العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ

في الوقت الضائع

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

في مطلع الثمانينات كتب الأديب المصري الراحل توفيق الحكيم سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الأهرام تحت عنوان «في الوقت الضائع»، وجاء الكتاب الذي هو عبارة عن سلسلة مقالات في مواضيع فكرية شتى في فترة شيخوخة الكاتب ومرضه، وقد مهد لها بالقول «الآن وقد شاءت رحمة الله أن أصبح في مرحلة الوقت الإضافي، لا أجد ما أقدمه لكل من أحاطوني باهتمامهم -مناصرين ومعارضين- وخصوصا في فترة مرضي التي طالت كثيرا، خيرا من أفكاري وخواطري التي كتبتها في الوقت الضائع».

المتابع للعالم العربي المريض بأزماته وانقساماته والعاجز عن النهوض الحضاري والتحول الديموقراطي، والذي يفشل مرحلة تلو مرحلة وأزمة تلو أزمة في إحداث اختراق في جدار منظومة الاستبداد والجمود، فيعود الى نقطة الصفر دون ان يحقق اي فائدة تذكر، نعم كل الشواهد تقول اننا نعيش مرحلة الوقت الضائع لأنظمة وشعوب ولا تدري إلى أين هي ذاهبة، في ظل غياب مشروع إستراتيجي جامع ومتكامل يحدد أين نقف اليوم والى أين تريد أن تصل!

ثم، ماذا يفعل الأفراد ومواطنو هذه الدول في الوقت الضائع؟ كيف يخططون لمستقبلهم وفي اي المجالات والتخصصات يتوجهون في تعليم ابنائهم، وأين يضعون أموالهم، وكيف يستثمرونها، وكل ما حولهم يشي بأنهم يعايشون مرحلة ضبابية غامضة ومقلقة وتبدو للبعض غير واضحة المعالم في حين يراها آخرون كالحة السواد وكارثية؟

السير جون جنكن السفير البريطاني السابق في الرياض صرح مؤخرا أن «الأزمة التي يمر بها الخليج بسبب تنظيم الدولة الإسلامية تعد الاخطر بعد الحرب العالمية الثانية، وسوف تستمر من 10 الى 15 سنة».

الاستقطاب المذهبي والفتن الطائفية والحروب بالوكالة بين الدول الإقليمية تمعن في تقسيم هذا الوطن وتقطيع أوصاله، الاقتصاد الذي هو الوجه الآخر للسياسة يتنبأ بالانهيار التام في أكثر من دولة عربية وبلوغها مرحلة تعجز فيها عن دفع رواتب موظفيها، في هذه الأوقات العصيبة والتي تخفق فيها الأنظمة في التصالح مع شعوبها واحتضان جميع مكوناته ومنع هذا الجانب أو ذاك من بلوغ مرحلة الإحباط واليأس والارتماء في أحضان الآخر والاستقواء به وتسهيل اختراق أوطاننا الهشة التكوين والمحكومة بالوعي الديني والمذهبي وحيث يسهل جرها وقيادها الى هذا الطرف او ذاك.

هل نحن في منطقة الخليج الغنية والمرتاحة اقتصاديا افضل حالا من غيرنا، وسط موجة التراجعات في أسعار النفط وارتفاع الدين العام وعجز الموازنات؟ ألا ينبئ ذلك بتغيير المعادلات السياسية والنهج الاقتصادي القائم على سلعة واحدة وناضبة ومتقلبة الأسعار؟

صحيح كيف للفرد أن يخطط لحاضره ومستقبله وسط هذه الوقائع والاخبار المقلقة والخوف من قادم الايام! وهل نتعجب ان نرى بعض شبابنا يرتمي في احضان هذا التنظيم الارهابي او ذاك، مستندا الى خطاب تكفيري ومخزون تراثي يجري استحضاره والارتكاز عليه لتبرير قتل بعضنا بعضا.

لقد واتت العالم العربي اكثر من فرصة للتغيير سواء التغيير التدريجي الهادئ او التغيير العاصف المدمر، ولم يستثمر أياً منها وضاعت تباعا.

في هذا الوقت الضائع الذي تنعدم فيه الرؤية نحتاج إلى استيراد المناهج الجديدة المتطورة في التعليم والاقتصاد والادارة والبيئة والتنمية الاجتماعية والسياسية التي من شأنها أن تعيد الاستقرار إلى أوطاننا وتبعد عنا مغبة العيش في الوقت الضائع.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:20 ص

      شكرا اختى على هاده المقال

      انه انبى اعرف ويش استفادو من تحطيم الشعب وسجنه وستغلو ميزانية الشعب لاجل مصالحهم هاده الفلوس الي صرفوها لاجل قمع الشعب لو اخدو هادى الفلوس واعطوها الشعب مو احسن اليهم المشاكل كل يوم ازيد بين الشعب والحكومة والحل موجود هو اتباع شرع الله فى المعاملة ويه الناس والله لو تتركون عنكم الكفرة امريكا وتتبعون الله لحصل للبحرين اشياء حلوه والله ياخد الحق

    • زائر 5 | 7:05 ص

      هو إيه؟

      تخطيط إيه اللي بتتكلمي عليه؟ هو التخطيط معناه إيه؟

    • زائر 3 | 5:34 ص

      كلام رائع

      هناك امل وبا الاخص في الفقره الاخير بأننا بحاجه رؤيه جديده حةل الاقتصاد والتعليم وايضا اضيف هنا بحاجه الى حوار شامل لمعالجة امور مستعصيه في الوطن لنكمل نهضة البلاد اقتصاديا وحقو قيا شكرا لكم

    • زائر 2 | 2:51 ص

      أمة بكاملها

      تعيش في الوقت الضائع

اقرأ ايضاً