العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ

النعيمي... ذكرى وطن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تمر بنا اليوم ذكرى رحيل المناضل الوطني عبدالرحمن النعيمي، إحدى القامات الوطنية المعارضة.

قبل أربعة أعوام، وفي الحادي من سبتمبر/ أيلول 2011، رحل الأب الروحي لجمعية «وعد»، مخلفاً وراءه إرثاً حركياً نضالياً، وتركة ثقيلة لرفاقه لمواصلة الدرب.

رحيل النعيمي (رحمه الله) في ذلك العام، كان وقعه مضاعفاً، فقد كانت البلاد تمر بأزمةٍ سياسيةٍ عميقةٍ، لم تمر بمثلها منذ زمن «هيئة الاتحاد الوطني» في الخمسينيات. وبينما شهدت تلك الفترة وجود وفرةٍ من القيادات الوطنية التي أنقذت الوضع وحمت البلاد من الانقسام الطائفي الحاد، فإن فترة الربيع العربي - وهنا المفارقة الكبرى - عانت من ندرة مثل هذه القيادات الوطنية، ولذلك سقط أكثر من بلدٍ عربي في أتون النزاعات والمؤامرات السياسية.

لم يشهد النعيمي بداية انبثاق الربيع العربي، كما لم يشهد منظر إقدام شاب تونسي فقير على حرق نفسه، ولا ما تلى ذلك من أحداث. فقد أسقطه المرض قبل ذلك بأشهر، فظل رهين الأسرّة البيضاء في غيبوبة طويلة. وحين زرناه ذات يوم، رفقة بعض الزملاء، كان يحيط به بعض أهله، حيث أكّدوا أنه يسمع التحية لكنه لا يستطيع الرد. كان بعض رفاقه يجلسون في ردهة المستشفى ينتظرون الدور ليدخلوا لتحيته، حيث لم يكن يُسمح بدخول أكثر من شخص. هذا القلب الوطني الذي أصبح يخفق ببطء، كان قبلها يشارك في الندوات السياسية، ويطلّ بين فترةٍ وأخرى على بعض الشاشات، وينشر بعض الكتابات التي تبث الوعي السياسي في بعض الأنسجة الخاملة.

كانت له محاولةٌ جادةٌ لدخول البرلمان، إيماناً بفكرة الإصلاح من الداخل، ورُتّبت الأمور بحيث لا يصل مثل النعيمي إلى البرلمان، حتى لو دعمته أصوات الآلاف من مختلف المناطق والجهات.

النعيمي عاش في المهجر ثلاثة عقود، وقضى ثلث حياته في الغربة، وتحملت عائلته الأصيلة تبعات الهجرة في حب الوطن. وقد كرّس حياته من أجل المشاركة الشعبية والديمقراطية الحقيقية، وظلّ مثابراً على نهجه حتى أسقطه المرض، ليدخل في الهزيع الأخير.

في آخر فصل من حياته، حضر النعيمي عدداً من المؤتمرات والفعاليات السياسية في الأردن وسورية ومصر والمغرب، حيث تدهورت حالته الصحية ودخل المستشفى في أبريل/ نيسان 2007، لينقل بعدها إلى أحد المستشفيات السعودية ليكون قريباً من أهله ومحبيه، وبعد تسعة أشهر أعيد إلى البحرين في فبراير/ شباط 2008، حيث كانت الاستلقاءة الأخيرة.

لو عاد النعيمي اليوم ليلقي إطلالةً سريعةً على الساحة، لهاله الأمر، بل في عموم العالم العربي. فبعد غيبوبته بعامين انبعثت آمال الشباب العربي بالتغيير، فخرجت الملايين تطالب بالحرية التي خُنقت، وبالكرامة العربية التي سُحقت، وبالحقوق البديهية. لم تُترك للمواطن فرصةٌ للتعبير عن الرأي. لقد أصبح المواطن العربي مستباحاً، مهاناً، محتَقَراً في بلده، وأصبحت شعوبنا تُقاد كقطعان الماشية، ورفع من جديدٍ الشعار الغاشم القديم: «العصا لمن عصا».

الربيع العربي الواعد تم إجهاضه وإغراقه في العنف والدم. وأصبحنا أمةً مشردةً تبحث عن الملاجئ الآمنة في الشرق والغرب، لأنها حلمت يوماً بالكرامة والحريات.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 11:42 ص

      النعيمى قال فى آخر ندوة بخيمته

      ان البحرين محتاجة جيل او جيلين عشان تظلع برع الطائفية اللى مسيطره على اهلها وفعلا كلامك صحيح يالنعيمى اما عدم نجاحه فهو طبيعى لان محد يبى .. وهاذى اللى صار الله فكه من الغربال اللى فى الديرة

    • زائر 7 | 10:24 ص

      حري بكل مواطن قراءة سيرة هذا المحب لوطنه

      أتعجب من التجاهل الرسمي لهذه الشخصية
      مع ان اطروحاته كانت وطنية بامتياز

    • زائر 6 | 2:50 ص

      هذا جزاء من يطالب بحقوقه

      الربيع العربي الواعد تم إجهاضه وإغراقه في العنف والدم. وأصبحنا أمةً مشردةً تبحث عن الملاجئ الآمنة في الشرق والغرب، لأنها حلمت يوماً بالكرامة والحريات.

    • زائر 4 | 2:26 ص

      ذكرى عطرة

      لن ينساه الوطن وأهل الوطن لأنه كان مخلصاً للوطن والشعب.

    • زائر 1 | 10:07 م

      رحمه الله

      كان يحلم بوطن لايرجف فيه أحد

    • زائر 3 زائر 1 | 12:23 ص

      الثبات على المبدئ

      سيبقى مخلدا لانه رجل حق ونضال وكان يسعى لوطن يكون فيه المواطن عزيزا له مكانة رحمك الله دكتور

اقرأ ايضاً