العدد 4654 - الخميس 04 يونيو 2015م الموافق 17 شعبان 1436هـ

المواطنة البيئية في معادلة بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المواطنة البيئية كفلسفة ومفهوم ذي قيمة وبعد اجتماعي، تُجسد في بعدها الوطني مسئولية الانتماء المعززة بالمبادرات الفردية والجماعية في دعم المشاريع الوطنية بمختلف وظائفها وأهدافها، وتعضيد قدرات حصيلة منجزاتها التنموية والاجتماعية. وتمثل مؤشراً يحدد مستوى جاهزية ووعي الفرد والمجتمع بضرورة المساهمة المسئولة والمتفاعلة مع الحدث الوطني بمختلف تجلياته، وهي بذلك تمثل وسيلة تفاعلية في استراتيجية بناء المبادئ والمسئوليات والالتزامات الموجهة لبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

والمواطنة البيئية كمفهوم تتمثل في مجموعة القيم والعادات والتقاليد والأعراف والمبادئ والاتجاهات الإنسانية، التي تعزّز واقع الحقوق البيئية للجماعات البشرية في المناطق المختلفة من العالم، وتدعم قدرات وجود مقومات السلوك الأخلاقي والمسئولية الذاتية للفرد والمجتمع في تجسيد واقع الممارسات البشرية السليمة في العلاقة مع النظم البيئية ومكوناتها الأساسية، والتي يمكن أن تسهم في إيجاد وتأسيس قاعدة واعية قادرة على المساهمة الفعلية في الدفع باتجاه إقامة نظام عالمي أكثر عدلاً ومسئوليةً في الدفاع عن المصالح العليا للإنسانية، والحفاظ على سلامة كوكب الأرض وتأمين سبل العيش الكريم للجماعات البشرية وتحقيق الأمن البيئي للإنسانية.

وترتكز المواطنة البيئية على جملة من القيم والعادات والتقاليد والموروث الشعبي للإنسانية، فيما يخص تنظيم العلاقة مع النظم البيئية ومقوماتها الأساسية، وكذلك القرارات والقواعد والأنظمة المعنية بحماية البيئة وتنميتها وتحقيق مبادئ التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والدولي، إلى جانب الحصيلة المعرفية والعلمية للإنسانية في الحقول المختلفة لنشاطات المجتمعات البشرية، وتتمثل منطلقاتها المباشرة في الدفاع عن المصالح الإنسانية وضرورات وجود مناخ بيئي ملائم تتوافر فيه مقومات وشروط الحياة الآمنة والعيش الكريم الخالي من المخاطر، والتأكيد على المصالح الوطنية العليا في السيادة وحقوق المجتمعات المحلية والسكان الأصليين والأجيال المقبلة في الانتفاع من موارد وخيرات بيئات بلدانها الطبيعية.

وللمواطنة البيئية أهدافها التي تحدّد نهجها الفكري المؤسس والمبني على أسس المنهج الواقعي لمفهوم المصلحة الإنسانية، ويمكن حصرها في تنمية الوعي والثقافة البيئية وتعميق السلوك الأخلاقي والمسئولية الذاتية للفرد والمجتمع في تفعيل السلوك البيئي الرشيد والعلاقة السليمة مع النظم البيئية، وترشيد عمليات الاستفادة من مواردها الطبيعية، وعقلنة القرار السياسي البيئي فيما يخص التخطيط الاستراتيجي في المجالات التنموية والاقتصادية، والصناعية والمشروعات الحضرية؛ وتعزيز واقع الشفافية البيئية وديمقراطية القرار البيئي؛ والمشاركة الاجتماعية في صناعة القرار البيئي، وإقرار حقوق المجتمعات المحلية البيئية وتكريس مبدأ العدالة الاجتماعية في الاستفادة من الموارد والخيرات البيئية؛ والتأكيد على أن حماية البيئة مسئولية مشتركة، وأن الحفاظ على الموارد الطبيعية وصون سلامة كوكب الأرض ضرورة موضوعية ينبغي توافرها من أجل البقاء، وتعميق اتجاهات العمل الهادف لوضع القواعد والأنظمة القانونية على المستويين الوطني والدولي، الكفيلة باستبعاد المخاطر التي تتسبب في إحداث الخلل العميق في توازن البيئة العالمية وتشكيل بؤر الخطر التي تهدد وجود وبقاء التجمعات البشرية، وإيجاد حركة بيئية فاعلة على المستوى الوطني والعالمي قادرة على تشكيل قوة ضغط حقيقية لردع مختلف أشكال النشاطات والسياسات والتجاوزات التي تسهم في وجود حالات التدهور والتدمير البيئي، وانتهاك حقوق الإنسان البيئية ومصادرة حقوق المجتمعات المحلية والسكان الأصليين في الاستفادة من الموارد البيئية لبلدانهم.

وينبغي القول إن ما جرى تحديده من أهداف تبقى قوالب جامدة وغير مجدية إن لم يكن هناك مناهج وطرق فاعلة لترسيخ مفاهيم وأسس المواطنة البيئية. ومن أهم المناهج الواجب توافرها وضع الاستراتيجيات والخطط والسياسات الوطنية والدولية في المجالات التعليمية والتربوية والتوعوية والإعلامية المعنية بتنمية الوعي وبناء القدرات والثقافة البيئية، وتعضيد مقومات القرار السياسي البيئي الحكيم على المستوى الوطني والدولي، الذي يضع في اعتباراته مصالح وحقوق المجتمعات المحلية البيئية وتجسيد نهج العمل لترسيخ مبادئ الأمن البيئي للإنسانية، إلى جانب الخطط الخاصة التي تهدف إلى تحقيق المبدأ الديمقراطي والمشاركة الاجتماعية في صناعة القرارات المصيرية على المستوى الوطني والدولي التي تسهم في إقرار المبادئ والقواعد القانونية والحقوق الإنسانية في الاستفادة العادلة من الموارد البيئية والعيش في بيئة خالية من المخاطر تتوافر فيها شروط ومقومات الحياة الكريمة.

إن تحقيق ذلك مرتبط بوجود الوسائل العملية والمتمثلة في ضرورة وجود الحركة البيئية الفاعلة في مواجهة سياسات همجية الحضارة وسياسات التدمير البيئي، ووجود الشراكة الواعية والتعاون الدولي الموجّه في أهدافه لتشخيص وإيجاد قواعد نظام دولي ديمقراطي وعادل في حل المشكلات الدولية، يعترف بشكل فعلي بتنوع الثقافات وتعدد الحضارات، ويجسّد المنهج الواقعي في التعاطي مع حقوق مختلف الجماعات البشرية في السيادة على مصادر ثرواتها البيئية. وكذلك وجود المؤسسات البرلمانية التي تدعم الخطط والجهود الاجتماعية في إقرار الحقوق البيئية وجعلها واقعاً ملموساً في سياسات الدول، إلى جانب وجود المؤسسات والإدارات البيئية والرقابية التي ترتكز في عملها على القواعد والأنظمة والمقاييس والمعايير البيئية المنهجية والعملية وتسهم في تجسيد الحقوق البيئية للمجتمعات البيئية بشكل عملي وملموس.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4654 - الخميس 04 يونيو 2015م الموافق 17 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً