العدد 4927 - الخميس 03 مارس 2016م الموافق 24 جمادى الأولى 1437هـ

حياتنا صورة

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يقال إننا شعوب تهتم بالصورة أكثر من اهتمامها بالمضمون، هل هو النفاق في أوضح تجلياته دونما أن نشعر؟ أم هي الغفلة، أو هذا ما جبلنا عليه، الصورة ليست هي الشكل فحسب، بل هي الصورة الذهنية والاعتبارية للأمور الحياتية بكل تفاصيلها ومكوناتها؟ فالأم الصالحة والأب القدوة والحياة المثلى والمهنية الحرفية والحرية والعدالة كلها صور ارتسمت في مخيلاتنا، ليست كل تفاصيلها صحيحة؛ لأنها مبنية على تصورنا، وما علق في أذهاننا بفعل آبائنا ومَنْ حولنا، لكن ما يقلقنا فعلا هو لم ضيعنا سِنِيَّ عمرنا في تطبيق الصورة العالقة؟

كانت الصورة هي أول ما علقت في ذهن الإنسان البشري، فبدأ بوصفها بأنامله، فكل ما يراه او يشعر به يصفه في صورة، حتى جاءت الكلمة لتطوف فضاء الإنسانية، لكنها أيضاً ارتهنت بالصورة، التي مازالت هي المسيطرة، فكثيرًا منَّا يفشل في اختيار مهنته، أو عيشه الاجتماعي، مع أن ذلك كان باختياره؛ لأنه اختار الصورة التي رسمها عند القرار، إذ ربط خياره بتحقيق الصورة، وفقًا لما يؤكده العالم بولدنغ «إن الكيفية التي يتصرف بها الإنسان تعتمد على الصورة الذهنية»، هذه الصورة اكتسبها الانسان من أسرته ومدرسته وكل الخبرات التي صبّت في مراحل حياته، وقد لعبت وسائل الإعلام دورًا مهمًّا في ذلك، فهي لم تعد الآن ﺃﺩﻭﺍﺕ لنقل المعلومات فقط، إنما تصنع الصورة وتعيد تنظيمها وطباعتها في أذهان الجماهير، الجماهير التي وصفها غستاف لوبون في كتابه «سيكولوجية الجماهير» بأنها مغفلة؛ لأنها تبني حركتها على العفوية القائمة على الصورة الحاضرة.

الصورة التي تعني في اللغة والاصطلاح أنها الشكل، وهو إما الشكل الخارجي وإما الشكل الداخلي أي الماهية.

وفي نظرية الوجود، فالمثال هو الصورة، وأما في المنطق، فقد حدد المنطقيون العرب الصورة الذهنية بقولهم: المعاني وهي الصور الحاصلة في العقل للفظ، وهي جواب ما هو؟ فسميت ماهية، والثابت منه في الخارج حقيقة، وما ثبت في الأغوار فهو هوية.

الصورة هي رهينة الإنسان، ومداركه، فمنها ما هو سلبي ومنها الإيجابية، فالسلبية تعني التهيؤات، وفي الوقت ذاته فان الصورة الايجابية ليست بالضرورة صورة ساكنة، جامدة كما لدينا في مجتمعاتنا العربية الصورة لا تتغير؛ لأننا نربي الأفراد على الكبت وعدم التعبير عن أنفسهم ما يقلل من تقديرهم لذاتهم، فتنتج عن ذلك الصور المتشابهة والمستنسخة.

احد الشباب كتب في مدونته «أنت اصنع صورتك، وانتبه وأنت تصنع الصورة، لا ترسم صورة ذهنية مثالية منذ البداية، ابدأ أولا بالدرجات الواقعية ومع الوقت يمكنك أن تمر إلى درجات أعلى بكثير. لا تنسخ الصورة من أحد، فصورتك خاصة بك أنت. جميع القيم تملك مرادفًا يمكن تعويضها به، فالشجاعة يمكن تعويضها بالعزيمة، والجمال بالابتسامة الساحرة، والقوة بالرشاقة، وطلاقة اللسان بحسن الاستماع، والثقافة بالوعي، واللياقة الجسدية بالثقة في النفس». تبقى الصورة ثقافة وعقيدة، هي ملك الإنسان ونتاجه، لكن من يجيد صناعة صورته شكلاً ومضمونًا؟

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4927 - الخميس 03 مارس 2016م الموافق 24 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً