العدد 5254 - الثلثاء 24 يناير 2017م الموافق 26 ربيع الثاني 1438هـ

القفز على الإعاقة

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أم محمود، هي امرأة عربية زوجة للاجئ عربي أيضاً، لاجئان إلى برلين منذ أن بدأت حياتهما الزوجية، شاءت الأقدار أن يأتي طفلها الثاني، والولد الوحيد في العائلة التي تضم أيضاً ثلاث أخوات، بمشكلة صحية في القلب جعلته يبقى تحت العناية المكثفة في المستشفى شهوراً بعد ولادته، ثم بدأت حالته تتحسن وأصبح يتغذى بالأنبوب عن طريق الأنف.

شعرت أم محمود لشدة شغفها بطفلها الصغير، أن بإمكانها أن تتعلم كيف تثبت ذلك الأنبوب، وشيئاً فشيئاً استغنت عن الممرضات ونجحت في ذلك فعلاً تحت أعين الممرضات، ثم طلبت من المستشفى السماح لها بأخذ وليدها إلى المنزل مادام بإمكانها تقديم الرعاية نفسها هناك. وافقت إدارة المستشفى وفوجئت أم محمود بأنها بقرارها رعاية ولدها في المنزل ستتحول إلى موظفة حكومية، ذلك لأن مسئولية رعاية الولد المعاق هي مسئولية الدولة أو هي مسئولية المجتمع الذي أوكل للحكومة مهمة بالقيام بهذا الدور عنه.

لم يكن هذا كل شيء، فلأن الخلل الذي يعاني منه محمود هو خلل سيتواصل معه مدى الحياة، وأنه سيحتاج رعاية دائمة من والدته، فقد عرفت أم محمود فيما بعد أنها ستحصل على الراتب حتى تصل سن التقاعد، ثم سيكون لها راتب تقاعدي. كما حصلت على شكر شفهي من إدارة المستشفى لأنها بتطوعها بالعناية بطفلها في البيت، قد أسدت للمستشفى معروفاً، إذ أخلت لهم سريراً، وتبرعت بوقت الممرضات المخصص لطفلها، كحق لمواطن ألماني ولد بخلل مزمن في التكوين الجسدي، لآخرين.

عندما التقيت محمود كان في الرابعة عشرة، بدا لي محظوظاً بالرعاية الدقيقة والمتابعة التي كان يتلقاها بانتظام منذ ولادته من مختلف الجهات التي تتابع العائلة معها حالته. بدا محمود مراهقاً طبيعيّاً وسعيداً بجرأته في الحديث والمشاركة في كل أنشطة العائلة، وكذلك بدت عائلته التي تعيش في شقة في حي متواضع يبدو غالبية سكانه من المهاجرين.

لم يكن محمود طفلاً معاقاً عند ولادته؛ لكنه صنّف من ذوي الاحتياجات الخاصة وتحملت الحكومة مسئولية تلبية هذه الاحتياجات، وكانت الرعاية التي يحصل عليها محمود كفيله بمساواته بمن في عمره ممن يتمتعون بتمام الصحة الجسدية. وكان والده يتحدث عن تكاليف باهظة هي قيمة الخدمات الصحية التي يحتاجها محمود؛ لكنها تمر عليه للعلم فقط.

ليس كل ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمثلون 15 في المئة من سكان العالم بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، محظوظين كما هو محمود وغيره من يعيشون في مجتمعات تعتبر الإعاقة، تحدياً لابد من تجاوزه ليحظى أبناؤها بفرص متساوية للحياة والمشاركة المنتجة.

محلياً، وعلى رغم أن البحرين تعتبر من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة منذ 2007، إلى أنه لايزال الكثيرون يعانون بصمت من عجزهم عن تقديم ما يتمنون للتعامل مع إعاقات أبنائهم، بسبب عدم توافر الخدمات الصحية والتعليمية وحتى الترفيهية العامة المتخصصة، فإلى جانب مراكز التأهيل العامة تلبي احتياجات قوائم انتظار على خدماتها، فغالبية المراكز يتوجب دفع رسوم لقبول الطلاب فيها. ومع ذلك إحدى الأمهات الميسورات ذكرت أنها عانت معاناة شديدة للحصول على مقعد لابنها المصاب بدرجة متوسطة في أحد مراكز رعاية المصابين بالتوحد، وهي من المساهمات في موازنة هذا المركز. وهي تعاني الآن بعد أن استكمل سنوات الدراسة من فشل محاولات إدماجه في المجتمع. الكثيرون لا يمكنهم تسجيل أبنائهم في المراكز المتوافرة بسبب الرسوم العالية التي تتجاوز المبلغ المخصص من وزارة التنمية الاجتماعية وقيمته 100 دينار.

المعاقون ليسوا حالة نادرة في المجتمعات. فبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية يصل عدد المعاقين محلياً إلى نحو 100 ألف شخص يعانون بدرجات مختلفة من شكل من أشكال الإعاقة. هؤلاء لا يمكن رهن حقوقهم الإنسانية أولاً وحقوقهم كأشخاص ولدوا باحتياجات خاصة بكرم المجتمع وتكرم المؤسسات بوضع مساعدتهم كبند على المساهمات المجتمعية. فهم ليس أفراداً معروضين للشفقة؛ وإنما هم نسبة من المجتمع تستحق أن تفخر الجهات المعنية بتقديم كامل الرعاية بالجودة العالمية كما تفعل في برامج تعليم ورعاية الآخرين، فعدم منحهم الرعاية اللازمة لا يحرمهم فقط من فرص الحياة اللائقة بهم؛ وإنما قد يحرم المجتمع أيضاً من مساهمتهم التي هدرت بسبب عدم وجود نظام الرعاية الصحية والتعليم الذي يساعدهم على اظهار مواهبهم وقدراتهم المتوارية خلف إعاقتهم.

المقارنة مع المعاقين المتميزين عالمياً ستكون موجعة، فهم يرون في الوصول للرعاية الصحية أكبر العوامل الذي ساعدهم على تجاوز إعاقتهم، وكذلك توفّر الخدمات المعيشية الخاصة. وهذا ما قاله عالم الفيزياء، ستيفن هوكينغ، واعتبر أن هذه الظروف أوصلته للنجاح في الفيزياء؛ لكنه يشعر بالأسى من كل من يصعب عليهم الحصول لمثل تلك الرعاية، منبهاً الحكومات، في كلمة خص بها مقدمة أحد تقارير منظمة الصحة العالمية، بأن استمرار تجاهل الملايين من ذوي الاعاقة وحرمانهم من خدمات الصحة والتعليم والتأهيل اللائقة، فإنهم بذلك يحرمونهم من فرصتهم للإنتاج والتألق.

يستخدم البعض في الدول الأجنبية وصف الأقل حظاً (less fortunate) عند الإشارة إلى الأشخاص من ذوي الإعاقة؛ لكن في المجتمعات التي تتجاهل حقوق المعاق تصبح قلة الحظ ليس لأن الإنسان ولد معاقاً، وإنما لأنه ولد في هذه المجتمعات.

في عرض لبرنامج تيد توك الشهير، كانت الفلسطينية ميسون زايد التي تسبب خطأ طبي، عند ولادتها في ولاية نيوجيرسي الأميركية، في اصابتها بشلل دماغي جزئي تتحدث كإنسانة طبيعية بل وناجحة ومشهورة. لم تتحدث عن اعاقتها كلعنة أصيبت بها وإنما قالت لجمهورها :»إنني لست هنا لأثير الشفقة، لأنني أعرف أن الكثير منكم تمنى يوماً أن يكون معاقاً بسبب المزايا التي تتوافر للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة». ساعدت الرعاية التي حصلت عليها ميسون في التعامل مع وضعها؛ بل القفز عليه لتصل إلى التنافس مع الأصحاء جسدياً والتفوق. عندما سألها مذيع «البي بي سي» عن ثلاثة أشياء تتمنى التخلص منها، لم تكن الإعاقة واحدة من هذه الأشياء الثلاثة، وقالت: على غير توقع من يرى في الإعاقة الهم الأكبر: «الفواتير والبامية والأخبار غير المهمة التي يتداولها الناس والإعلام».

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 5254 - الثلثاء 24 يناير 2017م الموافق 26 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 1:55 م

      احسنت استاذتي العزيزه بعرض الموضوع والاشاره الى حال ذوي الاعاقه في الدول الاخرى وكيف يجدون الرعايه المناسبه بينما في بلدنا الغالي نرى ذوي الاعاقه مهمشين وعوائلهم تعاني من الصعوبات بصمت ونفتقد لمراكز تأهيل مناسبه وتجد عوائلهم تفكر بكيف يرتبون احوال ابنائهم لو توفي الوالدين وعدم توافر دار ايواء او اشخاص يعتنون بهم وكيف يوفرون المبالغ الطائله لرعايتهم والتي تستنزف موارد الاسره
      نتمى ونتمنى وبين كل الامنيات ماذا يتحقق لصالح المعاق وماهي النسبه؟؟؟

    • زائر 11 | 11:34 ص

      للاسف الدول الغير مسلمة عندها رحمه واهتمام افضل منا وإحنا دول مسلمة والمفروض عندنا الاسلام دين الرحمة والتكافل.وإحنا أولياء الأمور إلى الحين نطالب بتفعيل قانون ساعتين الرعاية إلى اولادنا حتى نستطيع أن نرعاهم ويتم تأهيلهم للانخراط في المجتمع في المستقبل ولاسف ما من مجيب.

    • زائر 10 | 11:17 ص

      رعاية ذوي الاحتياجات غير متوفره لكل الحالات وخصوصا ساعتي الرعايه ونحن نناشد الجهات المختصه بالاسراع في عمل التدابير الميسره لهذه الاسر

    • زائر 9 | 11:14 ص

      المعاق يحتاج لولدين يرعيانه والوالدين يحتاجون للعمل لتوفير احتياجات المعاق الخاصه والوطن حرم اامعاق من ساعتين الرعايه والوالدين من العمل...المعاق ابن الوطن قبل ان يكون ابن لوالديه

    • زائر 8 | 11:02 ص

      مبارك قلمك سيدتي .. مبارك كل قلم انسكب حبره لمصلحة الانسانية .. منذ أن انجبت صغيري.. بذلت جهود اكثر من طاقتي ليصل إلى ما وصل اليه اليوم .. سجلته في المدرسة الحكومية بصف الدمج .. وشعرت ان كل ما تعلمه هو ما علمته اياه .. مع العلم أن صغيري يحب التعلم ونبيه بالنسبة لأقرانه .. اعاقته بسيطة .. لهذا اتألم كثيرا كونه لم يتطور كثيرا خلال سنتين امضاها في المدرسة .. ولكون علاوة المعاق بسيطة لا استطيع تسجيله بأي مركز او معهد يناسب حالته ويزيد ادراكه .. أليس من حقه أن يحصل على فرصة ليقفز على اعاقته؟

    • زائر 7 | 11:00 ص

      تقدم او تخلف الدول يقاس بحالة ذوي الاحتياجات الخاصة
      حالتنا حالة
      لا تعليم
      لا علاج عدل
      ولا حتى ساعتين عناية
      ولا حتى بيت وغرفة مستقلة ليهم يعيشون حياتهم على راحتهم

    • زائر 6 | 10:57 ص

      آخخخ يا قلبي
      والله قلبي عورني على حالنا وحال اولادنا في هالديرة

    • زائر 5 | 7:23 ص

      الرعاية الأساسية للمعاقين غير متوفرة ..قانون ساعتي رعاية معطل وحين يتحدث سعادة الوزير عنه فإنه يرى أن القانون سيكون عائقا للتوظيف والانتاج ..لا نريد راتب من الدولة لرعاية ابنائنا وكل ما طلبناه هو مساعدتنا في تخفيف ضغط العمل للقيام بالمهمة الاهم وهي رعاية ابنائنا المعاقين
      اتمنى من كل قلبي ان يصل هذا المقال للوزير المعني بحقوق ذوي الاعاقة

    • زائر 4 | 4:22 ص

      شكرا عزيزتي على هذا الطرح و اتمنى من الجميع الالتفات لمثل هذه الفئة فهي مظلومة في كل شئ لا تحظى بشئ من اهتمام المجتمع المحيط و لا الحكومة فالأم هنا هي الوحيدة المسئولة عن ابنها أو ابنتها فلا مؤسسات حكومية و لا خاصة ترعاه و تراعي احتياجاته الخاصة لا و محسودين على مبلغ الإعانة الذي لا يكاد يسد ربع احتياجاته (مع اني لا استلمهابسبب الإجراءات الطويلة لاستلامها) ...يجب توفير رعاية اجتماعية و رياضية و مادية لهم فهم جزء من هذا الوطن .

    • زائر 3 | 3:53 ص

      بلغت ابنتي السن الخامسة عشر وهي في مركز (..) وفي هذا المركز يتخرج كل من وصل الخامسة عشر وخاصة عندما يكون تطوره ضعيف وبسيط ليتسنى للأطفال الذين على قائمة الانتظار من الالتحاق بالمركز .... دق جرس الانذار ... لا توجد مؤسسات تهتم بهذه الفئة و تلبي حاجاتها أين نذهب بأولادنا وبناتنا ؟ مع ان مركز (..) عندهم التخطيط والمكان فقط يحتاجون الى الدعم حتى يبصر هذا المشروع النور ..بحت الأصوات وجفت الاقلام ونحن نناشد كأولياء أمور الدعم لهذا المركز حتى لا نحتار بأولادنا أين نذهب بهم .. الا من مجيب

    • زائر 2 | 3:03 ص

      لفته رائعة استاذة هناء، لقد شعرت ان مقالك اسكتني وشعرت كم نحن مجتمعات متخلفة في ربط كل فئات مجتمعنا بعضهم ببعض. ام عطاء

    • زائر 1 | 10:35 م

      جميل جدا أستاذة هناء، شكرا جزيلا.
      مؤسسات المعوقين في بلداننا تشكو الفساد كبقية المؤسسات والإعلام يصورها فردوسا يجعل الأصحاء يتمنون الإعاقة ليدخلوا ذلك الفردوس.

اقرأ ايضاً