العدد 4579 - السبت 21 مارس 2015م الموافق 30 جمادى الأولى 1436هـ

«كُلُّنا باردو»... «كُلُّنا تونس»

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لئن اختلفت المواقف، حين رفع العالم شعار «أنا تشارلي» مطلع العام 2015 بعد العملية الإرهابية على صحافيّي مجلة «تشارلي هيبدو» بباريس، نظراً للأغراض المشبوهة لهذه المجلة، فإنّ هذه المواقف اتفقت على شعار «أنا تونس» أو «كلنا تونس»؛ ذلك أنّ الضربة الإرهابية الأخيرة في متحف باردو بالعاصمة تونس وحّدت العالم حول استنكار هذه العملية وأبانت عن تعاطف دولي يزيدُ الإرهابيين وَهناً على وهنٍ، ويزيد «التوانسة» قوة وتماسكاً. وبالمناسبة لا يفوتني أن أحيّي مملكة البحرين قيادةً وشعباً على تضامنها المعهود مع الشعب التونسي؛ حيث استقبلني زملائي وأصدقائي صباح الخميس بالتعبير عن تأسّفهم للحادثة الأليمة.

ويكاد يُجمع المحلّلون للشأن التونسيّ أنّ النجاح السياسيّ، الذي تحقّق للبلاد من خلال استكمال المسار الانتقاليّ، وإجراء الانتخابات النيابيّة والرئاسيّة، لم يكن لِينجحَ لولا الضربات الأمنيّة والعسكرية الموجعة التي تلقّتها المجموعات الإرهابية التي راهنت على إرباك المسار الديمقراطي خلال العام 2014 وبداية العام الجاري؛ حيث دكّت قوات الجيش التونسيّ حصون الإرهابيّين في الجبال، وفكّكت وحدات الأمن العديد من المجموعات الإرهابيّة، وألقت القبض على كثير من الخلايا النائمة. كما كان للمجتمع المدنيّ وأفراد الشعب التونسيّ دور كبير في عزل هذه الخلايا برفض احتضان هذه الجماعات الغريبة عن طبيعة هذا المجتمع وهذا الشعب المسالم المتسامح المعتدل المضياف.

لكن كيف؟ وماذا؟ ولماذا حدث ما حدث يوم الأربعاء 18 مارس/ آذار 2015 في متحف «باردو» بالعاصمة التونسيّة على مقربة من مجلس نوّاب الشعب؟ وماذا بعد ما حدث؟

بدم بارد، فتح إرهابيان أو ثلاثةٌ النار على حشدٍ من السياح كانوا قد وصلوا إلى « باردو» لزيارة هذا المتحف الذي يحتوي على أكبر قطعة فسيفساء عالمية، وغيرها من الآثار والمعالم التاريخية والحضارية، كما أخذوا عدداً من الرهائن ولاذوا بهم إلى داخل المتحف، ثم كانت المواجهة مع قوّات الأمن انتهت سريعاً بتحرير الرهائن والقضاء على الإرهابيين، لكن مع استشهاد رجل أمن وجرح عدد من السيّاح وموت عدد آخر تجاوز العشرين. لكن لماذا يحدث هذا في تونس الآن؟

بعد الضربات الأمنية الموجعة وعجز التطرف الإرهابي عن بسط سلطانه على الجبال وعقول العباد، لم يبق أمامه في تونس إلاّ ما يعرف بـ «عمليات الذئاب المنفردة»، وهي عمليات تقوم بها مجموعات صغيرة تمتلك الأسلحة تضرب ضرب عشواء هنا وهناك وكأنها ديكٌ مذبوحٌ يهيج ولا يخيف.

غير أنّ عمليتها هذه المرة ضربت في مقتل وأرادت أن تفسد أشياء كثيرة رمّمها التونسيون بعد الثورة بصعوبة؛ حيث تبقى السياحة عموداً من أعمدة الاقتصاد التونسيّ استطاعت أن تتعافى بعد الثورة وتعود إلى أرقامها القديمة. وقد أراد الإرهاب أن يضرب هذا المورد لتعجيز الدولة وقطع الرزق على آلاف العاملين في هذا القطاع الحيوي.

كما استطاعت البلاد أن تسترجع نخوة الاحتفال بالأعياد الوطنية، بعدما ران عليها ما ران من أدران النظام القديم حتى فقدت عند أغلب الشعب التونسي طعمها ومعناها، وبعد الثورة أصبح الاحتفال بالعيد الوطني (20 مارس) وعيد الجمهورية (25 يوليو) احتفالاً وطنياً يجسد اللحمة بين أبناء البلد حيث ينزل الجميع إلى الشوارع محتفلين متّشِحين بالأعلام فقد استرجعوا تونس... غير أن الإرهاب يحاول دائماً تعكير هذا المناخ؛ ففي مناسبة أولى فعلها عشية الاحتفال بعيد الجمهورية 25 يوليو 2013 حين اغتال الإرهاب الشهيد النائب الحاج محمد البراهمي، وها هو يُعيدها يوم 18 مارس 2015 محاولاً إفساد الاحتفال بذكرى العيد الوطني 20 مارس.

لكن هيهات ثم هيهات؛ فالشعب التونسي، وبفضل عزيمته ومؤازرة كلّ العالم له بعد هذه العملية الجبانة، خرج يوم الجمعة 20 مارس 2015 مباشرة ليقول بصوت واحد «كلنا باردو»، «كلنا تونس»، «لا للإرهاب». وهي العبارات التي تردّدت في المواقع الاجتماعية والصحف الوطنية والعالميّة؛ فلقد تداعى العالم كله مسانداً تونس في تجربتها الفريدة التي تحاول بعض الأيادي بتوظيف العناصر الإرهابية والتزيين لهم بالمال والعتاد والجنان الموعودة... أن تفسد عليها فرحة النجاح وسط هذا الدمار والخراب المستشري بين العديد من الدول التي مرّ بها الربيع العربي.

إنّ استمرار إقامة السياح بتونس بعد الحادثة وخروج بعضهم في مسيرات مساندة للأمن واستنكاراً للإرهاب، وتصوير العديد من مقاطع الفيديو في عدد من الدول بالعالم للتأكيد على قدوم السياح المعهودين إلى تونس الصيف المقبل، لخيرُ دليلٍ على فشل الإرهاب، وإنّ أيّ تخوّف أو عزوف عن زيارة تونس سوف يقدم العون للإرهابيين للمضيّ قُدُماً في مشروعهم.

إنّ الحرب على الإرهاب حربٌ عالميةٌ لابد من التوحّد ضدّها بأشكال مختلفة، وإنّ تونس تنتظر من أشقائها العرب قبل أصدقائها من الغرب، كلّ المساندة بزيارة الخضراء «برشا برشا».

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4579 - السبت 21 مارس 2015م الموافق 30 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:00 م

      محسودين يا أهل تونسس الله يحميكم من العين!!!

      يكاد يُجمع المحلّلون للشأن التونسيّ أنّ النجاح السياسيّ، الذي تحقّق للبلاد من خلال استكمال المسار الانتقاليّ، وإجراء الانتخابات النيابيّة والرئاسيّة،...

    • زائر 7 | 6:10 ص

      إلى زائر 2 ( الديك المذبوح) هل قرأت هذا في المقال أم أنت ممن يصطاد في الماء العكر؟؟

      استطاعت البلاد أن تسترجع نخوة الاحتفال بالأعياد الوطنية، بعدما ران عليها ما ران من أدران النظام القديم حتى فقدت عند أغلب الشعب التونسي طعمها ومعناها، وبعد الثورة أصبح الاحتفال بالعيد الوطني (20 مارس) وعيد الجمهورية (25 يوليو) احتفالاً وطنياً يجسد اللحمة بين أبناء البلد حيث ينزل الجميع إلى الشوارع محتفلين متّشِحين بالأعلام فقد استرجعوا تونس...

    • زائر 9 زائر 7 | 12:35 ص

      الديك المذبوح !

      الديك المذبوح ، لا يمكنك فقه ما أرمي إليه ، تعليقي في واد و ردّك في آخر ، بيننا برزخ ....

    • زائر 6 | 6:06 ص

      الحل الأمني

      قد لا يكون الحل الأمني هو الأمثل دائما

    • زائر 5 | 4:26 ص

      زائر 4 نعم كلنا ضد الإرهاب والقتل باسم الإسلام

      نعم ضروري أن يتحد العالم ضد الإرهاب

    • زائر 4 | 3:09 ص

      أين كلنا الشعب اليمني؟؟؟!!!

      لماذا فقط باريس ،وتوتنس وليس الشعب الييمني الذي يذبح من الوريد الى الوريد وهم ركع سجود لاهم في ساحة قتال ولا هم في مواجهة أحد لماذا المساجد ؟؟!! وهذه سياسة التكفيريين الخوارج الذين لا دين لهم ولا مذهب بل هم أعداء الأمة كل الأمة ....وما أريد قوله أين الذين يبكون ويتباكون هناك ولا ينطقون ولو بكلمة خير هنا !!!!

    • زائر 3 | 12:56 ص

      برهان

      كلنا "اللؤلؤة" ... كلنا "البحرين"

    • زائر 2 | 12:42 ص

      الديك المذبوح !

      ما أشبه الليلة بالبارحة ،" الديك المذبوح " صدى حنين لقديم !!!

    • زائر 1 | 11:32 م

      كان الله في عون التونسيين

      إنّ الحرب على الإرهاب حربٌ عالميةٌ لابد من التوحّد ضدّها بأشكال مختلفة، وإنّ تونس تنتظر من أشقائها العرب قبل أصدقائها من الغرب، كلّ المساندة بزيارة الخضراء «برشا برشا».

اقرأ ايضاً