العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ

أعلام في التسامح والسلام... الشعراء سفراء السلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

ما من شكّ أنّ الأزمة التي تعصف اليوم بالدول العربية جرّاء العنف المتبادل بين المتقاتلين، بشتّى أصنافهم، أزمة لم تشهدها شعوب هذه الدول في العصر الحديث، بل إن الآثار المدمّرة والتهجير والتقتيل والإهانة والاستهانة بحرمة الجسد حيّاً كان أو ميتاً، لم يُرَ لها مثيل إلا في بعض القبائل البربرية المتوحشة. وما من شك أيضاً أنّ النخب الثقافية والفكرية العربيّة قد تحرّكت في هذا الخضمّ على أكثر من صعيد؛ فمنها من يشرّع لهذا التقاتل ويؤصل له في كتب التراث أو في الدساتير والمجلات القانونية، ومن هذه النخب من يعبّر عن استنكاره بالأعمال الفنية وخصوصاً السينمائية والمسرحية.

ولاشكّ أيضاً أنّ نخبةً من شعراء الوطن العربي، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، قد غادروا ذواتهم وتركوا أبراجهم العاجية ليعبروا عن معاناة عامة الناس من المتضررين من هذا الدمار الذي لحِقَ بسوريّة وليبيا والعراق واليمن، وليستنكروا هذا الإرهاب المتبادل الذي يروّع الصغار والشيوخ والنساء قبل أن يردع الكبار، وليدعوا إلى ثقافة السلام في أكثر من محفل شعري محلي ودولي فكانوا بذلك لا أمراء كلام فحسب، وإنما أيضاً سفراء سلام.

فهذا الشاعر والإعلامي الإماراتي خالد الظنحاني قد دعا خلال مشاركته الشعرية ضمن فعاليات (ملتقى «تسامح» الثقافي) الذي نظمه المعهد الثقافي العربي بالتعاون مع مسرح «تيآتر آوف باوكرويتسبيرغ» في العاصمة الألمانية «برلين»، إلى ترسيخ قيم التسامح والمحبة والسلام بين مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، وقال: «إن تعزيز هذه القيم الإنسانية في وجدان الشعوب على اختلاف مكوناتها ومعتقداتها كفيل باستقرار الإنسان سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ويحول دون تأجيج ما يسمّى بصراع الحضارات». وقد قرأ الظنحاني خلال الملتقى قصيدة بعنوان «تسامح» قال فيها:

ليش التصادم يا بشر

قلوبنا ما هي حجر

أرواحنا فوع وزهر

تهوى المحبة والسلام

وفي ليبيا، وتحديداً في شهر يوليو/ تموز الماضي، ومع احتدام الصراع بين الفصائل المتقاتلة، احتشدت مجموعة من مصابي الحرب الليبيين والشعراء في أُمسية شعرية للدعوة للتسامح والمصالحة في هذه الدولة العربية التي عصف بها العنف والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي. وحملت الأمسية التي أُقيمت بمناسبة عيد الفطر المبارك عنوان «حفل معايدة وأُمسية شعرية (التسامح)»، وقد نظمتها جمعية أبطال ليبيا لفاقدي الأطراف. وكان الشاعر الليبي علي الهونى قد ألقى قصيدة شعريّة جديدة له وصف فيها الواقع الجديد للمهجرين الليبيين واللاجئين في تونس. قال الهوني:

«يكفينا ياسر يكفينا..

تعبنا بين قتل وتهجير..

ها هو العالم ينظر فينا.. عار وحشمة».

وقال رئيس الجمعية العمومية لجمعية أبطال ليبيا لفاقدي الأطراف محمد ساطى: «طبعاً فكرة المعايدة وفكرة الأمسية الشعرية تحت عنوان (التسامح) هي فكرة لتوحيد الليبيين الذين أصبحوا في الفترة القليلة الماضية شتاتاً مفرقين ما بين الشرق والغرب والشمال والجنوب». وقد تركزت القصائد التي أُلقيت خلال الأمسية الشعرية على الدعوة إلى السلام والتآخي والمحبة بين أبناء الوطن والتمسك بقيم التسامح والتصالح والعفو والصفح فيما بينهم. وشدّد الشعراء في قصائدهم، على لم شمل الليبيين ووحدة الوطن، وطالبوا جميع الأطراف بالتحلي بمكارم الأخلاق وبالصبر، وأن يجعلوا مصلحة وطنهم هي العليا وفوق كل اعتبار بعيداً عن الجهوية والقبلية ويبعد عنهم الحسد والكراهية والبغضاء.

أمّا في منطقة الصويرة بالمغرب، فقد احتفى نحو خمسة عشر شاعراً ينحدرون من آفاق مختلفة، بالتسامح والسلام بمناسبة «ملتقى شعراء المهجر بالصويرة»، الذي نظم العام الماضي. وقد أهديت الدورة الأولى لهذا الملتقى لروح الشاعر الفلسطيني محمود درويش «كتذكير رمزي بانخراط الشعراء من أجل الحرية والأخوة والسلام». وشهدت هذه التظاهرة قراءات شعرية قدّمها شعراء عرب مقيمون بالمهجر إضافة إلى مبدعين من المغرب.

وقد أكدت رئيسة المنتدى الأوروبي العربي للإبداع والفنون نجاة ياسين (وهي شاعرة مغربية مقيمة ببلجيكا)، أن هذه التظاهرة شكلت فضاء لربط وشائج بين الشعراء العرب في المهجر ونظرائهم المقيمين في المغرب ولمّهم حول موضوع التسامح والحوار بين الحضارات. من جهتها، أكدت مديرة الملتقى بشرى بقاري، أن «الشعراء هم سفراء للسلام، ولاسيما في ظل ظرفية حرجة بالنسبة للعالم العربي الإسلامي». وتضمن برنامج هذه التظاهرة الثقافية أيضاً تنظيم ندوة حول موضوع «الشعر في خدمة التسامح والسلام».

ولا يمكن أن نمرّ بهذه السرعة على مساهمة الشعراء العرب في الدعوة للتسامح والسلام وتعزيز قيم العيش المشترك من دون أن نقف تحية إكبار للشاعر الفلسطيني منير مزيد، وهو شاعر ومترجم وروائي يعتبر واحداً من أقوى الأصوات الشعرية العالمية الداعية للسلام والمؤكّدين على حوار الحضارات، وسوف نخصّص له مقالاً منفرداً نظراً لجهوده العظيمة في الدعوة إلى السلام والتسامح وحوار الحضارات، من خلال شعره ومترجماته. كما لا يمكن أن نختم من دون الإشارة إلى دور النخبة الثقافيّة عموماً، ولاسيما الشعراء، في إيقاظ ضمير الأمة من خلال مخاطبة القلوب قبل العقول، وتوجيه الشباب قبل الكهول، وترشيد أحلامهم وتنوير الطريق لهم حتى يبتعدوا عن خطاب العنف والطائفية المقيتة، وينخرطوا في خطاب التسامح وقيم السلام وممارسات العيش المشترك.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:57 ص

      نرجو ذلك

      دور النخبة الثقافيّة عموماً، ولاسيما الشعراء، في إيقاظ ضمير الأمة من خلال مخاطبة القلوب قبل العقول، وتوجيه الشباب قبل الكهول، وترشيد أحلامهم وتنوير الطريق لهم حتى يبتعدوا عن خطاب العنف والطائفية المقيتة، وينخرطوا في خطاب التسامح وقيم السلام وممارسات العيش المشترك.

    • زائر 2 | 3:49 ص

      من المتسبب فيها؟ لو نضع اليد على السبب لعالجنا المشكل من جذوره

      الأزمة التي تعصف اليوم بالدول العربية جرّاء العنف المتبادل بين المتقاتلين، بشتّى أصنافهم، أزمة لم تشهدها شعوب هذه الدول في العصر الحديث، بل إن الآثار المدمّرة والتهجير والتقتيل والإهانة والاستهانة بحرمة الجسد حيّاً كان أو ميتاً، لم يُرَ لها مثيل إلا في بعض القبائل البربرية المتوحشة

اقرأ ايضاً