العدد 4611 - الأربعاء 22 أبريل 2015م الموافق 03 رجب 1436هـ

موريسون لن تكون خائنة بفضح العنصرية!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في تتبُّع سيرة الروائية الأميركية من أصل إفريقي، الحائزة على جائزة نوبل في الآداب، توني موريسون، والتي تُعدُّ من أفضل من فكك وعرّى قبح الممارسات العنصرية في سبعينيات القرن الماضي من خلال جملة من الأعمال، نقف على تلك الرصانة في تقديم الصورة والموقف الذي كان عليه حال ملايين الأميركيين في القرنين التاسع عشر والعشرين. تقديم مستمر إلى اليوم؛ وببراعة أخَّاذة، يقدّرها اليوم من تبقَّى من فلول أولئك العنصريين الذين لن ولم يخْلُ منهم المجتمع الأميركي، مثله مثل أي مجتمع في هذه الدنيا.

لم يُواجَه مثل ذلك التقديم والتناول والتفكيك بجوقة وفرقة من المخوِّنين والمحرِّضين والاستهدافيين العاطلين عن المعنى والقيمة؛ تبرُّعاً لمن يمارس سطوته وقمعه والنهايات من أشكال غله وتعذيبه وانتقامه؛ ليس فقط لأن المجتمع الأميركي محكومٌ بالمؤسسات التي تدير إيقاع الحياة؛ بل إضافة إلى ذلك، تم التأسيس لثقافة احترام الذات أولاً كي يستطيع المواطن احترام الذوات الأخرى. حدث تراكمٌ عزَّزه نهوض ونضوج ثقافة حقوقية لم تقتصر على الناشطين الأميركيين من أصل إفريقي؛ بل تصدَّى لذلك مواطنون أميركيون شرسون في دفاعهم عن حقوق الإنسان بغضِّ النظر عن العرق والدِّين والامتداد.

في تقليب جانب من سيرة موريسون نقف على مصدر من مصادر شجاعتها وتصدِّيها لموضوعة حقوق السود؛ خصوصاً لحجم الضيم والتمييز والقطاعات التي تمَّتْ فيها الممارسة، ولا يكاد قطاعٌ لم تطله تلك الممارسة.

تتناول إلماعات من إحساس أمّها بالظلم الذي كان في ذروته. عن الحيوية والإصرار الذي تمتعت به. كانت أمها في حال عشق مع المسرح وارتياده في يوم الإجازة الأسبوعية. لديها حالٌ من العناد في ذروة التمييز العنصري؛ وخصوصاً بعد أن تمّ وضع لافتات واضحة تحذِّر السُود من مغبَّة الجلوس في الأمكنة المخصَّصة للبِيض؛ إذ سيكون مآلهم الطرد من قاعة المسرح؛ فكانت تتعمَّد الجلوس في الأماكن التي تم تخصيصها للبِيض في تلك الفترة المظلمة من تاريخ أميركا. كانت تعمد إلى تمزيق اللافتات تلك وتحرص على نثرها في المكان.

هي نفسها التي صرَّحت في أحد لقاءاتها الصحافية «أعتقد أن كل فن حقيقي سياسي».

تناولت موريسون ذلك في أحد حواراتها المتعددة؛ ولم تجد المؤسسة الأمنية خطراً وتهديداً «للحمة الوطنية والسلم الأهلي»! ليس لأن تناولها كان في سياق تاريخ تدَّعي أميركا أنها تخلصت منه؛ ولم تفعل، بل لأنه أقل من الحق الطبيعي أن تتناول ما حدث وما يحدث أيضاً. لم تتناول تلك الموضوعات وهي متحزِّمة بحزام ناسف! لم تُدْلِ بآرائها وهي محاطةٌ بملثمين ببنادقهم الآلية حراسة لها!

الأجلى من ذلك نقف عليه في حوار أجرته معها مؤخراً غابي وود يوم الأحد (19 أبريل/ نيسان 2015)، في صحيفة «التلغراف» البريطانية، تناول عدداً من أعمالها.

في الحوار تحدّثت عن التجاوزات المتكرّرة وما يشبه القتل العمد على اللون. وذلك نص كلامها «تم خنق إريك غارنر بواسطة رجال الشرطة البيض في جزيرة ستاتين، وتم إطلاق النار على مايكل براون من قبل رجال الشرطة البيض في فيرغسون، وإطلاق النار على والتر سكوت من قبل شرطي أبيض في ولاية كارولينا الجنوبية». مضيفةً «ظل الناس يرددون: نحن بحاجة إلى أن نساعد على إطلاق حديث حول العرق، والآن خصوصاً. أريد أن أرى شرطياً يطلق النار في الظَهْر على مراهق أبيض أعزل»، واختتمت: «أريد أن أرى رجلاً أبيض أدين باغتصاب امرأة سوداء».

لم تتهم بالتحريض الطائفي أو التمييز العنصري، ولم تتصدَّ لها صحف هناك (المشكلة لا صحف تحترف التطبيل بشكل فاقع كما هو الحال في الشرق النموذجي!)، بأنها تحرِّض رجال الأمن على قتل لون بعينه تذمراً وحرقة على ما يحدث، لسبب بسيط: أن الإعلام هناك لا يمكنه ولا يتجرأ على نفي ما هو واقع وقائم؛ احتراماً لعقليات وذهنيات الناس البسطاء قبل نخبتهم، ولأن وسائل الإعلام تلك تجد في تجاوزات رجال الشرطة مادتها الدسمة والحيوية؛ علاوة على الحرفية في تناولها؛ ولم تتعرّض تلك الوسائل من صحف وقنوات فضائية إلى التخوين والتجريح؛ والتحريض على نفي وطرد القائمين عليها إلى الدول التي ينتمي إليها أجدادهم في أوروبا الشرقية والغربية وآسيا؛ باعتبار الشعب الأميركي خليطاً من الأعراق والأجناس.

وقبل يومين فقط؛ بحسب ما أوردته وكالات الأنباء «استقال 80 في المئة من العاملين بقوات الشرطة في بلدة باروما بولاية ميسورى الأميركية، بعد فوز امرأة سوداء تدعى بيرد بمنصب عمدة البلدة الصغيرة، (وهو ما يكشف عن عنصرية منظومة الأمن في أميركا)».

الخبر نفسه وفي التفصيل؛ بغضِّ النظر عن كثافة أو قلة عدد السكان في البلدة؛ يشير إلى أن أهالي «باروما»، لم يعيروا اهتماماً بالاستقالات الجماعية. ولم يتهم أحدٌ أهالي البلدة بالعمالة أو الارتباط بجهات خارجية لأنهم قالوا ما قالوه عن استقالات الشرطة التي طبعاً لا تمارس التعذيب، ولا اعتادت تجاوز القانون في كل صغيرة وكبيرة.

الخلاصة من رؤية موريسون وأهالي بلدة باروما؛ أن الوعي مهما حاولت جهاتٌ أن تتلاعب ببعض حامليه، فلن تستطيع تحقيق ذلك على طول المسار وعرضه. فمثلما هنالك وعي وذمم قابلة للبيع؛ ستواجه تلك الجهات وعياً وذمماً سيكون الموت أمامها أشرف من المس بالبسيط من وعيها وذمتها!

وزبدة كل ذلك: لا موريسون ولا من اتخذ نهجها خَوَنَةَ هناك لأنهم معارضون وفاضحون للخلل.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4611 - الأربعاء 22 أبريل 2015م الموافق 03 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:54 ص

      المختار الثقفي

      لا فض فوك... وسلمت يداك على سطرك لمثل هذه الكلمات في حقوق الإنسان كل انسان بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه وقبيلته...
      تلك الممارسات البيغضة التي يمارسها مدعي الإسلام لم ولن يفهموا قول ربيب النبي وحبيبه الإمام على عليه: الإنسان أخو الإنسان أحب ام كره.
      مثل هؤلاء لم تاريخ الشيخ محمد عبده الذي قال عندما زار أوروبا قولا مشهورا لا يزال إلى يومنا هذا يردده الكثير من المسلمين : "رأيت في أوروبا إسلاما بلا مسلمين وفي بلدنا مسلمين بلا إسلام".

اقرأ ايضاً