العدد 4969 - الخميس 14 أبريل 2016م الموافق 07 رجب 1437هـ

الإفلات من العقاب

غانم النجار ghanim.alnajjar [at] alwasatnews.com

كاتب كويتي

إفلات المجرم من العقاب قد يكون أخطر من الجريمة ذاتها. فالمجرم الذي لا يعاقب يستمر في إجرامه ظناً منه أنه أقوى من القانون، ويعطي نموذجاً للمجتمع أن المجرم يستطيع أن يفعل ما يشاء دون رادع، وبالتالي تروج الجريمة وتصبح واقع حال ونمط حياة. ناهيك عن الأثر المدمّر الذي يخلقه إفلات المجرم على نفسية الضحية وأهله ومحبيه، وإحساسهم المُر بأن العدالة منتهكة.

إلا أن العقاب بالمقابل يجب أن يخضع لقواعد عدالة صارمة لا تمنح الفرصة لأي سلطة مستهترة بأن تستغل حاجة الناس للحماية والأمن، فتتجاوز القانون، وتتجاوز شروط العدالة المستحقة، والقضاء المستقل.

الأمن والعدالة وجهان لعملة واحدة، فلا يتحقق الأمن بلا عدالة حتى وإن بدا ظاهرياً ذلك، بينما يتحقّق الأمن كلما كانت العدالة راسخةً متأصلةً في المجتمع. كذلك هو الأمن والحرية، فلا تناقض بينهما بل تكامل مؤكد.

المجرم ليس هو من ينتهك القانون، بل هو الذي يلقى القبض عليه ويدان ويعاقب ويسجل ذلك في سجله الجنائي، أما إن لم يقبض عليه فقد يكون من شخصيات المجتمع المهمة في مجالاته المتعددة من العمل السياسي إلى التجاري إلى العمل العام وغير ذلك. فكم لدينا من مجرمين طلقاء فقط، لأنه لم يتم القبض عليهم.

ولعل أخطر الجرائم التي يرتكبها البشر هي الجرائم الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، ولذلك فإن الجرائم الإنسانية لا تسقط بالتقادم، أي أنها تبقى أبد الدهر قابلةً للتحريك لإدانة الفاعلين.

وهكذا صار موضوع الإفلات من العقاب نقطة أساسية في بناء المجتمعات وبالذات التي مرّت بحروب أهلية أو احتلالات وجرائم إنسانية، ولهذا السبب تشكّلت محاكم جنائية دولية خاصة في البوسنة حكمت أخيراً بالسجن 40 عاماً على رئيس صرب البوسنة رادوفان كاراديتش بتهمة قتله لمسلمين بوسنيين في مذبحة سيربنيتشا سنة 1995، إضافةً إلى محكمتين أخريين، إحداهما لسيراليون انتهت أعمالها منذ سنتين، والأخرى لراواندا.

وتطوّرت المسألة لحين توقيع اتفاقية روما سنة 1998 التي تم بموجبها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي ترفضها الولايات المتحدة وإسرائيل وأغلب الدول العربية، وغيرها، وهكذا اجتمعوا بتناقضاتهم على أمر واحد... وهو الإفلات من العقاب.

إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"

العدد 4969 - الخميس 14 أبريل 2016م الموافق 07 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:29 ص

      لا يتحقق الأمن بلا عدالة حتى وإن بدا ظاهرياً ذلك

      الأمن والعدالة وجهان لعملة واحدة، فلا يتحقق الأمن بلا عدالة حتى وإن بدا ظاهرياً ذلك، بينما يتحقّق الأمن كلما كانت العدالة راسخةً متأصلةً في المجتمع. كذلك هو الأمن والحرية، فلا تناقض بينهما بل تكامل مؤكد.

اقرأ ايضاً