العدد 4716 - الأربعاء 05 أغسطس 2015م الموافق 20 شوال 1436هـ

طاعون الإرهاب المتأسْلم... سيندحر بإسلام الاعتدال لا التطرُّف

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

هذه الموجة من الإرهاب الأممي، الذي بات حصراً على الحركات الإسلاموية التكفيرية، والتي ينتسب لها متأسلمون من بقاع الأرض كافة؛ بل هي الطاعون الكريه والقذر والمُهدِّد للكوكب بكل مخلوقاته؛ ستندحر بفعل الطبيعة التي نعرف، وبفعل طبيعة النفس البشرية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنحاز إلى ثقافة وعقلية التوحش في الألفية الثالثة، ولو جاءت هذه الموجة من الطاعون العَقَدي في القرن الأول الهجري، لما وجدت لها أرضية غالبة تحتضنها. ستجد سيوفاً مسلطة، وأرواحاً تتقرَّب إلى الله في هلاكها وانتظار الحتف قبل أن ترد الجحيم المُعدَّ لها، وتمرّره على السُذَج على أنه انتظار الحور العين للذين يفخِّخون أدبارهم!

نتحدَّت هنا عن إرهاب لم يهبط من فراغ، ولم يكن شبحاً. تمَّتْ رعايته وتغذيته ومنهجة حركته. الإرهاب التابع إلى منبع الأصولية التكفيرية الممقوتة من غالبية المسلمين على اختلاف طوائفهم. الممقوت من البشر على اختلاف أديانهم واعتقاداتهم، وخصوصاً من المسلمين الذين عُرفوا بالاعتدال، ولم يتربَّوا إلا على قيم ومفاهيم وممارسات الاعتدال في البيئات المفتوحة على البشر والفكر والثقافة، والتسامح، بل حتى مراعاة البيئة من حولهم. الطاعون الذي يتغلغل ويمتدُّ ويجتاح سورية والعراق، ويتعرَّض له لبنان: لبنان الوجهة الأولى في زمن الحصار الذي عانى منه مواطنون في العواصم العربية، بفعل آلة القمع والسحل، والإسلام في نسخته المنقحة التي تتناسب وبعض الدوائر. الموجة الإرهابية التي وجدت حاضناتها في اليمن وتونس وليبيا ومصر، وغيرها من البلدان بفعل إصرار واندفاعة فكر تدميري يشكّل تهديداً للعالم، وللمُنجز البشري والحضاري عموماً، ينفق مليارات الدولارات على «التبشير» لا «الدعوة» كي نكون دقيقين في المسمَّيات، لإدامة وتمدّد ذلك الفكر الذي لا ذرة فكر فيه، لن يُكتب له الاستمرار ولا الهيمنة، ولو أنفقت كل خزائن واحتياطيات الدول الداعمة لتلك الموجة الإرهابية المنحطة، والتي ستجد نفسها يوماً وقد ارتطمت بصخور الواقع والفطرة والاعتدال وسماحة هذا الدِّين والذين يؤمنون بوسطيته.

وها نحن شهود على انقلاب ذلك الطاعون على دول قدَّمت له كل أشكال الدعم والنُصرة والتجنيد، وحشَّدت له كل إمكاناتها، وفتحت له خزائنها.

سورية تدفع الثمن خراباً وقتلاً ودماراً ونسفاً لبنيتها البشرية والتحتية، كي يستقر واقع العرب، اليوم، أو غداً. لسنا منجِّمين أو مُهرّجين في الصحف نقدّم تحليلات لا يجرؤ عليها حتى الذين خرجوا بنتائج مُحبطة حتى على مستوى فحوصاتهم وتحليل دمهم في المختبرات!

سورية التي استعصت على امبراطوريات وغزاة، لن تخضع وتسلِّم راية وجودها الحافر في التاريخ والزمن إلى مجموعة أوباش وقتلة ومتخلّفين ومرتزقة، جاءوا من بيئات لم تتحمَّل قذاراتهم، فكانوا في الهامش، في محاولة للبحث عن مكان لهم تحت الشمس التي لا يعرفون، وباسم الله الذي لا يعرفون ويقتلون باسمه، ويكبّرون لحظة النحر وجز الأعناق.

ليست جهة في المجاز نولِّيها بالقول، إن الشام وياسمينها سينتصران على العفن القادم من الجهات الأربع. فسرّهما أنهما يستطيعان خلق تلك العلاقة الوجدانية والروحية والوجودية لكل من يحاول أن يفهم سرهما، أو يقترب من روعتهما وبهائهما. وحين نقول، الشام وياسمينها، فنعني بها تلك القيمة الجميلة والخلاَّقة التي هي جزء لا يتجزَّأ من عظمته، وسحْره، وقدرته على قلب المعادلات، منذ أن وعينا على قراءة التاريخ، قديمه وحديثه، ولن تكون الحثالة مدفوعة الأجر، والذين يحشدونها ويحرّضونها، استثناءً من قلب المعادلات تلك.

العراق سبقه إلى دفع تلك الفاتورة، ومنذ العام 2003. لكن لسورية خصوصيتها، ليس على مستوى الجغرافية وحدها، وليس على مستوى تأسيسها للتاريخ في العمران الذي بدأته وغيره؛ بل على مستوى صنع المعجزة بتلك القدرة على الصمود والمواجهة، وأن تصبح عصية على أمم الدنيا جميعها منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا.

والعراق ليس بمنأى عن معادلة إثبات الوجود والانتصار، وسيفعل، على رغم كل هذا النباح الذي يشكك في وطنية أبنائه بالخوف عليه من هذا الوحش النتن الذي تمثله «داعش»، والذين ينتمون لها من بعض نسيج العراق وخارجه. مثل ذلك النباح يريد للعراق أن يكون لقمة سائغة لقوى التكفير والذين يدعمونها. أن يتفرج على ذبح أبنائه بالجملة، وعلى هتك أعراضه بالجملة أيضاً، وتدشين أسواق لبيع كرامته وشرفه ونسائه. لو فعل ذلك لما سمعت نباحاً من أطراف يميِّز العالم أهدافها، والذين يقفون من ورائها.

ولبنان قدَّم درساً نادراً ليس للعرب فقط، لأن معظمهم تم توجيهه كي لا يفهم ويستوعب الدرس؛ بل للعالم الذي بدأ يستوعب أن القوة لا تتحدَّد بقائمة السلاح الذي لديك، وأجهزة التجسس التي تملك، والأقمار الاصطناعية التي تكون عيناً لك على الفضاء لكشف خصمك، بل بالإيمان بالقضية والاستعداد من دون تردُّد للموت في سبيلها حتى آخر نَفَس.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4716 - الأربعاء 05 أغسطس 2015م الموافق 20 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:38 ص

      البيئة المناسبة للفكرة المناسبة

      كماأنه لكل بذرة وغرسة أرض وطبيعة مناسبة فإن لكل فكرة وتوجه آيديولوجي بيئة ومجتمعاً يتناسب وماهية تلك الفكرة وذلك التوجه. وللأسف الشديد فإن الظلام الذي تعيش فيه الأمتين العربية والإسلامية جعل منهما البيئتين الأنسب لاحتضان الأفكار الظلامية المبنية على الغيبيات، وعلى الميتافيزيقيات، وبالأخص المستند منها على الفكر الطائفي. والقوى الشريرة في العالم لم تختر هذه الفكرة ولا هذه البيئة عبثاً أو اعتباطاً، بل بناءً على دراسات للماضي والحاضر. وللتأكد من هذه الحقيقة تساءل: من هي الشخصيات الأمثلة في حياتنا؟!

    • زائر 5 | 1:32 ص

      مقال رائع

      نحتاج فعلا للإسلام المعتدل

    • زائر 4 | 12:28 ص

      ينبوع التطرّف

      ينبوع التطرّف انفجر في علم تسعة و سبعين حيث أصيب لبنان قبل غيره من البلدان العربية بهذا التطرّف و الاٍرهاب و ما يزال اللبنانيون يعانون من تسلط المليشيات الإرهابية الايرانية على رقابهم

    • زائر 2 | 11:11 م

      الارهاب

      ان شاء الله ان شاء الله سيندحر طاعون الارهاب المتاسلم اذا كفت ايران عن تدخلاتها في الشؤن العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص ولك الشكر

    • زائر 8 زائر 2 | 4:38 م

      أصلح ذاتك

      أصلح ذاتك، أصلح عائلتك ومجتمعك ونتظر الفارق.
      كفى الإشارة لإيران، أولا شر إلى نفسك ولا تعتقد أنك صواب مطلق.

    • زائر 1 | 11:06 م

      ليش

      ليش ماتكلمون وتوضحون عيل الي يصير في البحرين شسمونه ليش الف والدوران والخوف من الحقيقه

اقرأ ايضاً