العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ

الأمراض النفسية والحالة العامة

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

لا توجد إحصائيات ودراسات نوعية عن الحالة النفسية العامة في البحرين. أقصد لا توجد إحصائيات وأبحاث عن طبيعة الأمراض والاضطرابات النفسية، ومدى انتشارها في المجتمع البحريني. والموجود من الإحصائيات والدراسات لا يفي بالغرض، ولا يعطي إجابة شافية عن واقع حال هذه الأمراض.

ومع عدم توافر البيانات على الصعيد المجتمعي، فإن المتابع لتقلبات المجتمع في البحرين يلاحظ أن الحالة النفسية (على غرار الحالة السياسية والاقتصادية) ليست على ما يرام وتتجلى هذه الحالة في مظاهر أمراض نفسية وعقلية تصيب الأفراد، لكنها في الوقت نفسه تعبر عن أزمة نفسية اجتماعية عامة (أي أزمة مجتمع) طالما أن الأفراد والجماعات يدخلون مع بعضهم بعضا في علاقات اجتماعية متعددة المستويات، وهذه العلاقات بطبيعة الحال تظل رهينة لحالة الأفراد ومدى صحتهم النفسية أو سقمهم من جهة، وحالة المجتمع النفسية العامة سلباً أو إيجاباً من جهة أخرى. والعلاقة بين حالة الأفراد النفسية، وحالة المجتمع النفسية علاقة جدلية، ولا يمكن التحقق منها بشكل آلي.

فعلى صعيد علم النفس الاجتماعي، وهو العلم الذي يدرس الحالة النفسية في ضوء العلاقة بالمجتمع يؤكد هذا العلم أن حالة الأفراد تزداد صحة باطراد مع الصحة العامة للمجتمع. فكلما كان المجتمع بعيداً عن الأزمات ومستقراً من الناحية السياسية والاقتصادية، والصراع المجتمعي في أدنى درجاته كانت الحالة النفسية العامة والخاصة للأفراد أكثر صحة وفي أعلى درجاتها، والمجتمع أقل تعرضاً للأزمات النفسية.

وفيما يتعلق ببلدنا / البحرين تشير الحالة العامة إلى أن الأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية والعقلية على الصعيد الفردي في ازدياد. هذا الازدياد بقدر ما يعكس حال الأفراد والأمراض النفسية الفردية، فإنه يعكس في الوقت ذاته أزمة مجتمعية عميقة عامة ومزمنة تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة.

من حيث المبدأ، إن البيئة المجتمعية السعيدة والمتزنة والخالية من الأزمات العامة كالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية من شأنها أن تهيئ الظروف المناسبة لتنشئة نفسية متوازنة للأفراد من قبل الأسرة تجاه أفرادها، ومن قبل المجتمع تجاه أفراده ومكوناته.

وفي هذا الشأن لا نبالغ عندما نقول إن المجتمع البحريني أبعد ما يكون عن الصحة النفسية سواء على صعيد الفرد أو على صعيد الجماعة، وذلك بسبب عمق الأزمة السياسية وما يترتب عليها من نتائج نفسية سلبية بطبيعة الحال تمس الأفراد والجماعات.

إن الاستقرار السياسي القائم على أسس ديمقراطية لأي بلد من شأنه أن يخلق وضعاً نفسياً عاماً ومريحاً للأفراد والجماعات، يتناغم والوضع العام بحيث نكون في مثل هذا الوضع أمام حالة تآلف بين الحالة النفسية العامة والحالة السياسية العامة، وكل منهما تدعم الأخرى وبشكل سوي، وبشكل تزداد فيه الصحة النفسية العامة طردياً كلما ازداد الوضع السياسي استقراراً، والعكس صحيح كذلك. بمعنى كلما ازداد الوضع السياسي تدهوراً ازداد الوضع النفسي سوءاً على الصعيد الفردي والجمعي، بحيث نصبح أمام مجتمع مأزوم على أكثر من صعيد.

وعندما نربط بين الوضع السياسي العام والصحة النفسية للأفراد والجماعات، وانخفاض أو ازدياد الأمراض النفسية، فلأن العامل السياسي هو الثابت والمقرر في مثل هذه الحال، أما العامل النفسي فهو تابع ومتأثر بشكل كبير بالوضع العام، وهو وضع تقرر فيه الممارسة السياسية أكثر من أي شيء آخر.

أخيراً في حالة علاج الأمراض النفسية، لا يكفي أن أعرف الأسباب الفردية لأولئك المرضى، بل وهذا هو الأهم أن أعرف الأسباب العامة الاجتماعية والسياسية التي جعلت من ظهور تلك الامراض النفسية أمراً ممكناً لا بل قائماً.

وهنا نصبح مطالبين بنوعين من الحلول للأمراض النفسية: الأول تنفيذ مجموعة من الحلول العامة تنقذ المجتمع من وضعه المأزوم أصلاً، وهذا بذاته قادر على خلق حالة نفسية عامة وسوية. والثاني: تنفيذ حلول تقنية ومهنية لمعالجة الأمراض النفسية على الصعيد الفردي، مع التمييز بين الأسباب الذاتية أي التي تعود للأفراد أنفسهم، والأسباب الموضوعية التي تعود لطريقة إدارة المجتمع من الناحية السياسية، ومعرفة تأثيرات تلك الطريقة في نفوس الأفراد والجماعات. وفي كل الاحوال تبقى للسياسة اليد الطولى في صحة، أو مرض المجتمع، فهي العامل المقرر في كل الأحوال، ليس في الوضع النفسي فقط؛ بل في كل الأوضاع التي يعيشها المجتمع.

لذلك لا نجانب الصواب عندما نؤكد أن البحرين بوضعها النفسي القائم بحاجة إلى حلول سياسية لتستقيم الحالة العامة بمختلف أوجهها، ومنها الوجه النفسي بطبيعة الأمور.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:20 ص

      مربط الفرس :
      إن الاستقرار السياسي القائم على أسس ديمقراطية لأي بلد من شأنه أن يخلق وضعاً نفسياً عاماً ومريحاً للأفراد والجماعات، يتناغم والوضع العام بحيث نكون في مثل هذا الوضع أمام حالة تآلف بين الحالة النفسية العامة والحالة السياسية العامة .

    • زائر 1 | 11:04 م

      ما شاء الله ، كلامك عين العقل ، ووصفتك للعلاج النفسي صائبة ويعطيك الله العافية .

اقرأ ايضاً