العدد 4857 - الخميس 24 ديسمبر 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1437هـ

اتفاق باريس للمناخ منعطف تاريخي في مفاهيم السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

شهدت باريس تظاهرة بيئية هي الأكثر حضوراً وأثراً على القرار الدولي البيئي في تاريخ الحراك البيئي العالمي، واستبق أعمال مؤتمر باريس للمناخ - COP21 أنشطة متنوعة للمؤسسات البيئية المختصة والمؤسسات الأكاديمية والتربوية والمجتمع المدني في مختلف بلدان العالم جرى في سياقها معالجة منظومة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية ذات الارتباط بمعضلة التغير المناخي المتصاعدة، وتؤثر آثارها السلبية على واقع النظام البيئي لكوكب الأرض والأمن البيئي للمجتمعات البشرية.

الحركة العالمية للمناخ شهدت تصاعداً متواتراً في أنشطتها، وتبنت الفعاليات الشبابية والنسائية والبيئية أنشطة متنوعة في التحضير لاستقبال مؤتمر باريس للمناخ بهدف تشكيل قوة ضغط عالمية للتأثير على مسار المفاوضات الدولية لحفز المجتمع الدولي في تبني قرارات أكثر جذرية وواقعية يمكن أن تساهم في إحداث تغيير نوعي في مسار العمل الدولي للحد من مخاطر أزمة تغير المناخ العالمي على الأمن الإنساني، وكان لذلك الحراك أثره في القرارات التاريخية لمؤتمر باريس.

البحرين شهدت أيضاً حراكاً بيئياً إذ بادرت جامعة الخليج العربي بتنظيم ندوة بعنوان «اتفاقية تغير المناخ: الطريق من ليما إلى باريس 2015» ونظمت جمعية البحرين للبيئة بالتعاون مع حركة الشباب العربي للمناخ فرع البحرين (ندوة التغير المناخي واقعه وأبعاده) وتمثلت محاور الندوة في معالجة قضايا مهمة ضمن استراتيجية معادلة مشكلة تغير المناخ، تمحورت في قضايا صياغة السياسات، والطاقة، وإدارة البيئة والتلوث، والاستثمار في الوعي البيئي.

الاتفاق الذي وافقت عليه 195 دولة، منعطف تاريخي في مفاهيم السلوك البشري والتنمية المستدامة، ويدخل حيز التنفيذ اعتباراً من العام 2020، حددت قواعده منظومة من الالتزامات، وحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون «درجتين مئويتين» ومتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عن 5.1 درجات مئوية، وتلزم قواعده الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً «كحد أدنى» اعتباراً من عام 2020، واقتراح هدف مرقم جديد في عام 2025، وتلقي بالالتزام على الدول المتقدمة أن تكون في الطليعة في مستوى اعتماد أهداف خفض الانبعاثات، وتلزم الدول النامية بمواصلة تحسين جهودها للتصدي للاحتباس الحراري في ضوء أوضاعها الوطنية، والتشديد على التوصل إلى «ذروة الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن، والقيام بعمليات خفض سريعاً إثر ذلك بهدف التوصل إلى توازن بين الانبعاثات التي سببها أنشطة بشرية والانبعاثات، وتلزم الدول المتقدمة أن تساعد الدول النامية عبر تزويدها بموارد مالية وتشجيع باقي الدول على تقديم الدعم بشكل طوعي، ووضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية اختيارية، وإجراء أول مراجعة إجبارية في عام 2023، وإلزام البلدان المتأثرة بتغير المناخ بالتوقيع على إقرار بضرورة تفادي الخسائر الناجمة عنه وتقليصها والتصدي لها.

الناشط البيئي محمد جواد شهد الأنشطة التي رافقت فعاليات مؤتمر باريس للمناخ، يشير إلى أن المؤتمر يعد أكبر تجمع دولي بيئي من حيث عدد المشاركين، وقوة الحدث وفاعلية نشاط الوفود الرسمية الحكومية والممثليين الدوليين ونشطاء المجتمع المدني البيئي، وفي سياق تقييمه للنتائج التاريخية للمؤتمر يؤكد بأن الاتفاق التاريخي الذي توصل إليه المجتمعون بشأن الالتزمات الدولية للحد من تصاعد وتأثر ارتفاع درجة حرارة الأرض، جاء نتيجة وعي المجتمع الدولي بما يحيط العالم من مخاطر بسبب الآثار السلبية لظاهرة تغير المناخ وضرورة إحداث تحول نوعي في مفاهيم السلوك والالتزمات الدولية الموجهة للتخفيف من حدة ظاهرة التغير المناخي، وأن العالم أدرك حقيقة أننا جميعاً نسير في قارب واحد، وأن غرقه يؤدي إلى غرق الجميع، ويستدرك أن ذلك الإنجاز يمثل أيضاً نتيجة فعلية للضغط الذي مارسته حركة المجتمع الدولي البيئية والنشطاء البيئيون، وقال إن إشراك الناشطين البيئيين في الوفد الرسمي يمثل ظاهرة إيجابية ومطلوبة تشير إلى السياسة المؤسسة والحكيمة في بناء الشراكة الفعلية في منظومة العمل البيئي الوطني وتعزز المكانة الحضارية للدولة في خارطة العمل البيئي الدولي.

وفي إطار تقييم الحدث التاريخي لمؤتمر باريس، عضو حركة الشباب العربي للمناخ فرع البحرين علي تلاهي قال «تقييمنا للمؤتمر أن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه لم يلبِ طموح جميع الأطراف وبالأخص المجتمع المدني، وأن الاتفاقية مبدئية وتفتقد بعض البنود الأساسية مثل حقوق الإنسان فيما يتعلق بتغير المناخ» وأشار إلى أن «المجتمع المدني الدولي كان له تأثيره القوي على أرض الواقع في المؤتمر، ويبدوا أن المجتمع المدني في الغرب سعيد بالنتيجة لأن الاتفاقية وضعت اللبنة الأساسية من أجل تبني الطاقة النظيفة وتوديع عصر الوقود الأحفوري».

مراسم توقيع وثيقة باريس للمناخ يجري في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 22 أبريل/ نيسان 2016 على مستوى عال، بيد أنها لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد المصادقة عليها من قبل 55 بلداً تطلق ما لا يقل عن 55 في المئة من الحجم الكلي للغازات الدفيئة، ويتخوف الناشطون البيئيون من احتمال أن يتكرر واقع ما جرى بشأن تنفيذ التزامات برتوكول كيوتو، إذ جرى تراجع بعض الدول عن تنفيذ ما تضمنه البرتوكول من التزامات، ما تسبب في عدم تمكن البشرية من جني ثمرة ما حدده البرتوكول من التزامات في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والتقليل من مخاطر التغير المناخي على النظام البيئي لكوكب الأرض والأمن البيئي للبشرية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4857 - الخميس 24 ديسمبر 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً