء: وساطات البريطانيين حول الرق في الخليج»، كتب مارك هوبز «كان وضع حدٍ لتجارة الرقيق أحد أهم المسوّغات التي استخدمها البريطانيون لبسط سيطرتهم على المياه الإقليمية حول شبه الجزيرة العربية بما فيها الخليج. وبالنسبة للمسئولين البريطانيين، كان نقل الرقيق عبر البحار جزءاً من الطبيعة غير المتحضرة لسكان المنطقة. وساعد فرض عقوبات على القرصنة واستئصال تجارة الرقيق على بسط النظام في هذه المنطقة، ومن ثم سلامة سفن بريطانيا وطرق التجارة من المحيط الهندي الغربي إلى الهند».

فكما ساهمت سياسة محاربة تجارة الرقيق في بسط النفوذ البريطاني في الخليج، فإنها ساهمت كذلك في إبراز بريطانيا كقوة متحضرة في مقابل «الطبيعة غير المتحضرة لسكان المنطقة»، في رأي المسئولين البريطانيين كما ورد في المقال. محاربة الرقيق قدمت بريطانيا في صورة قيمية عالية ووفّرت لها عنصراً مهماً من عناصر تكوين الثقافة المبررة للاستعمار.

المفارقة التي كشفت عن حقيقة شعار محاربة تجارة الرقيق، هي أن السلطات البريطانية في الوقت الذي كانت تنادي فيه بتحرير الرقيق، كانت تحكم من سيطرتها أكثر وأكثر على سكان الدول التي تقع تحت هيمنتها. فهي تنادي بحرية العبيد لكنها في الوقت نفسه، تستعمر وتحتل وتقيد من حريات العبيد والأحرار في مستعمراتها. هذه المفارقة تدلل، ربما، على حالة الاستغلال لشعار محاربة تجارة الرقيق في السياسة البريطانية الاستعمارية. فالمعيار هو المصالح البريطانية الكبرى وليس الشعارات والمبررات التي قد تسوغها. فإذا استلزمت مراعاة المصالح البريطانية محاربة تجارة الرقيق تلجأ السلطات البريطانية لذلك، وإذا استلزمت المصالح البريطانية استعمار واحتلال دول أخرى تلجأ لذلك أيضاً.

في الأصل، لم تأت بريطانيا إلى الخليج لتحرير العبيد فيه، وإنما لتحقيق مصالحها وبس نفوذها، وبالتالي فإن أية سياسة تتبعها يجب أن تقود للأصل الذي جاء بها للخليج. بالنسبة للبحرين، فإن أول اهتمام بريطاني بها كان لكونها سوقاً جديدة. ويذكر لوريمر في كتابه «دليل الخليج»: «كانت البحرين من أول الأماكن التي اجتذبت اهتمام ممثلي شركة الهند الشرقية البريطانية في الخليج. فقد كان توماس ألدورث الذي عُيّن رئيساً لوكالة سورات لدى إنشائها في بداية العام 1561، منهمكاً في البحث عن أسواق جديدة خارج الهند، وكتب عن البحرين في السنة الأولى من توليه العمل».

بعد ما يقرب من 150 عاماً، جاء اقتراح بريطاني آخر لا يدعو لاعتبارها سوقاً جديدة وحسب، وإنما يدعو لاحتلالها. كتب لوريمر: «في سنة 1700-1701 حين كانت العلاقات بين شركة الهند الشرقية والحكومة الإيرانية قد بدأت - بعد هدنة قصيرة- في التدهور، اقترح مستر (اوين)، وكيل الشركة في إيران «أنه من الضروري للشركة مستقبلاً أن تستخدم القوة من أجل استمرار تجارتها وامتيازاتها في إيران». واقترح بهذا الصدد احتلال البحرين، فهي لن تكون مجرد موقع تضمن به الشركة نصيبها من منتجات إيران فقط، بل كذلك تمكن طوافات الشركة المسلحة من مراقبة تجارة الشركة في منطقة الخليج كلها».

كانت هذه المقترحات قبل أن توقع البحرين على معاهدة السلم العامة مع بريطانيا العام 1820، وقبل أن تثار قضايا تجارة الرقيق، ما يعني أن فكرة الهيمنة البريطانية على البحرين كانت سابقةً على مثل هذه القضايا. كما أنها استغلت مثل هذه القضايا لتحقيق الهيمنة، ولا تبدو إثارتها بريئةً وبعيدةً عن تحقيق ذلك.

يبدو من المفيد أيضاً الإشارة إلى نموذج خليجي آخر يوضح كيف استغلت بريطانيا شعار محاربة تجارة الرقيق للنفوذ والهيمنة على الخليج، وهو النموذج العماني. ففي مقال آخر نشره موقع www.qdl.qa تحت عنوان «علاقة وطيدة: بريطانيا وعمان منذ 1750»، ذكر فرانيس أوترام أن تجارة الرقيق كانت من الإيرادات المهمة جداً لعمان في القرن الثامن عشر. كانت عمان حينها تتوسع في المحيط الهندي حتى أن البلاط العماني انتقل إلى شرق أفريقيا. هذا التمدّد العماني ساهمت سياسة محاربة تجارة الرقيق البريطانية في تحجيمه من خلال المعاهدات والاتفاقيات التي ألزمت بها السلطات العمانية. كتب أوترام: «فمعنى كبح موارد الإيرادات العُمانية (تجارة الرقيق والبنادق) على يد البريطانيين أن السلاطين المتعاقبين لم يكونوا قادرين على دفع المساعدات لشيوخ القبائل أصحاب النفوذ بالمنطقة الداخلية. وقد أدّى هذا إلى سلسلة من التمردات والهجمات على مسقط من قبائل المنطقة الداخلية. نتيجة لذلك، التزمت بريطانيا في 1895 بحماية السلطان فيصل بن تركي في مسقط ومطرح من الهجمات القبَلية. لذلك تمكن البريطانيون من ممارسة النفوذ الإمبراطوري بشكل غير رسمي من خلال الحفاظ على مناصب السلاطين».

نتيجة لسياسة محاربة تجارة الرقيق، تحوّل السلطان العماني الذي كان سيّد المحيط الهندي، إلى سلطان غير قادر على حماية نفسه في مسقط، وبات محتاجاً لحماية بريطانية.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4544 - السبت 14 فبراير 2015م الموافق 24 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:38 ص

      احسنت استاذ

      و لا زالو يستخدمون هذه الشعارات لمحاربة الشعووب..كشعار محاربه الارهاب و غيره و تبقى الشعوب ضحيه

اقرأ ايضاً