العدد 4678 - الأحد 28 يونيو 2015م الموافق 11 رمضان 1436هـ

شهداء الركعة الأخيرة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يُقال إن في الصلاة ألفَي مسألة شرعية. ويناقش الفقهاء الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة فيبطلها؛ لأنه يخرج عن كونه مصلياً، والفعل القليل؛ لأنه لا يخرج عن كونه مصلياً فلا يبطلها. ويُناقشون الإرسال مع طول النافلة ووضع اليمين على الشمال فوق السرة أم تحتها. ويناقشون إصلاح الرداء وقتل البرغوث أثناءها. كل هذه الدقة لِعِظَم شأنها كون المصلي واقفاً أمام خالقه.

في يوم الجمعة الماضي، دخل إرهابيٌ ميِّت القلب عديم البصيرة فاسد المزاج إلى بيتٍ من بيوت الله في الكويت والناس تصلِّي الجمعة وفي شهر رمضان المبارك إذْ هم صيام، وفي سجدتهم الأخيرة، فقتل سبعةً وعشرين وأصاب مئتين وسبعة وعشرين آخرين. يا للهول. أيّ فعل مَشِيْن فعل، وأي ذنب عظيم ارتكب. قتلٌ للنفس المحرّمة وهتكٌ لحرمة مسجد، وتحدٍّ للجبار الذي كان يُعبد في المكان.

يتساءل المرء: هل هذا دين وهل هذه عقيدة؟ يُقتل الناس وهم في هذا الموضع وبهكذا حال، عُزَّل وبدون لامةٍ ولا رمح! حتى الأزارقة لم يفعلوها في زمانهم! فحين زحفوا وأشرفوا على معسكر المهلّب وأتباعه في جوف الليل على باب سابور وهم نيام، التفت عبيدة بن الهلال اليشكري إلى أصحابه وقال: أيقظوا القوم لكيلا يقولوا إننا أتيناهم وهم نيام! فاستيقظ الناس وتصعصعت الرايات، وأجمحت الفرسان كما في «الفتوح» لابن أعثم.

أما هؤلاء اليوم، فيأتون للناس وهم راكعون ساجدون وفي بيت الله وشهره الكريم. هؤلاء، الذين يدّعون وصلاً بالإسلام، لا يستهدفون خصماً أو فارساً أو معتدياً أو سالباً أو ناهباً، بل يستهدفون عامة الناس صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، أصحاء ومرضى لا فرق عندهم أبداً، دون مراعاة لحرمة أو معيار إنساني قبل أن يكون دينياً عنوانه: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله». هذا العنوان الذي يجمع افتراضاً ملياراً وبضعة ملايين من المسلمين أصبح بلا قيمة عندهم.

جاء في كتب التراث أنه حين طلب أحدهم من أيمن بن خريم قائلاً له: ألا تخرج فتقاتل معنا؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدراً، وإنهما عَهِدَا إليَّ ألاّ أذلّ أحداً يقول: لا إله إلا الله، فإن أنت جئتني ببراءةٍ من النار قاتلت معك. قال: فاخرج عنا. قال: فخرج وهو يقول كما في مختصر تاريخ دمشق:

ولست بقاتلٍ رجلاً يصلي

على سلطان آخر من قريش

له سلطانه وعليّ إثمي

معاذ الله من جهلٍ وطيش

أأقتل مسلماً في غير جرمٍ

فليس بنافعي ما عشت عيشي

نحمد الله أن هؤلاء الإرهابيين يضربون في التيه. فكلما أثخنوا في الجراح، صار الحال دماراً عليهم، وتداعى الناس إلى بعضهم أكثر. كنتُ كغيري أتابع الحدث لحظة وقوعه، وشاهدت الكويتيين ينتقلون زرافاتٍ إلى بنك الدم لتقديم العون للجرحى، فاختلطت دماء الكويتيين ببعضهم، وذهب الإرهابي إلى جهنم وهو أشلاء يستحي أن يُواري نثاره أحد جراء الجرم الذي أوقع الأمة فيه.

ورغم حرارة المشهد الأمني وخطورته جراء الحادث الآثم، حيث لا أحد كان يعلم إن كان هناك إرهابي آخر في المكان أم لا، ورغم ذلك شاهدنا كيف سارعت القيادة الكويتية ممثلةً في أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى زيارة موقع الحادث، لتأكيد أبوّته، في بادرة عكست التضامن مع عوائل الشهداء والجرحى، وتأكيداً من أعلى هرم القيادة الكويتية على ضرورة وحدة الصف وضرب العابثين بالوحدة الوطنية. وكل مَنْ راقب وتابع هاشتاق: تفجير_مسجد_الإمام_الصادق، شاهد كيف توحَّد الجميع أمام الدم المُراق وضد سافكه.

ثم قرأنا لوزير العدل والأوقاف والشئون الإسلامية الكويتي يعقوب الصانع تصريحاً أعلن فيه أن «تلقي التعازي في شهداء انفجار مسجد الإمام الصادق سيكون في المسجد الكبير بالتنسيق مع ذوي الشهداء». والمسجد الكبير في الكويت ذو رمزية كبيرة ويتبع من الناحية الإدارية وزارة العدل والأوقاف والشئون الدينية، ويقع في العاصمة حيث يرتاده أكثر من 170 ألف مصلٍ في مناسبات مهمة كالسابع والعشرين من شهر رمضان. وقد أرادت الحكومة الكويتية أن تبعث برسالةٍ صريحةٍ تؤكّد صونها للوحدة الوطنية وقطع الطريق أمام مثيري النعرات الطائفية.

إذاً، فنحن أمام مجتمع مُحصَّن أمام فكر مفضوح لقيط لا أب له سوى الغدر والخيانة، يتوسّل بيتاً يدخله، ورصيفاً يجلس عليه، لكن هيهات أن يجد ذلك. فهو فكر لئيم يريد أن يضرب مجتمعاً منفتحاً آمناً مسالماً كريماً عزيزاً وضع جزءًا من خيراته للجميع عبر صناديق تنموية، وبه رجال ذوو أيادٍ بيضاء. لكن هذا المجتمع صاحب هذه النعوت الحميدة لا يمكنه أن يقبل بأن يهادن أهل اللؤم والتطرف والتحريض الطائفي والغدر والطعن من الخلف، بل سيدحرهم حتماً، وسيردّهم على أعقابهم، فهم ليسوا بأهل خير ولا نعمة. فهذه الأرض الطيبة ستلفظهم من باطنها.

أختم هنا بحادثة ذكرها ابن عساكر حول أهل اللؤم الغادرين بمن يكرمهم. يقول: «توجَّه العباسُ بن أحمد بن طولون في حياةِ أبيهِ إلى إفريقيا (تونس) فَنَزَلَ لَبْدَة (منطقة بين بَرْقَة وإفريقيا) فَخَرَجَ إليه عامِلُها وأهلُها فَتَلَقَّوهُ وأكرموه. لكن العباس غدر بهم حين أمَرَ بِنَهبِهَا فَنُهِبَت وأهلها على غِرَّة، فَقُتِلَتْ رجالهم وفُضِحَت نساؤُهُم. فَغَضِبَ لذلك إلياسُ بن منصور في جَبَلِ نفوسة، وسارَ إليهِ في اثني عشرَ ألفاً، واستعانَ عليهِ بابن الأغلَب، فأرسلَ إليهِ جيشاً فأطبَقَ الجيشَان على العباس المذكور، فَقُتِلَ صَنادِيدُ عَسْكَرِه، ونُهِبَت أمواله، ورَجَعَ هارباً إلى بَرْقَة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4678 - الأحد 28 يونيو 2015م الموافق 11 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:57 ص

      أحسنت

      كل هذا بسبب دعم الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، في يوم ما كان بعض الكتاب يمارسون دور المدافع عن الثورة الناعمة في سوريا حتى أصبحت بقدرة قادر حرب كونية واستجلب لها من أصقاع الأرض مرتزقة أوباش لا يعرفون من الإسلام الا اسمه، تساوت أفعالهم وأفعال أسلافهم من الخوارج وآكلي السحت

    • زائر 5 | 6:50 ص

      قال امير المؤمنين علي عليه السلام

      كم من دم سفكه فم

    • زائر 4 | 5:41 ص

      عاد الاسلام غريبا

      احسنت ابو عبد الله بدأ الاسلام غريبا وعاد اليوم غريبا

    • زائر 3 | 5:40 ص

      عاد الاسلام غريبا

      احسنت ابو عبد الله بدأ الاسلام غريبا وعاد اليوم غريبا

    • زائر 1 | 1:20 ص

      اين تكمن قوة الاسلام

      انها الحقيقة الكبرى التي لم يستوعبها المسلمون حين قال وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض اراد الرسول الرحيم الشفيق على مستقبل الاسلام لبمسلمين العزة والمنعه ولكنه ابوا الا الرجوع لجاهليتهم الجهلاء فقتلوا علي في محراب الصلاو وهاهم اليوم يقومون بنفس الدور

اقرأ ايضاً