العدد 4567 - الإثنين 09 مارس 2015م الموافق 18 جمادى الأولى 1436هـ

ماذا سيفعل «داعش» في الأيام الأخيرة من هزيمته

رضي السماك

كاتب بحريني

تحدثنا كتب التاريخ عن حالات عديدة انتقم خلالها المستبدون والحكّام الدكتاتوريون لحظة تيقنهم النهائي بزوال الحكم من تحت أيديهم بلجوئهم إلى أشد وسائل الانتقام انحطاطاً وجنوناً، وذلك بتدمير كل ما تطوله أيديهم تطبيقاً لسياسة «عليّ وعلى أعدائي». ولعل المفكرين العربيين ابن خلدون والكواكبي من أكثر المفكرين العرب الذين صوّروا بصورةٍ أو بأخرى هذه الحالة الانتقامية المنفلتة التي تنتاب وتتلبس نفسية الحاكم المستبد في مثل تلك اللحظات التاريخية الدراماتيكية الفاصلة.

وإذا كان الحكّام الدكتاتوريون في تاريخنا المعاصر لا يتورعون عن ممارسة هذه السياسة الجنونية قبيل انهيار أنظمتهم ضاربين بعرض الحائط كل المواثيق والتشريعات الوطنية والدولية التي تعهّدوا بها، فمن باب أولى أن تفعل ذلك بصورة أشد وأكثر هولاً دولة عصابة متوحشة إجرامية تحكم باسم الإسلام، كـ «داعش»، لا تعترف أصلاً حتى بشرع الله إلا كما تفسّره ويفتي به مفتوها المجرمون، فما بالك بالتشريعات والقوانين والدساتير الدولية الوضعية؟

مناسبة هذا الكلام أن لا أحد اليوم في الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في وارد رسم سيناريوهات العواقب الوخيمة لإطالة الحرب مع «الدولة الاسلامية» لـ «داعش» بما تمنحها هذه الإطالة من فرص لأعمال انتقامية متنوعة في الفظاعة والوحشية يصعب التنبؤ بها، سواءً في البلدين اللذين تتواجد فيهما دويلته أم في المنطقة أو حتى في العالم بأسره. كما أن واشنطن ومراكز الدراسات التي تخطّط لاسترتيجياتها السياسية والعسكرية، غير مكترثة برسم سيناريوهات لما ستفعله «داعش» من الآن حتى اقتراب هزيمتها النهائية؛ بل وعما ستفعله من أعمال إجرامية تخريبية واسعة النطاق في أيامها الأخيرة، سواءً إزاء الزرع والضرع أم إزاء كل ما يتصل بالعمران بصلة.

بعبارة أخرى فإن الجماعة المتبقية من القتلة في الدويلة الداعشية لن تستسلم أو على الأدق تقدم على الانتحار الجماعي بعمل إجرامي أخير إلا والخراب الشامل قد عمّ كل الأراضي التي كانت تحت سيطرتها في العراق وسورية. دع عنك عمّا قد ترتكبه من أعمال انتقامية مجهولة الفظاعة والأهوال على الصعيدين الإقليمي والدولي.

نعم، في كل تاريخ الحروب التي شنتها أميركا في المنطقة، ثمة دراسات وخرائط متنوعة وإحصائيات دقيقة موثقة تحت متناول يدها مسبقاً عن قوة الخصم كدولة مارقة أو إرهابية، عسكرياً واقتصادياً، ودرجة تماسك جبهته الداخلية، فضلاً عن قوته سياسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، مقارنةً بقوة أميركا على جميع تلك الأصعدة، بما في ذلك نفوذها الهائل كقوة عظمى في الأمم المتحدة وما تملكه من عقوبات دولية تفرضها من خلالها على الخصم المستهدف عسكرياً، لكن هل بالإمكان إعداد دراسات أو تقديرات مسبقة تتنبأ بردود الفعل الجنونية الطائشة بصريح العبارة لدويلة «داعش» التي لا يبدو أن الولايات المتحدة في عجلة من أمرها للاجهاز السريع المبرم عليها؟

فقد ثبت بالملموس وبما لا يدع أي مجال للشك، أن كل يوم يمر على الإنسانية ومازالت فيه هذه المخلوقات الداعشية الإجرامية المتوحشة حيةً يكلف البشرية وحضارتها لا المنطقة وحدها كثيراً. وإذا كان آخر جرائم الداعشيين المهولة نحر الأقباط المصريين في ليبيا، ثم تدمير ما في متحف نينوى من كنوز أثرية نفيسة لا تُقدر بثمن، فتجريف مدينة نمرود الأثرية، فلا أحد باستطاعته التكهن بجرائم الغد وما بعد الغد، وصولاً لليوم الأخير من حياة هذه الدولة الداعشية المارقة، وهو اليوم المجهول حتى الآن ميقاته.

وإذا كان قد ثبت أيضاً أن نخوة وغيرة أميركا وحلفائها الدول الغربية على ضحايا قتلة «داعش» من مواطنيها أشد من غيرتها على ضحايا «داعش» من العرب والمسلمين، فهل تهتز على الأقل ضمائر أميركا وحلفائها الغربيين لما تفعله «داعش» من جرائم تحطيم التراث الحضاري الإنساني في العراق وسورية، الذي هو ملكٌ للحضارة البشرية على تعاقب أجيالها قبل أن يكون ملكاً لذينك البلدين؟

كان من أبرز مظاهر نكبة إرث الحضارة العربية والإنسانية في أعمال السطو والتخريب الداعشية لمقتنيات مكتبة الموصل، من مخطوطات نادرة وخرائط تعود للعصر العثماني، وصحف عراقية تعود لبدايات القرن الماضي، أما أبرز مظاهر الإجرام الداعشي في متحف نينوى الذي يُعد من أهم المتاحف العالمية، تحطيم تماثيل تعود للقرن الثامن قبل الميلاد، ومنها تمثال للثور الآشوري المجنح.

وبعد أيام قليلة من هذه الجريمة، أعلنت جهة رسمية عليا معنية بالمتاحف الأميركية، حظرها إدخال الزوار لعصا التصوير السلفي، حمايةً للمجسمات والمقتنيات التي تحتويها تلك المتاحف، هذا في الوقت الذي يعرف الكل سلبية قوات الاحتلال الأميركي تجاه حماية متحف بغداد الذي تعرّض للنهب غداة احتلالها المدينة مقارنةً بحمايتها لمبنى وزارة النفط. هذا يعني أن الولايات المتحدة ليست قلقةً على مستقبل تراث العراق كهوسها لحماية مبنى يتصل بأطماعها النفطية، أو حماية متاحفها. وهكذا هي تبدو أشبه بالغافل غير المبالي البتة لرسم سيناريوهات لما سيفعله «داعش» من أعمال تخريبية انتقامية مجنونة واسعة النطاق ليس بحق البشر فقط، بل وما تبقى من إرثٍ حضاري، إن يكن قد تبقى شيء منه، مادامت ليست في عجلة من أمرها لسحق «داعش» سحقاً مبرماً كاملاً قبل استفحال واتساع جرائمه أكثر وأكبر مما شاهدناه من أهوال حتى الآن.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4567 - الإثنين 09 مارس 2015م الموافق 18 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:31 ص

      من المحرق

      اعتقد هذا وهم و كلام للحشو بأن داعش ستهزم و السؤال من الذي سيهزم هولاء وارض الواقع بانهم يحتلون مدن كتكريت والموصل وغيرها حتي التحالف الدولي مع امريكا اوقفوا القصف لانهم يقصفون بصواريخ يكلف الواحد مئات الالاف من الدولارات والقصف يقع علي اهداف وهمية وداعش تسخر من هذا القصف الذي تقوم به احدث الطائرات المجهزة فى العالم ولا شي ولا يجدي نفعا فهل يستطيع الحشد الشعبي المهلل مع مليشيات طائفية ان تهزمهم الايام القادمة ستشهد من هو المنتصر.

    • زائر 10 زائر 9 | 2:50 م

      نعم

      الحشد الشعبي مع الجيش العراقي سيسحقهم قريبا جدا.ففط تابع الاخبار ولا تعيش في اوهامك.تكريت خلال يومين ستحرر من قبضة الدواعش وانصارهم.والدور الجاي على الموصل.روح نام حبيبي.

    • زائر 8 | 6:36 ص

      من له مصلحة أشعل النيران في آبار نفط الكويت

      الگدام قتل الكويتيين بس ما أشعل النيران في آبار نفط الكويت

    • زائر 7 | 6:26 ص

      ليست قلقةً على حماية متحف بغداد

      يا ما تحت السواهي دواهي

    • زائر 6 | 2:46 ص

      توجد مخاوف

      المخاوف أن يعطي الصهاينة والأمريكان وأردوغان العثماني التكفيري ومن معه من حكام الدواعش أسلحة كيماوية وغازات سامة وقاتلة وتستخدم ضد الجيشين السوري والعراقي وشعبيهما وحلفائهما هذا تهديد حقيقي ولكن لا خيار إلا مواجهة هذا التنظيم الارهابي التكفيري والقضاء عليه لتنعم الانسانية بالخير والأمن...

    • زائر 5 | 1:09 ص

      صدام والدواعش

      صدام حين أوشك على الهزيمة أشعل النيران في آبار نفط الكويت وقتل الكويتيين وللآن البعض منهم أهاليهم لايدرون بهم في أرض أوسما والدواعش لعنهم الله في هزيمتهم وفرارهم يحرقون آبار النفط وماخلوا موبقة مافعلوها النفس قتلوها والمناكحة بإسم الجهاد شرعوها والمساجد والكنائس والآثار هدموها .

    • زائر 4 | 12:37 ص

      لماذا البعض يصم حواسه الخمس حتىلا يرى الواقع والحقيقة

      الحقيقة الدامغة التي كشفت عورتها داعش ان الصهيوامريكية صانعة المسخ داعش وصانعة الارهاب والبارحة الاخبار قائد عسكري يزور العراق على عجل لما رأى الصهيوامريكية الانتصارات للعراقيين على ارهابهم وصناعتهم الداعشية واخواتها لاعاقة التقدم والهزيمة بحجة الاشتراك وسرقة النصر وهى حجة رأها العالم في العراق و سوريا كيف الصهيوامركية تحمي داعش واخواتها عيني عينك وتقدم لهم المساعدات ، ولكن للاسف لازال البعض المثقفين يضع غشاوة على بصره لكي لا يرى الحقيقة .

    • زائر 3 | 12:34 ص

      داعش و .....

      داعش و .....كلهما من نفس الطينه و يأتمرون بأوامر سيد واحد

    • زائر 2 | 11:22 م

      تقرب الاهل السنة

      الجوء او التقرب الى اهل السنة .. وسبب الفتنة الطائفية .. لكي يغرد المنتفعون والانقلبيوون والعبيد .. بهادا التعبير (( الشيعة احتلووو فلوجه الروافضة وووو

    • زائر 1 | 11:20 م

      بورك قلمك

      توصيف جميل لواقع هذه الدويلة المولودة قسراً من رحم المسلمين بالسفاح، مؤامرة صهيو أمريكية بغطاء عالمي إمبريالي تم توظيف لشداد آفاق من أصقاع الأرض دوله العصابات الإجرامية لضرب منهج الدين الإسلامي المحمدي الأصيل وتشويهه والقضاء عليه ولكنه "لن يفلح الساحر حيث أتى" فقد قيض الله لهذا الدين حراسا باذلين ومضحين ليبقى روح الإسلام ينبض ليملأ الله بهم الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

اقرأ ايضاً