العدد 5192 - الأربعاء 23 نوفمبر 2016م الموافق 23 صفر 1438هـ

الصين والنظام الدولي المرتقب... بين الفلسفة الصينية والفلسفة الغربية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يثور نقاش معظمه في الدوائر الغربية بشأن مستقبل السياسة الخارجية للصين، ودورها في النظام الدولي المرتقب.

ومن واقع الخبرة والحوار مع كثير من الخبراء الصينيين، غير المتأثرين بالفكر الغربي، فإن منطق التفكير والرؤية والأهداف مختلفة تماماً. فالصين في قرارة ذاتها ترفض منطق التجربة الأوروبية أو الأميركية في الصعود على ركائز استغلال الدول الأخرى، فالنهضة الأوروبية ارتبطت بالاستعمار، ومن ثم استغلال الدول الصغيرة والضعيفة والنامية وعلى التبشير بالمسيحية، والنهضة الأميركية اعتمدت على نفس الركيزتين مع بعض الاختلاف. فالاستغلال الأميركي كان لدول أميركا اللاتينية والتبشير لم يكن بالمسيحية؛ بل بالديمقراطية وحقوق الإنسان، أما النهضة الصينية فقامت على أساس ركائز مختلفة، وهي الاعتماد على الذات ثم الانفتاح على الخارج (التصدير والحصول على التكنولوجيا) التعاون مع الآخر على أساس الكسب المتبادل، للحصول على الموارد والمواد الخام والأسواق .

ثم هناك زاوية تطور العلاقات الدولية بمفهوم القوة الصاعدة، وانطلاقها للخارج سواء كانت إسبانيا أو البرتغال أو هولندا وبريطانيا وفرنسا بالسيطرة على الخارج، وعلى البحار مع استغلال الدول الخاضعة لها، ثم جاءت التجربة الألمانية التي أدت لقيام الحربين العالمييتين من خلال الصراع على أوروبا وعلى مستعمرات الدولة العثمانية، ومن هنا تقسيم سايكس بيكو القديم العام 1916، والآن تشهد المنطقة دمارا يمكن وصفه من حيث الأطراف وحجم الدمار بالحرب العالمية الثالثة، من أجل إعادة رسم خريطة المنطقة بقيادة لافروف-كيري .

أما صعود الصين فقد جاء بمنطق حضارتها، والتي تختلف عن روسيا وأميركا والدول الغربية، وهي الإشعاع الحضاري لدول الجوار، الانطلاق في التعاون الاقتصادي بالتجارة (تصدير واستيراد للسلع والتكنولوجيا للعالم الخارجي)، والسعي لبناء لنظام دولي يقوم على الركائز التالية :

1 - التعايش السلمي بقبول اختلاف النظم.

2 - تعدد الأقطاب بمفهوم الشراكة.

3 - الكسب المشترك في ضوء نتائج التنمية والتعاون.

4 - وحدة الأراضي الصينية التاريخية.

5 - الدعوة للتناغم والتعاون بين القوي المختلفة من أجل تحقيق السلام والتنمية.

مع اختلاف مفهوم تعدد الأقطاب الصيني عن نظيره الروسي أو الغربي، التعدد الصيني يعني التواجد، وليس الصراع، كما يعني التعاون وليس السيطرة والهيمنة، حتى أن الصين أعطت مفهوماً جديداً لفكرة الهيمنة، استناداً لفلسفة المتناقضات الصينية، وهي وجود هيمنة سيئة وهيمنة حميدة، وهذه مصطلحات غير قائمة في الفلسفة الغربية.

إذ بينما قدم الفكر الأميركي مبدأ التدخل الإنساني والمسئولية عن الحماية، فان مثل هذه المبادئ مرفوضة في الفكر الصيني، ومن هنا لا تتدخل الصين لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وتتعاون مع النظم الديمقراطية أو الديكتاتورية على حد سواء، وترفض مفهوم تغيير النظم في الدول الأخرى، هذا هو المبدأ الصيني التقليدي والقائم بعد ثورة الإصلاح والانفتاح، وهذا يختلف عن سلوك الصين في عقد الخمسينات، وحتى منتصف السبعينات، أي منذ الوصول للسلطة حتى انتهاء الثورة الثقافية ووفاة ماوتسي تونج، حيث كانت تأثير الفكر الشيوعي الماركسي اللينيني الماوي أكثر في العمل السياسي الصيني بالخارج، وهذا الفكر هو دخيل على التراث الصيني القديم، والذي عاد إليه فكر دنج سياوبنج في الإصلاح والانفتاح .

عندما طرح شي جين بينج نظرية العمل المشترك مع أميركا G2 في أول لقاء له مع أوباما وجد صدوداً من أوباما؛ لأن الأخير يعمل في إطار الفكر الغربي للهيمنة، وليس الشراكة، بينما الصين تعمل في إطار الشراكة وليس السيطرة، ويقصد بالشراكة في المنطق الصيني من أجل الازدهار المشترك والتنمية المشتركة. وبعض الصينيين المتأثرين بالفكر الغربي والذين يطلق عليهم مستغربين أو متأمركين يفكرون من منظور غربي؛ ولكن تأثرهم مازال محدودا بالنسبة للسياسة، ومؤثرا بالنسبة للاقتصاد، وهذا الاختلاف الفكري يرتبط بالفلسفة الصينية العريقة بترك الساحة لتصارع الأفكار، دون أن يعني الأخذ بواحدة منها فقط.

وهو ما كان في عصر كونفوشيوس وغيره من فلاسفة الحضارة الصينية، وقد أدخل عليه ماوتسي تونج مفهوم دور الفلاحين، وحرب العصابات ونظرية المتناقضات الحميدة والخبيثة، وأسلوب التعامل معها بحيث يتغير أحدهما نحو الآخر. وهذه كلها فلسفة صينية ولا تنتمي للحضارة الغربية/ الأوروبية ذات الجذور الإغريقية الرومانية، ولا حتى لحضارات الشرق الأوسط الاستبدادية في صورتها الكسراوية الفارسية أو الفرعونية، وغيرها من حضارات المنطقة، والكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد» عبر عن ذلك بوضوح.

بينما العقيدة الصينية تقوم على أساس التعددية، وهي هنا تتشارك مع العقيدة الهندوسية والبوذية مع اختلاف في التفاصيل، ومن ثم لا عجب أن نجد الحضارتين الصينية والهندية تفاعلتا عبر التاريخ، وجرى بينهما احتكاك على مناطق النفوذ الإقليمية، ومن هنا بروز منطقة الهند الصينية، ولكن أيا منهما في حضارتها العريقة لم تتحول لقوة استعمارية خارج نطاقها المحلي والإقليمي، وهذا مازال مؤثراً في سياسة الدولتين، فالهند تغزو العالم بالسكان الذين يقيمون ويتأقلمون ويسيطرون دون ارتباط سياسي مع البلد الأم؛ ولكن ارتباط روحي أو سيكولوجي، وبعبارة أخري ارتباط حضاري. كذلك الصينيون وهذا على النقيض من الفلسفة اليابانية التي اختلفت ووقعت تحت تأثير الفكر الغربي؛ ولذا سعت لاستعمار آسيا وخرجت عن نطاق جزرها. وربما أحد التفسيرات لذلك كونها جزرا صغيرة، ومواردها محدودة، بخلاف الحضارتين الصينية والهندية العملاقة في الفكر وفي المساحة وفي السكان. أما اليابان فقد حققت الانفتاح الفكري، وخاصة في الفكر العسكري على الفكر الغربي خلال القرن التاسع عشر بحروبها مع روسيا القيصرية، وبغزو أميركا لها وعلاقاتها الأوروبية. ومن هنا شاركت ألمانيا وإيطاليا في دول المحور في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وينبغي أن نستذكر هنا أن أكبر مفكرين على مستوى العالم كانا من الصين القديمة، قبل حضارة الإغريق، هما كونفوشيوس فيلسوف ومعلم قبل أرسطو، والثاني سون تزو كمفكر إستراتيجي عسكري صيني في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد ومازال فكرهما حتى الآن له تأثيره.

ما أريد التأكيد عليه هنا هو عدم صحة وصدقية تطبيق النظريات والفلسفة الأوروبية على سلوك الصين أو الهند، وهذا لا يمنع من التأثير والتأثر؛ ولكن التطبيق أو النقل الآلي الكامل أمر مستبعد في ظل المعطيات الراهنة، وربما على مدى 50 عاماً قادمةً.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 5192 - الأربعاء 23 نوفمبر 2016م الموافق 23 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً