العدد 4576 - الأربعاء 18 مارس 2015م الموافق 27 جمادى الأولى 1436هـ

ثقافة الإفصاح عن الأخطاء

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في محاضرته المتميزة التي ألقاها في منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف الأسبوع الماضي حول «القطاع الصحي والأخطاء الطبية»، تناول المدير العام السابق للشئون الصحية بالمنطقة الشرقية الدكتور أحمد العلي، مفهوماً مهماً للحد من استمرار وزيادة حالات الأخطاء الطبية، أطلق عليه ثقافة الإفصاح عن الأخطاء.

بلباقته وسعة معرفته واطلاعه، فصل العلي في هذا الموضوع الذي اعتبرته من أهم القضايا التي طرحت في الندوة، من حيث أنه يؤسس لثقافة جديدة تقوم في الأساس على الاعتراف بالخطأ، والإعلان عنه كطريقٍ لمعالجته والحد من أضرار نتائجه التي قد تكون كبيرةً وخطيرةً. وأجرى مقارنة جميلة بين ما تمارسه ممرضة في الدول المتحضرة مثلاً عند ارتكابها خطأً طبياً معيناً تقوم بإبلاغ الطبيب الذي يقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المريض، وبين ما يمارس محلياً من عدم الإفصاح عن الخطأ خوفاً من تحمل أي مسئولية، حيث يدفع المريض بالتالي ثمن ذلك الخطأ.

ثقافة الإفصاح عن الأخطاء هذه لا تقتصر على الشأن الطبي فقط، بل تتعداها إلى مختلف مجالات الحياة وشئونها، وهي تمارس في ظل بيئة تشجّع على التعبير عن الرأي وتسمح بحرية ممارسة النقد والإعلان عنه، تحت مظلة قانونية تحمي المبلّغ عن الخطأ.

لو أن كل موظف أو مسئول قام بدوره في التبليغ عن الأخطاء التي يراها تقع أمامه في عمله، وتم التعامل مع هذه البلاغات بمهنية، لاختصرنا كثيراً في معالجة أخطاء متكررة وأزمات مزمنة. في أغلب الأحيان يتردد الموظف أو المسئول في الإفصاح عن خطأ ما، إما لقناعته بأنه لن يجد استجابة مناسبة من المعنيين بالموضوع، أو خوفاً من اتخاذ إجراءات سلبية ضده.

ثقافة الإفصاح عن الأخطاء تتطلب وجود بيئة ثقافية تحترم التعبير عن الرأي، وتعتبر أن الإخلاص في العمل والصدق في القول هما منطلقان أساسيان للإفصاح رغبة في تصحيح الواقع الذي يعيشه الفرد أو الجماعة. بينما الثقافة التواكلية والخاملة تجعل الفرد بعيداً عن تحمل مسئوليته، ولا يرى نفسه معنياً بالتبليغ عن الأخطاء التي تقع أمامه.

من هنا نرى في مجتمعنا – وبسبب غياب ثقافة الإفصاح عن الأخطاء – استمرار ممارسة وتكرار الأخطاء، ومواصلة نتائجها الكارثية أحياناً على الأفراد والمجتمع بشكل أوسع، والاتجاه نحو تبادل إلقاء مسئولية الأخطاء على مختلف الجهات والأشخاص. ومن الطبيعي أن تساهم هذه الثقافة المسئولة في تحديد الجهة المعنية بالخطأ، وتدفعها نحو معالجته قبل استفحاله، وتدفع بالجميع لتحمل المسئولية، كما أنها تخلق لدى المتضررين من الخطأ استعداداً أفضل للتسامح، كما أشار المحاضر.

ينبغي أن تعمم مثل هذه الثقافة على مختلف المستويات، وتعزّز لدى الجميع من الصغر وفي مراحل التربية الأولية، وتتواصل كممارسة طبيعية في مختلف المجالات.

ويحفز من يبادر ويقوم بالإبلاغ عن الأخطاء بمكافآت مناسبة، ويتحوّل ذلك إلى برنامج أساسي في كل إدارة ومؤسسة يتدرب عليها جميع العاملين فيها.

هذه الثقافة في نظري تختصر علينا كثيراً، ويلزم لإنجاحها توفير بيئة من الحرية المسئولة التي تضمن للجميع القدرة على التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم دون خوف أو تردد.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4576 - الأربعاء 18 مارس 2015م الموافق 27 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:32 ص

      نعم الثقافة وتنم عن مستوى الوعي

      في البدء نشكر الأخ الكريم على هذا المقال , فما أحوجنا إلى هذه الثقافة التي تكشف الحقيقة, وإنها تؤدي مؤدى مضمون الآية الكريمة : ولكم في القصاص حياة يا أولو الألباب...

اقرأ ايضاً