العدد 4590 - الأربعاء 01 أبريل 2015م الموافق 11 جمادى الآخرة 1436هـ

الشاعر ابن عبَّاد وحديقة زرع الرؤوس!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

متابعةً لقراءة واستعراض «من تاريخ التعذيب في الإسلام»، للكاتب والمفكِّر العراقي هادي العلوي، أستدرك هنا في ما يتعلق بالعنوان والإشكال الذي يثيره، إذ يوحي العنوان الذي صيغ بشكل مقصود، بأن التعذيب من وفي الإسلام، على رغم أن صيغة العنوان كي تكون محايدةً على الأقل ولا تحمِّل الإسلام ما ارتكبه بعض الذين يدَّعون الانتساب إليه، من المفترض أن تكون على هذا النحو: «التعذيب في التاريخ الإسلامي»، وبذلك يكون المؤلف على مسافة محايدة في تناوله لهذا الموضوع الإشكالي أساساً، وبمنأى عن الأدْلجة التي وسمت معالجاته في بعض جوانب الكتاب، والخلط العجيب الغريب الذي وقع فيه كما أشرنا في المقالين السابقين، بين التعذيب الذي ارتكبته دول في ذلك التاريخ بدافع من الانتقام وإسكات معارضيها باسم تطبيق الشرْع، وبين تطبيق العقوبات كما هو منصوص عليها في الشرْع من قبل دول أيضاً لم تكن تحظى بالشرعية والعدالة، في تجييرها لتلك العقوبات والأحكام، وبين العذاب الذي يتلقَّاه مثل أولئك وغيرهم يوم الحساب بوضعه في سلَّة واحدة ضمن معالجته لموضوع التعذيب!

وعلى رغم تركيز العلوي في بحثه، وتكراره أو اختزاله للموضوع من حيث التقسيمات إلى «الطبقات»، وارتباط ذلك بالأيديولوجيا التي ينطلق منها؛ إلا أنه يفشل في بعض الشواهد التي يسوقها في المقاربة تلك.

على رغم وضع العرب في الجاهلية؛ وضنك عيشهم وقلة مواردهم وشحّ أراضيهم، وتكرار الغزوات والغارات التي يقومون بها كأسلوب حياة، ولإنقاذ مجموعاتهم البشرية من شبح الجوع أو لحسم نزاع أو هو الاعتياد، إلا أن التعذيب لم يكن مألوفاً عندهم، وذلك ما يستشهد به العلوي، وغيره من الكتّاب من المصادر التاريخية.

ويُرجع العلوي ذلك إلى «قيم البداوة المناهضة للتنكيل»؛ الأمر الذي بات أكثر من مألوف، وأحد الأساليب وطرق الحياة، بعد أن منَّ الله على العرب بالإسلام، ليذهب بعضهم بما تحقق له من تمكين، إلى الإمعان في تلك الممارسة المنافية للأخلاق والقيم والضمير، والعنوان العريض الذي يتم رفعه: الدِّين.

كما يشير إلى أن بوادر للتعذيب ظهرتْ في المدن التجارية طالت العبيد خصوصاً، والأمر نفسه طال العبيد وعلى يد تجَّار قريش في بداية الدعوة الإسلامية، وما عُرف في ذلك الوقت بـ «التشميس»، اعتماداً على شمس جزيرة العرب الحارقة.

يُعدِّد العلوي فنوناً للتعذيب والقائمين عليه، نقف على التناقض والمبعدة الصارخة بين أولئك الذين من المفترض بهم أن يعلوا من شأن قيم العدل والرحمة، وبين تلك الشراسة التي تأنف منها حتى الحيوانات.

من بين تلك الفنون حَمْلُ الرؤوس المقطوعة واللهو بها. (هل تذكرون المشاهد التي ظهر فيها «الدواعش» في بلاد الشام وهم يُمضون الوقت في رفاهية وتسلية وتريُّض باتخاذ الرؤوس المقطوعة كرةً بينهم، وتعلو وجوههم فرحة انتصار لا تشبه أي فرحة تنتاب الإنسان أمام مشاهد القتل البشعة تلك إلا وهو عن جنس البشر منسلخ؟)، وحمل الرؤوس والطواف بها هو في الصميم وفي باب المثلة بالميت، وأكثر المصادر في التاريخ تؤكّد وتقرّر أن الأمويين هم أول من بدأها قبل كربلاء، من دون أن ننسى حمل رأس الحسين ورؤوس أصحابه بعد معركة كربلاء «وقد ثُبِّتتْ الرؤوس على الرماح وسُيِّر بها من كربلاء إلى الكوفة»، ومن بعد ذلك إلى دمشق.

ويجزم العلوي أن هذه المثلة لم تتكرّر بكثرة أيام العباسيين؛ لكن سنتلقف من الشواهد ما هو أدهى وأمرُّ وأكثر وحشية وكأنها تحيلنا إلى المعاصر من ذلك التفنن، بانتشار تلك الهواية الدموية في الأندلس «أيام ملوك الطوائف، ومن المُبرزين فيها المُعتمد بن عبَّاد، صاحب إشبيلية الذي أقام في قصره حديقة لزرع الرؤوس المقطوعة، وكان المعتمد شاعراً»!

وهنالك الضرب والجلْد، وبأدوات متعددة يختارها منفِّذ العقوبة، باليد كانت أو بالهراوة أو بالسوط، ومن بين تلك الفنون في التعذيب، تقطيع الأوصال، فبقدر ما طبقت في الجرائم التي حدَّدت عقوباتها الشريعة وفي ظروف صعبة، طُبِّقتْ أيضاً في ما اعتبرته تلك الدول وقتها ضمن الجرائم السياسية! وهنا جانب من تناقض العلوي بخلطه الغريب العجيب؛ سواء من حيث عنوان كتابه، أو من حيث متن بحثه الذي ساوى فيه العقوبات بالانتقام السياسي، بالعذاب الأخروي!

ومن أغرب الروايات التي يستند إليها العلوي في هذا المقام، رواية مطعون في صحتها لم تتواتر عند المؤرخين (رواية الدينوري في «الأخبار الطوال» الصفحة 217) بتقرير أن أقدم مثال لقطع الأوصال، هو قاتل علي بن أبي طالب، عبدالرحمن بن ملجم، الذي «أُعدم ببتر يديه ورجليه ولسانه وسمْل عينيه، ثم قطع رأسه»، على رغم وصية الإمام علي بـ «ألاَّ تُمثِّلوا بالرجل». و «ضربة بضربة»، مما تواتر في الكثير من الروايات التاريخية.

ومن أبدع فنون القتل والتعذيب وذروة العذاب، سلخ الجلود. ويحيلنا العلوي في هذا المقام إلى رواية ابن الأثير، في «الكامل في التاريخ»، في جزئه السابع الصفحة 151، من أن قائداً من الخوارج يُدعى محمد بن عَبادة، أُسِر في أيام المعتضد بالله فسلخ جلده كما تُسلخ الشاة، ورواية شبيهة يُوردها العلوي، تتعلَّق بأحمد بن عبدالملك بن عطَّاش، صاحب قلعة أصفهان الإسماعيلية، بعد محاصرة السلاجقة للقلعة، وافتتاحها وأسْر صاحبها الذي - بحسب ابن الأثير - سُلخ جلده حتى مات، ثم حُشيَ جلده تبناً!

وسنجد في تناول مقبل التنامي والتصاعد في أساليب التعذيب تلك، وعمليات التحديث لها! وللحديث تتمَّة.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4590 - الأربعاء 01 أبريل 2015م الموافق 11 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:45 ص

      مقالاتك دائما راقية فكرا واسلوبا

      جزاك الله خيرا

    • زائر 4 | 12:43 ص

      ابراهيم الدوسري

      الدواعش صناعة ايرانية ....

    • زائر 7 زائر 4 | 2:58 ص

      حتى الغبار البارحة

      إيران شماعة فشلكم

    • زائر 8 زائر 4 | 5:25 ص

      زائر 4 يعجبني الهبل

      اصدق اليوم الصبح لما طلعنا نتفقد آثار عاصفة الغبار واذا نفاجأ بأن مكتوب ( ايران السبب ) سبحان الله .

    • زائر 3 | 12:28 ص

      ثقافة العنف و الاٍرهاب

      ثقافة العنف و الاٍرهاب لم يكن لها وجود في العالم العربي قبل العام تسعة و سبعين

    • زائر 6 زائر 3 | 12:52 ص

      بالضبط

      بعد غزو افغانستان حيث قام البعض بتشكيل تنظيم القاعدة وجاءوا بهم من كل مكان وهم الذين انتهوا الى الدواعش التي تهدد باسقاط كل انظمة ...

    • زائر 1 | 11:57 م

      عانى العالم القديم من ظلم المنتصر المسلم أيا كان مذهبه

      انصح بقراءة قصة الحضارة المؤلف يول ديورانت لترى البشاعة التي كان المسلمون يمارسونها في التعذيب في ايران الهلال الخصيب والهند كل الكلام المثالي الذي تعلمناه في مدارسنا سوف يتلاشى هذا هو الانسان أيا كان مسلم ام غير مسلم و حدوده في البشاعة ليس للمذهب اي علاقة

اقرأ ايضاً