العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ

الشعبوية تيار الغرب القادم

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ما إن بدأت حملة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب حتى أصبح مفهوما لدى الساسة أن الشعبوية الاميركية قادمة وبقوة. وتأكدت بعد خطاب تنصيبه الذي ركز على رؤيته «أميركا أولاً»، والتي ستحكم جميع قرارات بلاده من اعتلائه سدة الرئاسة فصاعدا. فقد وعد بتعزيز التحالفات ضد ما سماه الإرهاب الإسلامي المتطرف، اذ قال: «سنزيله تماما من على وجه الأرض». كما انه تعهد «بإنجاز المهمة»، وهي في نظره تكمن في استعادة السلطة من البيروقراطيين في واشنطن وإعادتها إلى الشعب، وذلك عندما وجه خطابه الى الشعب قائلا: «سننقل السلطة من واشنطن العاصمة وسنعيدها إلى الشعب... إليكم أنتم»، فهل الشعبوية صناعة أميركية ام هي تيار جارف؟

الشعبوية كما جرى تعريفها بأنها إيديولوجية او فلسفة سياسية تستخدم لكسب تأييد الجماهير لتعطيهم مزيدا من الصدقية والشرعية، وهي قائمة على الخطاب الشعبوي الذي لا يعتمد على الافكار بقدر ما هو إثارة العواطف والحماس والتمازج مع ما هو سائد في عقلية الجماهير، وذلك باستحضار التاريخ كأرث قومي يؤدي لمزيد من الاندفاعية. الشعبوية هي ثورة على الموازين القائمة، فالشعبويون يرون ان حكم النخبة لم يؤد الا الى مزيد الاحتكار في القرار واتساع الفجوة بين الحكم والقاعدة، بينما الشعبوية هي العفوية وهي المتحررة من قيود التنظيم البيروقراطي.

ترجع نشأت الشعبوية الى سبعينيات القرن التاسع عشر، وشرارتها بدأت من روسيا القيصرية عام 1870، حين قامت حركة اشتراكية لتحرير الفلاحين من العبودية، وتلتها حركات تمرد في الريف الأميركي ضد المصارف وشركات السكك الحديدية. لكن ما الذي ساعد على ظهور الشعبوية في العالم الغربي مرة أخرى؟ هناك أسباب عدة كانت وراء الدافع نحو التقوقع الى الذات الغربية أبرزها كانت النزعة القومية والدفاع عن الهوية الوطنية الضائعة، والعولمة، والهجرة واللجوء، وسياسات التقشف المالي التي تُضعف الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية، وشرعنة حقوق الإنسان التي يراها الاوروبيون والاميركيون انها سمحت للآخرين الفارين من جحيم بلادهم بتقاسم أرزاقهم.

لم تكن الشعبوية والتي هي سياسية التعصب والجنوح نحو رفض الآخر، محسوبة على قطاعات شعبية بل تعدتها الى أحزاب سياسية لها برامج وجمهور يتكئ عليها، ومن الأمثلة على ذلك حزب الاستقلال البريطاني، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي، وحزب البديل الألماني، وحزب بوديموس الإسباني، وحزب الحرية النمساوي، وحركة «النجوم الخمس» الإيطالية.

إن خطاب ترامب الخطير هو مرآة لما تريده الإرادة الأميركية من رفض التنوع في المجتمع الاميركي، ورسم صورة شرّيرة عن اللاجئين، لذا وقع ترامب أمرا تنفيذيا يعلّق برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة لمدة 4 أشهر، ويوقف قبول اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة حتى إشعار آخر، وربط الركود الاقتصادي الذي تعاني من الولايات بالمهاجرين وسرقة وظائف الاميركيين، والتركيز على أن الإرهاب مصدره المسلمون الذين يجب محاربتهم، إذ اصدر قرارا يمنع فيه إعطاء تأشيرات لبعض الدول الإسلامية وهي (اليمن، ليبيا، العراق، إيران، سورية، الصومال، السودان)، معللا إن الخطوات ستساعد في حماية الأميركيين من الهجمات الإرهابية.

أوروبا ايضا لم تكن بعيدة عن ذلك، فالتيارات الشعبوية هناك لها مواقف مماثلة تجاه قضية الهجرة والمهاجرين، وما كان الدفع بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا انهم كانوا يأملون في وقف الهجرة يوما من الأيام.

الشعبوية هي العودة الى الوراء الى القرون الوسطى، بل هي التمني الى خلق واقع ما يعرف بالنقاء العرقي، هي محاربة الهجرة ونبذ الاقليات، ورفض الفارين من جحيم الحروب والنزعات الاهلية، هي ليست واحة للتسامح بقدر ما هي سياسة الابتزاز والعنصرية واللعب بالنار.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:06 ص

      الشعوبية في الغرب يقابلها هنا عندنا تيار الاسلام السياسي (الشيعي و السني) لا فرق بينهما أبداً فكلهم متطرفين و يعتقدون انهم أفضل من بقية خلق الله

اقرأ ايضاً