العدد 4819 - الإثنين 16 نوفمبر 2015م الموافق 03 صفر 1437هـ

سيناء... بين كارثتي طائرتين مدنيتين

رضي السماك

كاتب بحريني

لعل من سوء طالع روسيا أن تأتي كارثة سقوط طائرتها المدنية فوق رمال سيناء، قرب العريش، والتي راح ضحيتها أكثر من 200 سائح، في أوج انشغال إعلامها الرسمي بمواجهة تصاعد الحملة الغربية - الأوكرانية المسعورة باتهامها والمنشقين الأوكرانيين الموالين لها بمسئولية كارثة الطائرة الماليزية في يوليو / تموز من العام الماضي والتي راح ضحيتها ما يقرب من 300 راكب من جنسيات مختلفة غالبيتهم من الهولنديين، وقد جاء تصاعد الحملة الغربية على إثر صدور تقرير فني عن مجلس السلامة الهولندي يؤكد أن تحطم الطائرة ناجم عن إصابتها بصاروخ روسي الصنع من طراز 9 إم 38 Buk، هذا على رغم أن التقرير لم يشر إلى الجهة التي أطلقت الصاروخ وليس من اختصاصه فعل ذلك. وعلى إثر إعلان تنظيم «داعش» الذي يتمتع بمعاقل له في سيناء مسئوليته عن إسقاط الطائرة الروسية قرب العريش انطلقت حملة غربية جديدة تؤكد سقوطها بفعل قنبلة زرعت في «العفش»، ومن الواضح جداً أن الحملة الجديدة هدفها ربط التدخل الروسي العسكري في سورية، وشنه غارات على مواقع تنظيم «داعش» بتفجير هذا الأخير الطائرة الروسية فوق سيناء، وهذا الربط هدفه إنما خلق رأي عام روسي داخلي ضاغط ضد تدخل حكومتهم في سورية، كل ذلك ومازالت النتائج النهائية لتحليل الصندوقين الأسودين لم تصدر بعد، وهذا ما أزعج كلاً من موسكو والقاهرة أيما إزعاج، إذ رفضت كلتاهما في الأيام الأولى ذلك السبب، واستباق ظهور النتائج النهائية للتحقيق، وإن لم تستبعدا على استحياء بعد مرور أيام من الحادث تلك الفرضية.

وسواء أظهرت النتائج النهائية صحة فرضية الحملة الغربية الإعلامية بسقوط الطائرة بفعل عمل تخريبي أم بفعل خلل فني أم لخطأ بشري، فإن موسكو والقاهرة هما المتضررتان من الكارثة، فالأولى، وهي المتضررة الكبرى، فقدت أكثر من مئتين وعشرين إنساناً بريئاً من مواطنيها، والثانية تم توجيه ضربة قوية لسياحتها الشتوية من السياح الأوروبيين في وقت تعاني فيه من مصاعب اقتصادية جمة، وبخاصة إذا ما علمنا بوجود 80 ألف سائح روسي وقت الكارثة تم إجلاؤهم من قِبل حكومتهم لاحقاً مما يدلل على الخسارة الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد المصري من مدخول السياحة، والتي قدرها وزير السياحة المصري هشام زعزوع بـ281 مليون دولار شهرياً، وبهذا فإن الحملة الغربية إنما تهدف أيضاً إثبات أن الوضع الأمني الداخلي في مصر بات خارج سيطرة حكومتها بغية الضغط عليها لإبداء موقف اكثر تشدداً تجاه النظام السوري.

لكن ما فات كلاً من موسكو والقاهرة بوجه خاص في مواجهتهما الحملة الغربية الرامية لتسييس حادث كارثة الطائرة الروسية للتشويش على موقفيهما من الأزمة السورية ان تستغلا ذلك لاستذكار المجتمع الدولي تاريخياً بالجريمة الارهابية التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي لشبه جزيرة سيناء المصرية العام 1973 بحق طائرة ركاب ليبية مدنية كانت متوجهة إلى القاهرة وضلت طريقها إثر هبوب عاصفة رملية ودخلت أجواء شبه جزيرة سيناء المحتلة، وتم ضربها بصواريخ من أربع مقاتلات اسرائيلية بأوامر مباشرة من رئيس الأركان الاسرائيلي حينذاك ديفي إليعازر ، رغم علم سلطات الاحتلال مسبقاً بأن الطائرة مدنية وانها على وشك الخروج من اجواء سيناء المحتلة بعد تعديل مسارها والاتجاه غرباً نحو القاهرة. وقد نجم عن هذه الكارثة 108 شهداء من الأبرياء المدنيين، ولم تعتذر «اسرائيل» لليبيا ومصر عن جريمتها، دع عنك تعويضهما، ورفضت الأمم المتحدة إدانة «اسرائيل»، رغم تصويت منظمة الطيران المدني الدولي بإدانتها لاسرائيل في الوقت الذي تغيبت الولايات المتحدة عن جلسة التصويت.

ومن المؤسف حقاً انه في الوقت الذي ننسى عند وقوع مثل هذه الكوارث من الطيران المسيسة جريمة إرهاب الدولة الصهيونية المحتلة لسيناء يكتب فيه قبل سنوات قليلة كاتب موضوعي غير عربي، كالكاتب الاسترالي ستيفن كاتسينبرس، مقالاً يستنكر فيه تنديد المجتمع الدولي فعل ذلك كلما وقع حادث ارهابي بحق طائرة مدنية ترتكبه جماعة ارهابية، ويتجاهل جرائم ارهاب الدولة الرسمي التي تمارس مثل هذه العمليات، كإسرائيل تحديداً، مستذكراً بوجه خاص كارثة الطائرة الليبية المدنية المغدورة من قِبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي لسيناء العام 1973.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4819 - الإثنين 16 نوفمبر 2015م الموافق 03 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً