العدد 5161 - الأحد 23 أكتوبر 2016م الموافق 22 محرم 1438هـ

تنقية السيرة الحسينية... ضرورة دينية وليست ترفاً فكرياً

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن غريباً أن تدخل الزيادات والمبالغات والتحريفات على السيرة الحسينية، مادامت قد دخلت من قبل على السيرة المحمدية، والأحاديث النبوية، حتى أنشأ المسلمون عدة علوم في التاريخ الإسلامي لغربلة الأحاديث وتصحيحها ومعرفة الأسانيد والرجال.

منذ بداية التاريخ الإسلامي، كانت هناك مدرستان: إحداهما تمنع، وأخرى كانت تهتم بالتدوين. وهو ما يفسّر تأخّر كتابة السيرة النبوية نفسها حتى مجيء ابن هشام، رحمه الله (توفي 218 هـ) التي رواها عن معلّمه ابن اسحاق (ت 151 هـ). أما تأريخ واقعة كربلاء فبدأ قبل نهاية القرن الهجري الأول، فـ«لم تشهد حادثة تاريخية اهتماماً مبكراً مكثفاً من قبل المؤرخين، كما شهدته فاجعة كربلاء الأليمة، حيث بدأ الرواة ينقلون الحادثة المروّعة إلى الملأ الإسلامي»، كما يقول الباحث سالم النويدري.

في مقال أمس، استعرضنا تقسيم الباحث لمراحل كتابة السيرة الحسينية، من «السرد الروائي» الذي اهتم بالإسناد (حتى القرن 10 الهجري)، فـ«المنحى العاطفي» الذي شهد توسعاً في الطرح الفجائعي والمبالغات والزيادات (حتى القرن 13 هـ)، واليوم نتكلّم عن مرحلة «النهج التوثيقي»، الذي بدأ في القرن 14 هـ/ الـ20 م، حيث شعر العلماء المحقّقون بضرورة تقديم السيرة وفق منهج توثيقي، يتجنب الروايات الضعيفة أو الموضوعة، والاعتماد على المصادر التاريخية المعتبرة. ويسرد النويدري أمثلةً على النهج الجديد، مثل كتاب «منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل» للمحقق القمّي (ت 1939)؛ و«المجالس السنِيَة في مناقب ومصائب العترة المحمدية» للسيد محسن الأمين (1951)، و«المجالس الفاخرة في مأتم العترة الطاهرة» للسيد عبدالحسين شرف الدين (1957)، و«مقتل الإمام الحسين» للسيد عبدالرزاق المقرم (1971).

إن وجود هذه الأسماء الأربعة الكبيرة في عالم التشيع، (مرجعان دينيان، ومحقّقان كبيران)، يدلّ على استشعار الخطر الفكري مع بدايات النهضة العربية، مطلع القرن العشرين، كما يستشعره المصلحون والمحبون في هذه الأيام. ولذلك أولوا السيرة اهتمامهم ولم يتركوها على ما هي عليه، حيث خصّصوا جزءًا كبيراً من وقتهم وجهودهم لتحريرها من الخرافات والمبالغات والروايات الضعيفة التي حرّفت وشوّهت تاريخ كربلاء.

ما يميّز هذا النهج الجديد، «توثيق الروايات والأخبار، وإرجاعها إلى مظانها بشكلٍ يسهل على الباحث التاريخي التحقق منها بأيسر سبيل». وذلك يضيف حجةً أخرى على خطباء المنبر الذين لا يتردّدون في سرد كلّ ما هب ودب من قصص وحكايات، وأحلام وخيالات، دون اكتراثٍ بما يؤديه ذلك من نفور الجمهور واستخفافهم بالمنبر نفسه وقضاياه، وخصوصاً الناشئة والجيل الشاب، الذي يريد أن يستمع لأحاديث تخاطب قلبه وتحترم عقله. ويشير النويدري إلى أمثلة متناثرة، مثل حكاية عرس القاسم التي يراها المقرّم مدسوسةً في منتخب الطريحي؛ وقصة نطح السيدة زينب (ع) جبينها بمقدم المحمل، التي يفنّدها القمّي لأنها لا توجد إلا في خبر مرسل عن مسلم الجصّاص؛ وما رفضه المحدّث النوري من حضور هاشم المرقال (الذي توفي في صفين عام 37 هـ) للدفاع عن الحسين في كربلاء (61 هـ)؛ وحكاية الطيور التي لطّخت أجنحتها بدم الحسين (ع) وطارت إلى المدينة لتخبر ابنته فاطمة الصغرى بقتله، التي رفضها الأمين.

إن محاولات تنقية وتصحيح السيرة لم تعد ترفاً فكرياً، ولا طلباً للمماحكات والمجادلات والصراعات الحزبية، بل ضرورة فكرية ودينية وثقافية، في عصر الاتصالات وثورة المعلومات. فما وصَلَنا عن كربلاء مرّ بعدة حقب وتحوّلات، وناله الكثير من الزيادات والتحريفات، والمستمع اليوم يريد أن يعرف من الخطباء ما جرى، دون زيادةٍ أو نقصان، ففيه كفايةٌ للمعتبرين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5161 - الأحد 23 أكتوبر 2016م الموافق 22 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 9:41 ص

      أصبت كبد الحقيقة!
      أحببنا أم كرهنا هناك حقيقة يدركها الصغير قبل الكبير أن الطابع الوجداني ومستوى علم الخطيب قد أخذ قضية كربلاء بعيدا عن أهدافها الحقيقة والتي منها عدم الركون على الظلم والانتصار لمبدأ خاتم الرسل (ص)، وهذا ما نفتقده كثير من المجالس "الحسينية" في تقديم صورة موضوعية معمقة تتناسب مع مستوى المتلقين وتحترم عقولهم، لذا نرى عزوف الكثير من الشباب والمثقفين من حضور مجالس ومسيرات التعزية لأنها لا ترتقي بمستوى صاحب النهضة أبا الشهداء (ع). ولذلك تراكمت المشكلة و أستشعرنا خطورة الحالة!

    • زائر 26 | 7:01 ص

      التوعية والتحذير تبعد القصص الخيالية والبدع

    • زائر 24 | 6:19 ص

      الحمد الله اننا رزقنا باعضم هدية فى الكون وهى مولاة اهل البيت عليهم السلام نسال الله حسن الخاتمة

    • زائر 28 زائر 24 | 10:57 ص

      واحنا نحمد الله على اتباع اهل البيت واصحاب رسول الله رضوان الله عليهم والله يثبتنا على الدين الصحيح

    • زائر 23 | 6:00 ص

      مقالة موفقة ياصديقي.. استمر
      وسام

    • زائر 20 | 4:37 ص

      شكرا للكاتب ونتمنا مواصلة هذا التحقيق يسمتر وتنوير العامة حتى لا يستغل الخطباء جهل الناس وسرد ما هب ودب فقط للتلاعب بمعواطفهم وحبهم الصادق للامام الحسين (ع). لا يمكن مخاطبة عقول اليوم بقصص كانت تسرد على اجدادنا . شكر للوسط

    • زائر 19 | 4:05 ص

      هل يقبل المراجع بتنقيح الأحاديث وفق السند فقط ؟

    • زائر 15 | 2:10 ص

      كربلاء يالها من كربلاء..هي ألامتحان الذي يمتحن به الناس..وقد سقطنا فيه بنسبة مائة بالمائة...

    • زائر 13 | 1:26 ص

      سيرة بن هشام المتوفي (218 ه )هي اختصار لسيرة بن اسحاق المتوفي( 151 ه ) فكيف يكون بن هشام هو من اول كتب في السيرة ؟؟؟ هناك من يريد ان يبعد الناس عن كتاب بن اسحاق بسبب مذهب الرجل .
      عمري 39 عاما واستمعت الوف المحاضرات ولم اسم اي خطيب ذكر بأن هاشم المرقال حضر كربلاء
      وزواج القاسم نقله السيد هاشم المعاصر لطريحي في كتاب مدينة المعاجز فمن المستبعد ان يكون مدسوس في الكتاب
      لاسف جميع محاولات التنقيح هي تكرار لما اورده المحدث الثوري في الؤلؤ والمرجان ولا يوجد اي جديد

    • زائر 18 زائر 13 | 3:29 ص

      لا وجود لكتاب بن اسحاق في المكتبات وليس له أثر. ربما كان هذا السبب وراء اعتبار سيرة ابن هشام اول كتاب سيرة كما قال السيد وكما أشار الاستاذ سالم النويدري في بحثه .

    • زائر 12 | 12:34 ص

      سيدنا، ننصحك بقراءة مقال عباس بن نخي في هذا المقام.
      و الله من وراء القصد.
      تحياتي

    • زائر 11 | 12:30 ص

      الكلام لأهل التخصص في هذا المجال عليهم ان يعوا حجم الخطر والمسؤولية الملقاة عليهم .
      نحتاج لباحثين متخصصين ومؤهلين كما نحتاج لتعاون بين الباحثين والخطباء واهل العلم

    • زائر 10 | 12:28 ص

      هناك مسؤولية كبرى على الحوزات العلمية التي يجب ان تخصّص جهودها لهذه المسألة وتفتح مجالات لدراسة السيرة وتنقيحها وان تقوم بالتركيز على تأهيل الخطباء بما يواكب القفزات الكبيرة في مجال المعرفة والتطوّر العلمي

    • زائر 9 | 12:26 ص

      تسلم ياسيد

      اعطيت الخطباء والرواديد وكل مهتم ومسؤول بهذا الشان خارطة طريق ونتمنى مواسم عاشوراء القادمة هادئه على كل المستويات فالحسين مصباح هدى وسفينة نجاة

    • زائر 8 | 11:49 م

      أمران مهمّان يجعلان من تنقية السيرة الحسينية ضرورة لأنه في الوقت الذي دوّنت هذه السيرة المباركة كان التدوين ضعيف جدا وكان خاضعا للدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية وهما دولتان كانتا تكنّان العداوة لآل بيت النبي . لذلك التنقيح والتصحيح ضرورة

    • زائر 6 | 11:13 م

      إذا إستلم عوام الناس قضية السبط الحسين مصيبة ففي كل سنة يأتون لنا ببدعة ويلصقونها شعيرة.

    • زائر 5 | 11:08 م

      كفت و وفيت سيد .. اظن كفاية ..فقد اتحفتنا على مدى اسبوع والله يعودنا معاكم .. ومن الجيد غلق هذا الموضوع والشروع في مواضيع اخرى متصله باوضاع وهموم الناس المعيشية . .. بارك الله فيكم.

    • زائر 14 زائر 5 | 1:49 ص

      دعه يتكلم يا أخي فالكل ساكت حتى الخطباء. ما أحد يتطرق لهذه المواضيع التي تهمنا وتهم ديننا. بقية الكتّاب والسيد نفسه يكتبون عن القضايا المعيشية اليومية الصغيرة طوال العام، ألا تستحق قضية الحسين بعض هذا الاهتمام لكم يوم؟

    • زائر 16 زائر 5 | 2:56 ص

      بالعكس هذا واجب عليه كصحفي ويمتلك قلم حر

      كلنا مسؤولين امام الله واذا انت الامر لا يعنيك هناك من يعنيهم وعليهم ترتيب الاوراق والتاريخ لا يرحم وقضيه الامام الحسين تستحق البذل والعطاء من كل النواحي .. ماجور استاذ والله يتقبل منكم ويعودكم

    • زائر 17 زائر 5 | 3:24 ص

      يا اخانا وعزيزنا المفروض تشجع السيد في مواصلة موضوعه

      هذا موضوع مهم جدا وكثير من العلماء الماضين خاضوا فيه ولكن الى الآن لم تصل الرسالة الى اصحابها فهم يعيدون ويكررون محفوظاتهم وتراثهم القديم على مسامع الشباب دون اكتراث بتصحيح الاخطاء ، فالرويات المحققة والممحصة والثابتة تاريخيا ، والامانة العلمية تحتم عليهم بالقراءة والتصحيح من جديد ورمي القديم الغير محقق في المزبلة ، ثانيا ما عادت الناس تقرأ الكتب والمجلدات فخط السيد المحترم عموده في الجريدة الغراء يمكن يسمع الصوت ويوصل الرسالة الى مضانها وهذا ما يراد .

    • زائر 4 | 11:01 م

      تجار الدين والحروب والتفرقة هم سبب تخلف الفكر الديني المعتدل والمشكلة ايضا في انسياق الرعاع الأعمى

اقرأ ايضاً