العدد 5021 - الأحد 05 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ

الآخُوند الجديد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الشهر الماضي اغتال الأميركيون زعيم حركة طالبان الأفغانية المعروف بالملا منصور. كان الملا أختر محمد منصور شاه محمد يعتبر أميراً للإمارة الإسلامية في أفغانستان في الوقت الذي يتزعّم فيه الحركة وفقاً لهيكلية عملها السيا/ديني. وهو أمر انطبق على سلفه الملا محمد عمر مجاهد، الذي تزعّم الحركة منذ نشأتها حتى وفاته سرّاً العام 2013م.

بعد أيام، أكَّدت الحركة اغتيال قائدها، مُعلِنة أنها عيَّنت المولوي هيبة الله أخُوند زاده زعيماً «جديداً» لها. وهو اسم لافت جدّاً. فالرجل، ليس من زعماء ولا قيادات المجلس العسكري في الحركة، بل هو يرأس الهيئة العلمائية فيها، بعد أن عَمِل ككبير قضاتها عندما كانت في السلطة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي ما يُشكِّل بُعداً جديداً في مسار الحركة، التي اعتاد على زعماتها «جنرالات الجهاد».

هنا، لن أكتب عن قضايا سياسية تخصّ طالبان، ولا عن عملها العسكري، بل سأكتب عن جانب آخر من شخصيتها الذي قد لا يظهر كثيراً، وهو المتعلق بصلة الحركة ببيئتها العرقية والإثنية، وكيف انعكست تلك البيئة على عمل طالبان، بما في ذلك العمل الديني والعسكري والإداري منذ النشأة وحتى في التجربة، وهي اليوم كعب أخيل يضع أمامها العراقيل والقيود.

وهي بالمناسبة تأثيرات لا تقتصر على طالبان وحدها كحركة بل على أغلب الجماعات السياسية والدينية في الشرق، التي تحيط بها أحزمة عرقية وطائفية بما فيها الجماعات العلمانية حتى.

دعونا نُشرِّح الألفاظ قليلاً. مَولَويّ تعني بالفارسية المولى. وحين يُقال رجل مولوي فمعناه عالِم كبير زاهد في الدنيا. وقد اشتُهِرَ جلال الدّين الرومي بهذا اللقب. أما لفظة آخُوند فهي تعني بالأساس مَنْ أجاد القراءة والكتابة، لكن هذه اللقب صار يُقرَن بكبار العلماء كعناية الله الوابكي البخاري الحنفي والآخُوند الخراساني وكذلك بمنازل العرفان التي تبدأ بـ: الملا ثم الآخُوند ثم الشيخ.

هذا الشرح الأوَّلي يفضي بنا إلى فهم اللسان «الطالباني». فهذه الحركة ينتمي سوادها الأعظم إلى العرقية البشتونية. وحين نريد أن نعرف لغة هذا العرق فإننا سنكتشف أن أصله ينتمي إلى اللغات الهند/ إيرانية أو الآرية في شقها الثاني الذي يضم الفارسية القديمة والأفستية والكردية والأسيتية وهي الجذر الصلب للغة البشتونية (في قبال السنسكريتية والبراكريتية وغيرها).

ولاتزال الكثير من الكلمات البشتونية متأثرة بالفارسية كمسمّيات الأيام وخلافها. لذلك كانت البيانات التي يُصدرها تنظيم القاعدة في أفغانستان تُتَرجَم إلى البشتونية والفارسية. فهاتان اللغتان هما الرسميتان في أفغانستان. لذلك، حتَّم هذا التجاور والجذر التاريخي لأن يختلط الدم والثقافة بينهما حتى مع تبلبل الألسن واختلافها، ما جعل الفصل بينها مشكلة ثقافية داخل بُنية الأعراق في ذلك البلد. هذا فيما خصّ الجانب الثقافي في الموضوع.

هناك أمر آخر يتعلق بالجانب القبلي. فالعرق البشتوني يهيمن على حركة طالبان بشكل مطلق. وهذا العِرق، وتحديداً بعد تعاظم قوتها في العام 1996 أصبح له وزن أكبر في أفغانستان بفعل نشوء نظام مصالح جديد جعل له ساقاً في السلطة وأخرى في المؤسستين الدينية والقبلية، وهو ما جعله يحظى بامتيازات أكبر دون غيره. بل إن هذه الفترة من حكم الحركة وحَّدت الكثير من الاتجاهات البشتونية بما فيها تلك التي كانت ناشطة خلال الحقبة الشيوعية (ما خلا تيار عبدرب الرسول سيّاف الذي تحالف مع رباني في البداية).

لذلك، رأينا عدداً من الضباط البشتون من الذين خدموا في الحكم السابق الذي كان قريباً من موسكو قد تقلدوا مناصب مهمّة في حكومة طالبان ومنهم حاجي ملا المساعد الميداني لوزير الدفاع في حكومة طالبان، وخان محمد (أو صاحب زادة صاحب) مساعد وزير الدفاع للشئون المالية والجنرال (أو الملا) نوروز مستشار الأمن القومي للحركة و(الملا) شكر الله الكزي مساعد وزير الدفاع لشئون الإعمار في حركة طالبان.

هذا الأمر خلق دولة غير ميثاقية لا تضم إليها الطاجيك ولا الهزارة ولا الأوزبك. وبذلك خرجت المناطق الشمالية والغربية ومناطق أخرى في أفغانستان عن سلطة الحركة، وباتت البلاد متشظية، على أثير بروز جنرالات من الأعراق الأخرى كأحمد شاه مسعود (الطاجيكي) وعبدالرشيد دوستم (الأوزبكي) وآخرين من الهزارة، ضمن ما عُرِفَ حينها بتحالف الشمال.

أمر آخر لعب دوراً أساسيّاً في عقلية هذه الحركة وهو ما واجه التأصيل الديني لها من قيود قبلية شديدة التأثير وعميقة في الوجدان الأفغاني بصورة عامة. فعلى سبيل المثال أصبحت حوادث رجم النساء خلال حكم الحركة حتى العام 2001 تتم وفق قوانين دينية لكن بدوافع قبلية والتي تقوم على عرف «الشياع» وليس على الشهود الأربعة، كما هو مقرّر في الشريعة الإسلامية.

أيضاً واجهت الحركة تحدياً في طريقة التعامل مع التأثيرات الصوفية في المجتمع الأفغاني عموماً والبشتوني خصوصاً. فانتشار القادرية والنقشبندية بين القبائل الأفغانية البشتونية كالدراني والغلزاي جعل الأمر في غاية التعقيد. فمن جهة تأخذ الآيديولوجية المتشددة مكانها في الحركة إلى جانب قواعد صوفية متجذرة لدى العديد منهم، ما جعل الحركة في صراع خفي بين أعضائها الذين ينتمي آباؤهم وإخوتهم إلى مشارب دينية عِدَّة.

في المحصلة، فإن مثل ذلك التشظي العرقي والإثني في أفغانستان ينعكس انعكاساً كبيراً على الأحزاب والتيارات الدينية هناك وليس على حركة طالبان وحدها، ويجعل لها امتدادات إلى خارج الحدود من باكستان إلى إيران طاجيكستان وأوزبكستان، وهو ما يُعقد المسألة أكثر وأكثر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5021 - الأحد 05 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً