العدد 5166 - الجمعة 28 أكتوبر 2016م الموافق 27 محرم 1438هـ

التوعية والثقافة السياحية

حابس السماوي

قسم الإعلام والسياحة والفنون بجامعة البحرين

حابس السماوي

حابس السماوي - قسم الإعلام والسياحة والفنون بجامعة البحرين 

لقد شهدت السنوات الماضية مداً سياحياً متزايداً صاحبه زيادة في الدخل السياحي واستثمارات سياحية كبيرة وفرص عمل وفيرة، وأصبحنا نشعر أن السياحة تلازم حياتنا. ولكن حتى تستمر هذه السياحة بالتطور نفسه يجب أن يكون هناك ثقافة، ووعي سياحي يوازي ثقافة السائح، إذ نلاحظ أحياناً أن السائح يلم بمعلومات عن البلد أكثر من المواطن نفسه، وإذا ما تنامى هذا الشعور فسيولد فينا عقدة النقص.

إن طبيعة العملية السياحية لايزال يكتفنها بعض الغموض في العالم العربي، وخصوصاً في دول الخليج العربي، فالبعض ينظر للسياحة على أنها خروج عن المألوف، وأنها ليست سوى عملية لهو وتسلية ومجون، مما أثر بالتالي على تقبل المجتمعات العربية للعمل في مجال السياحة، حيث نلاحظ أن نسبة المشتغلين في قطاع السياحة من السكان المحليين في مملكة البحرين لا يتعدى 22 في المئة، في حين أن العمالة الوافدة تشكل نحو 78 في المئة، مع أن دولة مثل البحرين تعاني من مشكلة البطالة، معنى هذا أن هناك عزوفاً عن العمل في مجال السياحة، ليست في البحرين فحسب، وإنما في معظم الدول العربية.

إن دوافع السياحة عديدة ومتنوعة؛ نذكر منها الدوافع الدينية والاستجمامية والثقافية والعلاجية والدراسية والرياضية والتسوق وحضور المؤتمرات والمعارض والمهرجانات، ولن نقوم بتبرئة السياحة من بعض التهم الموجهة إليها، ولكن لن يستطيع أحد أن ينكر دور السياحة الرائد في تبادل الثقافات وتوزيع الدخل والاستثمارات، ففي العام 2015 جاب العالم أكثر من 1185 مليون سائح أنفقوا نحو 1500 مليار دولار، على رغم الظروف والأحداث السياسية والعسكرية التي تنتاب العالم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.

يحتاج العالم العربي إلى حملات توعوية عن أهمية ودور السياحة، فلاتزال مساهمة الوطن العربي في الحركة السياحية العالمية متواضعة لا تتعدى 3 في المئة فقط، علماً بأن العالم العربي يزخر بالثروات الحضارية والتراثية والطبيعية التي يمكن له أن يستفيد جداً من تزايد أعداد السياح القادمين. فرنسا لوحدها العام 2015 زارها نحو 86 مليون سائح وهو ما يوازي 8 في المئة من الحركة السياحية العالمية، مقابل ذلك كسبت نحو 65 مليار دولار.

إن عدم نجاح السياحة في كثير من الدول العربية يعود لأسباب كثيرة، نذكر منها التوعية الاجتماعية حيال تطور السياحة، فهناك معتقدات اجتماعية وحضارية ودينية تحول دون تطور السياحة في بعض المجتمعات، علماً بأن هناك دراسات ومقولات تحث مجتمعنا العربي على تطور السياحة يأتي في مقدمتها القول المأثور للخليفة علي بن أبي طالب في السفر وأهميته، حيث ظهرت في إحدى قصائده:

تغرب عن الأوطان في طلب العلى

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرج هم واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد

إن الوعي السياحي ينبع من داخل الإنسان، فكلما ارتفع المستوى الثقافي والعلمي لديه وزادت تجاربه وخبراته في السفر، ازداد وعيه السياحي وإدراكه لواجباته وحقوقه، فالسبيل الوحيد لرفع الوعي السياحي هو بالعلم والثقافة.

إن المشكلة لا تكمن فقط بوعي الإنسان العربي بماهية السياحة وإنما بجهله وتقصيره بأهمية المكنوزات التاريخية والحضارية، إن الوطن العربي هو وطن الأنبياء ومهد الديانات السماوية ومنشأ الحضارات المهمة في التاريخ، ولكن إلى أية درجة يعلم المواطن العربي بقيمة وأهمية هذا التراث بالنسبة للسياحة. إن الشعوب الأوروبية أصبحت بفضل دراسات مستشرقيها واقفة بصورة مهمة على طبيعة بلادنا الجغرافية والحضارية، حتى أنه يصعب علينا القيام بأية دراسة علمية عن بلادنا من دون أن نستعين بما أنتجته البلاد الأجنبية من أبحاث ودراسات مختلفة. لقد انعكس ذلك على سياح تلك الدول، فهم مزودون بمعلومات وأبحاث تحمل أدق التفاصيل عن بلادنا.

يلاحظ أن غالبية الشعوب العربية يجهلون تاريخ وآثار وجغرافية بلدانهم، ولكي نتعرف على هذا الواقع، يجب أن نسأل ماذا يقرأ المواطن العربي؟ وما هي المؤلفات التي يميل إلى مطالعتها الرجل المثقف وسيدة البيت والطالب؟ إن زيارة لإحدى المكتبات في مدينة المنامة تظهر ميول ورغبات السكان من الكتب العامة، إنك لن تجد واحداً يسأل عن حضارة دلمون، أو عن التراكمات الحضارية المتعاقبة على البحرين، أو عن خريطة توضح توزيع المواقع السياحية في البحرين وكيفية الوصول إليها. ولكن إن صادفت سائحاً في المكتبة ستجده يسأل عن متحف البحرين الوطني، أو عن قلعة عراد، أو معبد باربار.

إن هذا الوضع لا يقتصر فقط على شعب البحرين، وإنما على عامة الشعوب العربية الأخرى، فقراءة التاريخ وزيارة المواقع الأثرية نادرة، بل هناك عزوف عن قراءة كتب التاريخ والآثار. وعلى سبيل المثال توجد في البحرين جمعية للتاريخ والآثار، وهي جمعية نشطة تعقد محاضرات عامة عن واقع حياة البحرين على مدار العام، ولكن المفاجأة أن عدد الحضور لا يتناسب مطلقاً مع حجم الأنشطة.

لقد تعودنا أن نعتبر الاستشراق من خصائص المجتمعات الغربية، ووقفنا عند هذا الحد، فالمستشرق بنظرنا هو رجل غريب عن بلادنا، فولد فينا نوعاً من الاتكالية العلمية والثقافية، وهي تحد من تطورنا العلمي والثقافي، بينما نعيش مرحلة تفرض علينا أن نكون نحن المستشرقين الذين يكرسون حياتهم لدراسة هذه البلاد. إن عدة اعتبارات تحملنا هذا الواجب، فهناك أولاً اعتبارات قومية، إذ إن البلاد التي يجب الاهتمام بها هي بلادنا، وعندما نترك أمر دراستها إلى أجانب نجعلها وحيدة أمام أبحاث تشوهها النعرات الاستعمارية والعنصرية والدينية.

وهنالك ثانياً اعتبارات عاطفية، فنحن أجدر بالوطن ودراسته ومعرفة واقعه، إن حب الوطن لا يتأتى بالتغني والتباهي به، وإنما من خلال معرفة كنوزه التاريخية ومواقعه الجغرافية والأثرية. إن الوطنية التي لا تنزل إلى أعماق مصير هذه البلاد تكون حتماً سطحية ومزيفة، وكما يقول الحكيم الروماني شيشرون قبل نحو ألفي عام: «من لا يقرأ تاريخ بلاده يبقى جاهلاً إلى الأبد». اعرف بلدك فحبك لها يصبح كاملاً وعميقاً، هنالك ثلاث اعتبارات علمية يجب البوح بها، فكوننا أبناء هذا البلد، ونتكلم لغته، ونعرف عادات وتقاليد شعوبه، يخولنا حتماً القيام بالاستشراق ونشر المعرفة، والمشاركة في بناء الحضارة العالمية.

رابعاً وأخيراً توجد اعتبارات سياحية، فالسياحة هي المحك الذي يفسح المجال أمام المقارنة بين الشعوب، فالمعلومات السياحية التي يتمتع بها سكان البلد هي التي ستثبت إذا ما كنا على مستوى هذا اللقاء أم لا.

إنها لحظة رهيبة تلك التي تضعنا أمام سائح أجنبي يعرف عنا خيراً مما نعرف، نحن نعيش في عالم أصبح المستوى الثقافي هو المقياس الأساس لمعرفة إمكانات الشعوب وتقييم حضاراتهم. متى سيتغير مفهومنا عن السياحة من أنها نزوة في حياة المرء أو ترفيه وبذخ، إلى ثقافة وحضارة؟ من يراقب بعض المسابقات الثقافية التي تجري بوسائل الإعلام المختلفة، يصاب بخيبة الأمل لتدني المستوى الثقافي لدى المواطن العربي.

إن السياحة الراهنة تطرح مشكلة أساسية بالنسبة لنهضتنا الحديثة، وتستطيع السياحة أن تنهض بمكانتنا الحضارية والعلمية والاجتماعية والبيئية، إذا ما تعاملنا معها على أنها أداة لسمو الثقافة والحضارة.

إن تزايد ثقافتنا بالمكنوزات التراثية ستجعلنا نخاطب السائح كما يلي: «لن تكون مرشدي أيها السائح، بل أنا الذي سيرشدك عندما تريد أن تتجول في بلادي، إن القرن التاسع عشر قد مضى عندما كان مستشرقوك يحتكرون معرفة بلادي، العالم يمشي إلى الأمام وبخطى سريعة، إن الشعوب التي كانت محكومة لسياستك وتسلطك قد تحررت منها ومن كتبك وعلمائك. أنا سأشرح لك عظمة تاريخنا وروعة آثارنا، أنا سأبين لك جمال بوادينا وسهولنا وشواطئنا، إني سأعرفك بحضارات مدهشة ازدهرت في بلادنا، إن بلاداً عرفت التجارة القديمة واستوطنتها حضارات عريقة قبل آلاف السنين، ليست بحاجة لمن يساعدها على فهم تاريخها وحضاراتها».

هذه هي اللغة التي ينتظرها مستقبلنا السياحي، والتي يجب أن نخاطب بها السائح، فهل ذلك اليوم ببعيد؟

إقرأ أيضا لـ "حابس السماوي"

العدد 5166 - الجمعة 28 أكتوبر 2016م الموافق 27 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً