العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ

الأنظمة والثقافة: تساؤلات

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

المأزق العربي في عالم الثقافة ليس جديداً، فهو استمرار للقديم، لكنه لا يشمل كل مكان عربي بنفس الدرجة والمستوى، فالبعض أكثر حدة والبعض أكثر مرونة، فهناك فوارق كبرى بين أقطار العرب المختلفة من المحيط للخليج وهذا ما يجب أن نأخذه بالاعتبار.

ولكن مأزق الثقافة يلف الثقافة العربية ويؤثر بها على أصعدة كثيرة. فهناك من المفكرين والمثقفين العرب ممن يسعون عبر الكتابة والكلمة والصحافة والأدب والرواية والمسرح والأغنية والمعرفة والتأليف لفتح آفاق التعبير والحرية آملين في مجتمعات عربية أكثر حرية ونمواً وأقل تراجعاً.

هذا القطاع من المثقفين العرب يواجه ضغط الدول التي تعيش أولوية المنع على السماح والمصادرة. وهذه ليست معادلة عادلة، فبين قوة الدولة وجبروتها وقوانينها وقدرات الثقافة والتعبير علاقة مختلة بالكامل.

لهذا فبلا تبني الدولة لحق التعبير والثقافة، حتى لو مست بدرجات سياساتها، لن تكون للثقافة تلك القوة الدافعة التي تؤدي لمنعتها وثقتها بنفسها ونهضتها. إن محاربة الثقافة سيدفع قطاعاً كبيراً من المثقفين العرب لتفضيل الصمت والهجرة جسدياً أو روحياً أو الاثنين معاً، وفي هذا حرمان للإقليم من قوة تنمية أساسية. النظام السياسي العربي الذي يتواجه مع الثقافة الحرة والكتابة الموضوعية المستقلة في شئون اللغة والسياسة والتاريخ والرواية بل والحرب والسلام والمجتمع والتفسير الديني يحرم المجتمع من النقاش الموضوعي، وهذا الحرمان يسهم في تقوية مدرسة العنف التي تزداد انتشاراً. لكنه يدفع قطاع آخر للهرب نحو ثقافات بديلة دينية أو سياسية أو عقائدية ستضعف النظام وتفتت من إمكانياته.

ينقص بلادنا القناعة بأن التعبير عن الرأي بوسائل سلمية حق مكفول لكل عربي طالما يطرح ضمن رؤى واجتهادات موضوعية وغير رخيصة أو صفراء. الثقافة التمجيدية لن تأخذنا لأي مكان إيجابي، خاصة أن لا أحد يصدقها حتى لو صدقت في بعض الأبعاد. فالثقافة التمجيدية والخوف من التعبيرات الحرة من المسببات التي تجعل عالمنا العربي من أقل العوالم إنتاجاً للمعرفة وتحقيقاً للترجمة، وهذه تتحول لإضافة مستمرة على الهوة الحضارية بيننا وبين العالم. إن ما يصدر في اللغات الأجنبية عنا من مقالات ودراسات وأبحاث وكتب كبير ومهول، هذا المنتوج يترك أكبر الأثر في صورتنا العالمية وصورتنا الأوروبية، إن تصحيح صورتنا غير ممكن ولن يصدق بلا رؤى موضوعية وأطروحات تقترب من الحقيقة.

كانت مشكلتنا وستبقى في السياسة، ويبدو أن كل دولة عربية ستبقى ضد نفسها وضد جزء من جمهورها طالما بقيت محاطة بدول عربية وغير عربية شتى كل منها لديها سياسة وأهداف. الدولة العربية خائفة من نفسها ومن محيطها الإقليمي، وتخشى من إقليمها ومن أعدائها الوهميين والحقيقيين، أكانوا بعيدين أو قريبين. خوف الدولة العربية مبرر في جانب: فهي جزء من أمة عربية كبيرة تتكون من 22 دولة، تشعر بأنها معرضة أمام التنوع الاثني المحلي والتنوع الداخلي والإقليمي، خاصة أن الجزء الذي يوحدها استناداً إلى شرعية سياسية وتاريخية ودينية بدأ يغيب مع بروز الجيل الصاعد والذي يتطلب مشروعاً مختلفاً.

لقد فقد العرب المشروع السياسي والثقافي بل والإنساني، وهذا يؤثر في الأجزاء القوية كما والضعيفة من الأمة ويجعلها عرضة للتدخل كما يقع السعي الإيراني لابتلاع مع تستطيع. ربما يفسر هذا في جانب مدى عمق المشكلة. فبقاء العرب بهذا التفتت هو الآخر مدعاة لمزيد من التدخلات، لكن غياب المشروع العربي البعيد هو الآخر مدعاة لمزيد من الأزمات. من أين نبدأ، إن لم نبدأ مع الحوار والنقاش المفتوح وتقبل مبادئه؟ من أين سنبدأ أن لا يواجه الرأي بالرأي الآخر؟ لابد من فك القيود على الثقافة لصالح الحوار الذي يسمح باستعادة الجمهور الحر الذي يخسره العالم العربي كل يوم.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً