العدد 470 - الجمعة 19 ديسمبر 2003م الموافق 24 شوال 1424هـ

الاتجاهات السياسية وضياع الاستراتيجية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الشارع البحريني، شأنه شأن كل شوارع العالم الإسلامي، يسيطر عليه الإسلاميون. فالشارع الإسلامي السني يسيطر عليه الاتجاه السلفي (ممثلا في جمعية الأصالة)، واتجاه الإخوان المسلمين (ممثلا في جمعية المنبر الإسلامي الوطني)، مع وجود لاتجاهات أصغر حجما الاتجاهين المذكورين. الشارع الإسلامي الشيعي كذلك يسيطر عليه الاتجاه الحوزوي العام (ممثلا في جمعية الوفاق) مع وجود لاتجاهات أصغر حجما.

الاتجاهات الإسلامية السنية حددت (إلى درجة كبيرة) استراتيجيتها تجاه الأوضاع العامة وطبيعة علاقاتها مع الدولة ومع أطراف المجتمع الأخرى، ولذلك فإنها أقل تعبا لنفسها وأنصارها. لكن الاتجاهات الإسلامية الشيعية لم تحدد بصورة نهائية استراتيجيتها، ما يعقد أمورها ويتعب أنصارها.

الحديث عن استراتيجية هذا الاتجاه أو ذاك من أهم الموضوعات التي يحاول البعض إغفالها، متمنيا أن تسير الأمور لوحدها وتحدد لنفسها الاتجاه الذي تقسمه لها الظروف. فإنْ كان خيرا فذلك أمر حسن وما على الجمعية التي تمثل الاتجاه إلا أن تعلن ذلك النجاح وتنسبه إلى الحكمة التي اتبعتها في أعمالها. وإذا كان الأمر ليس حسنا، فإن الجمعية تغسل يدها وتقول إن ما حدث يعتبر تصرفا خارج إطارها وإن من قام به يتحمل نتائجه...

هذا الحديث يهم الاتجاه الإسلامي الشيعي أكثر من غيره في هذه الأيام، لأن الاتجاه لديه «جسد واحد»، ولكن برؤوس متعددة. لا مانع في الأمر لو كان للاتجاه جسدان رئيسييان كما هو الحال في الشارع السني الذي يتقاسمه الاتجاهان السلفي والإخواني، وبالتالي فإن ما يقوم به السلف محسوب على السلف، وما يقوم به الإخوان محسوب على الإخوان.

أما الاتجاه الشيعي، فإن الشارع العام لايزال جسدا واحدا بصورة عامة... ولهذا، فالشعب تختلط عليه الأمور كثيرا ولا يعرف المرء ما إذا كانت هذه الجمعية أو تلك هي التي تحرك الشارع في هذا الوقت أو ذاك. والخطورة في الأمر تكمن في أن هذا الشارع «ملزم» بإعلان التضامن للحفاظ على «وحدته»، وبالتالي فإنك ترى هذه الجمعية لم تتبنَ حدثا معينا ولكنها لا تقف أمامه ولا ترشده وتترك الأمور لجماعة أخرى تتولى الأمر ولو إلى فترة وجيزة حفاظا على عدم انقسام الشارع إلى شارعين.

ربما يقول أحدهم: ما الإشكال في ذلك؟ الإشكال هو أن الأمر يشبه السفينة التي يقودها أكثر من ربان، فتارة تتجه شمالا وتارة تتجه جنوبا، ومرة تتجه شرقا وأخرى غربا، وتدور حول نفسها لأن أكثر من ربان يحركها. وهذه السفينة لو كانت سفينتين أو ثلاث لكان الأمر أقل تعقيدا ولاستفاد أصحابها من توحيد اتجاههم والسير في الاتجاه الذي يحددونه لأنفسهم.

الشارع الشيعي العام مازال أسيرا لانعدام توحيد القيادة ولانعدام وجود فكرة أخرى غير فكرة «التضامن مهما كان الأمر». فالتضامن يعني أن القيادة تتبدل بحسب الظروف ويتم توجيه الجسد يوما إلى هذا الأمر، ويوما آخر إلى أمر مختلف. والتناوب في قيادة الشارع ليس محدد الاتجاه. فمرة إلى التصعيد مع الحكومة، ومرة إلى التصالح والبحث عن وسائل أكثر نفعا، ومرة يرفع شعار متفق عليه وأعلام متفق عليها ولافتات متفق عليها ويؤيدها الكثيرون حتى لو كانوا ليسوا من الاتجاه... ومرة يرفع الشعار الذي يؤمن به من يرفعه وعدد قليل ممن حوله، ولكن الجميع يصمت حفاظا على «التضامن»...

ضياع الاستراتيجية وتعدد القيادات المتناقضة في السياسات يعرضان الجسد العام لإنهاك شديد يجعلانه الخاسر الأول والأخير في كل ما يقوم به. وضياع الاستراتيجية العامة يخلق استراتيجية أخرى «التضامن مهما كان الأمر»، وهي إن كانت تنفع في شيء ففي البقاء في المكان ذاته، لأن أي تحريك باتجاه آخر يضرّ بمفهوم «التضامن»

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 470 - الجمعة 19 ديسمبر 2003م الموافق 24 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً