العدد 4639 - الأربعاء 20 مايو 2015م الموافق 02 شعبان 1436هـ

شجاع من يمتنع عن حمل سر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

أكثر نفوس البشر تضج وتكون في صراع داخلي حين تكون مليئة بالأسرار التي يجب عدم كشفها، سواء تلك التي تتعلق بهم، أو تلك التي اؤتمنوا عليها.

الاحتفاظ بالأسرار ليست عملية سهلة، ولا تبعث على الارتياح الكلي. نحن أمام أمانة ثقيلة إذا كانت تخص الآخرين ممن وجدوا فينا خزائن لأسرارهم التي ألقوا بثقلها علينا. لا يلقي أحد بسره إلا وهو يكابد ويعاني بسببه. يفعل ذلك كي يخفف عنه شيئاً من ذلك الثقل، ليتحوّل الثقل إلينا، أو لنكون شركاء فيه.

حمل الأسرار والحفاظ عليها يختبرنا. يختبر قدرتنا على حمل أثقالٍ بتلك النوعية، ويختبر قدرتنا على أن نكون شركاء فيه، ونكون أمام محك أخلاقي إذا فشلنا فيه مرة فمن الصعب أن ننجح فيه بعدها. ذلك لا يعني استحالة النجاح بعدها، لكنه نجاح بعد فوات الأوان وخراب مالطا.

أن تتجرأ على إيداع سر لدى أحدهم، ذلك يعني تسليمك له، ومشاركته ما تخشى أن يظهر إلى النور، وإحاطة الناس به. الركون إلى بشر لتلك الدرجة من الاطمئنان إليهم أمر ليس سهلاً وليس متاحاً في كل وقت وفي أي مكان.

تظل الأسرار بمعنى من المعاني، المساحة الخاصة بأي منا. ليس شرطاً أنها تمثل عاراً، ويحدث ذلك، ولكنها قد تمثل نوعاً من حماية من نحب، والحرص على أن لا يصيبهم أذى من انكسار الشعور والإحباط. حفظ الأسرار يحدث أحياناً كي لا يصيب الواقع من حولنا، والبشر من حولنا ما يدفعه إلى تغيير نظرته إلينا، وربما قطع اتصاله بنا.

ومن يحتفظون بأسرارهم الخاصة يتألمون، وخصوصاً الأسرار التي فيها الكثير من العار والجروح التي ربما لا يتفهمها أحد. يتمنون لو أنهم يملكون ولو القليل من الشجاعة كي يتخلصوا منها أو ينسوها. هل يمكن لأحد أن ينسى أسراره... تلك التي تخصه وترتبط به دون سواه؟

والمنطق يقول، إن القادرين على حفظ أسرارهم، مع قدرة على عدم فقدان التوازن، والقدرة على التكيف معها، هم الأقدر على حفظ أسرار الآخرين - في كثير من الأحيان - ولا يعني ذلك أن لا شواذ بينهم، فالحياة تقوم على القاعدة وشواذها أيضاً. وقليلون هم الذين يأخذون أسرارهم معهم إلى مثواهم الأخير. إلى قبورهم. يظل الله هو المطلع الوحيد عليها في حياتهم، والمطلع الوحيد عليها في مماتهم.

ثم إن الإنسان نفسه كتلةٌ من الأسرار، سواءً تلك التي ربما لا تصنّف من ضمنها أو بطبيعة تعامله وتخوفه وتوجسه وتردده والشكوك التي تحاصره أحياناً. وأكبر أسرار الإنسان هو محاولة فهمه من قبل كثيرين محيطين به بطبيعة السلوك والتصرفات، والحنق والحمق والخوف والارتياب، وصعوبة اطمئنانه دائماً حتى لمن هم قريبون منه ويتحرك ضمن دائرتهم بطبيعة العلاقات.

على المستوى الأخلاقي، حفظ الأسرار يكشف عن معدن وطينة وتربية ونفسية المؤتمن عليها. هي تعبير مباشر عنه، وتقوله، ويقدّم نفسه إلى العالم والناس من خلال احتفاظه بها وفلتانه وتهوره واندفاعه وترويجه لتلك الأسرار ومباهاته، تقدّم حقيقته وصورته وتربيته إلى العالم والناس أيضاً. ومن لا يستطيع الحفاظ على أسرار تعرض عليه ليكون أميناً عليها فليملك شجاعة الامتناع عن حملها، ففي ذلك شرف أيضاً.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4639 - الأربعاء 20 مايو 2015م الموافق 02 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:13 ص

      شكرا

      مرحبا , نشكركم على هذا المقال وعلى المقالات السابقة التي دائما توقظ الضمائر...

    • زائر 2 زائر 1 | 9:26 ص

      الحريم

      الحريم مايقدرون يحفظون سر بسيط جداً لذلك اذا أردت ان تنشر سر فالعملية بسيطة جداً كل ماعليك هو ان تخبر زوجتك وفي اليوم القادم سيصل الخبر لمحطة cnn الاخباربة

اقرأ ايضاً