العدد 4664 - الأحد 14 يونيو 2015م الموافق 27 شعبان 1436هـ

سُوَّاق الحافلات الخاصة... والمستجيرُ من الرمْضاء بالنَّار

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مشكلة بعض الذين يعنيهم الأمر في هذا البلد؛ أنهم لا يُعيرون اهتماماً لمئات؛ بل آلاف الشكاوى التي لا يجد بعض أصحابها إلاَّ الصحف لبثِّها ورفعها علَّ جهةً ما لديها الوقت للالتفات إلى أن البلد لديه مشكلات كبقية خلق الله، وأن هناك من المغبونين، ومن هم في آخر الاهتمام، لا يجدون من يُصغي إليهم إلا بعض المنابر في بعض الصحف؛ بعد أن ضاقت بهم السبل، وباتوا مقتنعين أن المناشدات المباشرة، والعرائض التي تُرفع لن تُقدِّم ولن تُؤخر، وسيكون محلُّها الطبيعي في أحد أدراج النسيان؛ وربما مكبِّ القمامة. وفي ذلك رسالة تريد القول في صورة أو أخرى: تلك هي قيمة أصحاب المشكلات، ولا شيء يبعث على أن تُكلِّف جهة الانشغال بكل ذلك الذي تراه تذمُّراً لا نهاية له، وأن «إرضاء الناس غاية لا تُدرك»، ومن يرَ في ذلك مبالغة فليرجع إلى أصحاب تلك المشكلات، والرد لن يُعيد حقوقاً طالما وجدت بعض الجهات المسئولة أن الباطل لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها، ولا من فوقها ولا من تحتها!

في يوم الأحد (7 يونيو/ حزيران 2015)، نشرت مجموعة من سُوَّاق الحافلات الخاصة، معاناتها التي يبدو ألاَّ أحد سيضع لها حدّاً أو نهاية؛ ولاعتبارات عديدة يعرفها صاحب الفطنة، وحتى الذي يعتز بحمْقه وغبائه، والظروف الخاصة التي قادت كثيرين منهم لاتخاذ تلك المهنة، بعضهم سُرِّح من عمله في أحداث العام 2011، وما اعتمد عليه ذلك التسريح من تقارير «زملاء»، ولاعتبارات إما طائفية أو سياسية؛ وذلك كلام لا جديد في تقريره؛ إذ تكفي العودة إلى «تقرير بسيوني» الذي فصَّل في هذه الجزئية، ورؤيته لها، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى لا مجال هنا لسردها!

الرسالة التي حملت توقيع المجموعة حوت ست نقاط، معظمها يُحمِّل إدارة المرور والترخيص المسئولية، وترى المجموعة أن معاناتها والحلول لها هناك في مركز القرار في الإدارة المذكورة، وضرورة التعاطي معها بجدية؛ بل ورأت المجموعة أن القرارات المُتخذة لا تتجاوز أسلوباً من أساليب التضييق على العيش ضدَّ فئة وشريحة من المواطنين صارت واقعاً في سوق العمل اليوم. ففي الوقت الذي تقف فيه الدولة «عاجزة» عن توفير وظائف لهم ولغيرهم من خريجي المعاهد والجامعات؛ مع الضغوطات التي تتوالى بفعل استقطاب الكفاءات الأجنبية في مجالات وتخصصات مختلفة، على رغم توافرها، تلاحقهم في خياراتهم الإجبارية التي اضطرتهم لاتخاذ تلك المهنة مصدر عيش ورزق لهم، من خلال بعض الجهات التابعة لها، وبالعامية «لا يرحم ولا يخلِّي رحمة الله تنزل».

من بين تلك النقاط التي لا نحتاج إلى أن نفصِّل فيها، تلك التي أوردها السُوَّاق، وكما جاءت نصاً، مع تصرُّف في حذف التفصيل، في رسالتهم المنشورة في «الوسط» في التاريخ المشار إليه آنفاً: «تصريح (المرور) لسُوَّاق الحافلات المدرسية نذير شؤم لهم خلال العطلة الصيفية؛ إذ مع قدوم الإجازة الصيفية إلى حين بدء العام الدراسي الجديد، لا تنتهي؛ وخاصة مع إلزامية إصدار تصريح من إدارة المرور، ولذلك رسومه وطابور طويل لـ (الدفع)». يمكن تحمُّل هذا الإجراء إذا ما قورن بإجراءات وردت في الرسالة لا يُفهم منها إلا أنها أسلوب من أساليب التعجيز بكل ما في الكلمة من معنى ومبنى أيضاً.

من تفنُّن الإدارة نفسها بحسب الشكوى أن التصريح لا يُعطى للسُوَّاق إلا بعد خبرة تدوم خمس سنوات. يتخرَّج الطالب الجامعي ويكون مشروع عاطل عن العمل بسبب ذلك العنوان السخيف والهلامي. في الغرب: خبرتك مسئولة عنها الأطراف التي تريد الاستفادة مما تعلَّمْته. وعلى سُوَّاق الحافلات الخاصة أن يستخرجوا - بهكذا شروط وإجراءات - شهادة تُثبت ألاَّ علاقة لهم بجهات مشبوهة؛ ولو كانت ناشطة في مجال البيئة!

ليس أصحاب الحافلات الخاصة وحدهم من يتعرضون لتلك التجاوزات والتضييق المكشوف الذي يأتي أحياناً باسم القانون؛ بل طال ذلك الإجراء ومن قبل جهات أخرى، في ظل الحمَّى التي عاشتها البلاد، أطباء ومهندسين وفنيين وموظفين عاديين، بعضهم فتحوا مشاريع صغيرة توزعت بين المطاعم والكافتيريات، وبعضهم تحوَّل إلى باعة جوَّالين، وبعضهم مازال عاطلاً عن العمل؛ أو لا يملك إمكانية شراء حافلة لتكون مصدر رزقه.

المشكلة ليست في الالتزام بالقانون إذا ما كان يرمي إلى ضبط الحقوق. يكفي أن نعرف أن شركات سيارات الأجرة التي يملكها «كبار» المستثمرين، وحكاية شراء الرخص بمبالغ زهيدة، لا تدفع فلساً كضرائب عن الأرباح التي تحققها سنوياً. وسُوَّاق الحافلات الخاصة الذين لا يريدون أن يتحوَّلوا إلى متسولين عند إشارات المرور، أو تبني مهن مشبوهة، لا يعمدون إلى تحويل الأموال التي يتحصلَّون عليها منذ استيقاظهم فجراً حتى ما بعد صلاة العشاء لارتباطهم ببعض الالتزامات، إلى سويسرا أو الهند أو تايلند، فبالكاد تكفيهم حتى منتصف الشهر؛ إن لم يكن في الأيام العشرة الأولى منه، وينفقونها هنا في بلدهم، ويُسهمون في الدورة الاقتصادية، ويدفعون الرسوم والغرامات في حال لم يلتزموا بالقانون الذي له ما له وعليه ما عليه!

وللتضييق فنون، فمن بين ما يشكو منه سُوَّاق الحافلات الخاصة «عدم السماح لهم بالعبور عن طريق جسر الملك فهد إلا مرَّة واحدة في الشهر، ربما للتهديد الذي قد يشكّلونه على اقتصاد الجارة الكبرى!

هنالك أطراف حكومية تُمارس تضييقها وأساليب التعجيز في صورة أو أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب التقييد الذي وضعته إدارة المرور، وبالتالي هي تتحرَّك في ضوئها، من بينها بحسب الرسالة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي «بسبب التصريح المُلزم من إدارة المرور يُعاني السُوَّاق من افتقارهم للتأمينات الاجتماعية كموظفين؛ أسوةً بغيرهم من أصحاب الوظائف الأخرى». فالمشكلات متتابعة ومرتبطة بالقوانين التي لا يقرأ أي عاقل منها سوى التضييق على الناس في أرزاقهم، وما تبقى من الشحيح في سَعَة التحرُّك، وذوبان الفرص في العمل؛ إما لسوق مُتخمة، وإما لأن سوق العمل في وادٍ، ومخرجات سوق العمل في وادٍ آخر، ذلك بالنسبة إلى الذين أتيحت لهم فرصة إنهاء تعليمهم الجامعي، وعلى الذين لم تُتح لهم تلك الفرصة أن يموتوا بالطريقة التي يرونها مناسبة!

ومن بين الجهات المرتبطة في تعاطيها وتعاملها مع سُوَّاق الحافلات الخاصة، وزارة الإسكان، ووزارة الصناعة والتجارة؛ علاوة على المصارف التجارية التي هي الأخرى محكومة بمواقف تلك الجهات، بامتناعها عن منح قروض لهم.

وعلى رغم كل ذلك التضييق والإجراءات التعجيزية، لم ييأس أصحاب الحافلات الخاصة من توجيه نداء، أو ما يشبه الالتماس لتلك الجهات كي تنظر بواقعية وإنسانية في الظروف التي يمرُّون بها بتوقف دخلهم الشهري مع بدء الإجازة الصيفية للمدارس (ثلاثة شهور)، وتقديم دعم لهم يُسهم في التخفيف من معاناتهم، ويُعينهم على مواجهة التزاماتهم؛ وخصوصاً أنهم من أصحاب الأُسَر، وتداخل المناسبات في العطلة الصيفية التي تتطلَّب إنفاقاً مُرهقاً ومُتتابعاً، إلا أن تلك المناشدة والالتماس لا يبعدان عن الشاهد الذي حفظناه: «كالمستجير من الرمضاء من النار»!

بالمناسبة: الخلْطة ليست مُعقَّدة وصعبة؛ فكل حكومة عادلة تريد وتطمح وتعمل على أن يكون مواطنها عزيزاً مُكرَّماً له مكانته واحترامه؛ لأن عزَّته وكرامته واحترامه من كرامتها وعزتها؛ أليس كذلك؟

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4664 - الأحد 14 يونيو 2015م الموافق 27 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:29 ص

      ثروة ضائعة

      بالله عليك شباب يكسر الصخر يعمل في مهنة من لا مهنة لديه، يجب توفير فرص عمل منتجة لهؤلاء الشباب وعدم الركون لمهنة توصيل الطلاب للمدارس والدولة توفر المواصلات لجميع الطلبة حتى ذوي الإحتياجات الخاصة، لو كانت الحكومة لا توفر مواصلات للطلبة لقبلنا بمساعدتهم لكن لا فائدة من عملهم إلا زيادة كسل وأمراض الطلاب بسبب عدم مشيهم كم خطوة للباص والخروج من باب البيت لباب المدرسة.

    • زائر 2 زائر 1 | 7:41 ص

      لا تقلل من شئ

      هل ابنك أو حفيدك ايها الزائر يذهب ماشيا الى المدر سه ؟ وهل المدرسة قريبه من المنزل ؟ بعض المدارس تبعد عن المنزل 2 كيلو. .. ها تريد ااولد او البنت اقة من. 10. سنوات قكع هذه المسافه مشيا ؟

اقرأ ايضاً