العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ

إعادة تخيل المؤسسة وتجديد «دورة الوجود»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مفهوم «دورة الحياة»، أو «دورة الوجود» Life Cycle تم التطرق إليه كثيراً وفي مختلف المجالات. فالإنسان يولد صغيراً، ثم يصبح صبياً ثم شاباً ثم يكبر وبعدها يُتَوَفَّى. الحال أيضاً بالنسبة للحضارات والأمم، فهي تنشأ وتكبر، وتتوسع وتنضج، ومن ثم تهبط وتتلاشى، فهي لها آجالٌ محددة.

فلقد أوضح عبدالرحمن ابن خلدون (1332 - 1406م) نظريته للتعاقب الدوري للدول التي كانت تنشأ على مبدأ العصبية، ورأى أنّ هذا التعاقب لا يعدو أعمار ثلاثة أجيال، والجيل الثالث يعبر عن انتهاء دورة الملك والرئاسة. أما أرنولد جوزيف توينبي (1889 - 1975)، فقد تحدث عن صعود وسقوط الحضارات ضمن تكرار لأنماط في التاريخ. فالحضارة تنطلق بنجاح لأنّها تتمكن من التصدي لتحديات تشمل الجوانب الأخلاقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن ثم تتوسع، وبعد ذلك تدخل في زمن مملوء بالمشاكل، وهذه تؤدي إلى انهيار وتفكك.

مثل هذه الفكرة المرتبطة بدورة الوجود، تبدو قاتمة نوعاً ما، لأنها تتحدث عن حتمية الانهيار... ولكن يمكن أيضاً الاستفادة من ذلك عبر فهم مسببات الهبوط وبالتالي تأخير حدوث الهبوط، أو إعادة الحيوية ضمن دورة جديدة تبدأ من حيث ما انتهت إليه الدورة التي سبقتها.

بالنسبة لمؤسسات الأعمال، فإنّ دورة الوجود تمر بخمس مراحل: التأسيس، التشغيل، النمو، التوسع، النضوج. ففي المرحلة الأولى، يسعى المؤسسون إلى توضيح رؤية المؤسسة وتقييم مدى جدواها. وفي هذا الجانب، تبرز الحاجة إلى الاستشارة وقياس ردود الفعل للفكرة التأسيسية، ومدى استعداد السوق لوجود لاعب جديد، مرورا بطريقة تمويل المرحلة التأسيسية.

ثم تأتي مرحلة التشغيل بعد استطلاع المفهوم بدقة، علماً بأنّ الأخطاء التي قد ترتكب في هذه المرحلة تؤثر بشكل مباشر وكبير على مدى سنوات التشغيل اللاحقة. واثناء مرحلة التشغيل، تسعى المؤسسة للتكيف مع البيئة على ارض الواقع.

في المرحلة الثالثة تتمكن المؤسسة من توليد دخل ثابت وتتشكل لديها قاعدة من الزبائن. وفي هذه المرحلة تزداد أهمية الحفاظ على التدفقات النقدية لتغطية النفقات الجارية المتكررة، والسعي لتحقيق الأرباح المجزية. التحدي الأكبر لأصحاب الأعمال والمدراء في هذه المرحلة هو تنظيم الوقت والأولويات لتحقيق زيادة ملحوظة في مستويات الإيرادات، وخدمة الزبائن، والتعامل مع المنافسين، وضمان بقاء الموظفين المؤهلين بالمهارات الحرجة المطلوبة لتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات الخاصة بالمؤسسة.

في المرحلة الرابعة، تسعى المؤسسة نحو التوسع، وذلك بعد أنْ تستشعر القوة، وقد تتوسع أكثر مما تتحمل طاقتها نتيجة للتعهدات التي تلتزم بها أمام الآخرين. وقد لا تصيب المؤسسة في احتساب متطلبات التخطيط لمعالجة مخاطر التوسع نسبة إلى الموارد الخاصة بالمؤسسة والبيئة المحيطة بها.

في المرحلة الخامسة تصل المؤسسة إلى مرحلة النضج في دورة الأعمال، وتستقر الأرباح السنوية عند مستوى محدد، وفي هذه الحال يواجه القائمون على المؤسسة الخروج من السوق، أو خيار إعادة الحيوية إلى المؤسسة لتحقيق مزيد من التوسع أو التنوع. وفي هذه الحال، فإن المؤسسة ستحتاج إلى التأكد من قدرتها على دعم المزيد من النمو، وفيما إذا كان هناك ما يكفي من فرص في السوق لإفساح المجال لمثل هذا التوسع، وهل هناك احتياطات مالية لتغطية أية خسائر محتملة فيما لم تنجح خطة التوسع.

غير أنّنا نعيش في عالم يوصف بأنّه عصر اضطراب، ودورة الوجود معرضة للاضطراب والتعثر والانكسار بسرعة. وفي كتابه الذي صدر العام 2003، بعنوان «Re-Imagine! Business Excellence in a Disruptive Age»، تحدث المفكر الإداري توم بيترز عن أهمية «إعادة تخيل» طبيعة عمل المؤسسة، والاستيقاظ على حقائق تفرض نفسها على الجميع. وفي هذا الجانب، ينبغي لأصحاب الأعمال والمدراء استكشاف سبل جذرية للتغلب على أساليب وقيم وأنماط إدارية تقليدية قد يكون عفا عليها الزمن. فالمؤسسة التقليدية كانت تنمو وتستمر في النمو إلى مرحلة النضج، أمّا في عصرنا الحالي المليء بالمتغيرات، فإنّ دورة الوجود قد لا تأخذ مجراها التقليدي، وبالتالي فإنّ هناك حاجة للتفكير بصورة غير تقليدية.

ويطرح بيترز أهمية إعادة تخيل عمل المؤسسة، وذلك لكي لا تصبح ضحية للانهيار أمام المتغيرات، ويشير إلى أنّ خدمة الزبائن لا يلبيها إلا المتحمسون والموهوبون، وأنّ ذلك يتطلب تقديم خبرات وخدمات فريدة من اجل تحويل الأعمال التقليدية إلى مشاريع مدهشة في الأداء... وذلك لا يتحصل إلا عبر «إعادة تخيل» Re-Imagine طريقة عمل المؤسسة استناداً إلى التسهيلات التقنية، والتفكير بطريقة مختلفة، وإدارة عملية التغيير المستمرة مع الالتزام بالذوق والارتكاز على الإبداع، وتأكيد أهمية تنويع الموارد البشرية وتمكين دور المرأة التي يمكنها أنْ تلعب دوراً استثنائياً في الجوانب الإبداعية. والهدف من كل ذلك هو عدم الاستسلام لدورة الوجود التقليدية في عصر متغير ومضطرب تقنياً واقتصادياً وسياسياً، وذلك عبر إعادة تخيل عمل المؤسسة بما يعيد إطلاق الطاقات نحو النجاح.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:04 م

      ماذا عن الدول و انظمة... ؟ هل يمكن مقارنتها بالمؤسسات التجارية؟

    • زائر 2 زائر 1 | 1:07 ص

      هذا ما يقصده الدكتور عزيزي أنظمة الحكم التقليدية لا تدوم إلا اذا طرأ عليها إصلاح حقيقي وشامل يقتلع الفساد من جذوره .

اقرأ ايضاً