العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ

وجهة نظر مستقلة في الدستور العراقي المؤقت

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

ربما الامتياز الوحيد الدي ميز الدستور العراقي المؤقت عن بقية الدساتير العربية الصورية، الجو الديمقراطي والحرية التي سادت مناقشات صوغ الدستور العراقي المؤقت، والحماس والروح العالية التي اقر فيها الدستور في جو ديمقراطي صافٍ وشفافية صادقة. قد ينتقد البعض البيئة التي ظهر فيها هذا الدستور باعتبار انه انجز في ظل ظروف غير عادية لكون العراق يرزح تحت نيران الاحتلال الاجنبي، ما لا شك فيه ان دستورا ديمقراطيا يضمن حقوق الغالبية والتعددية العرقية والطائفية السياسية لم يشهد العالم العربي طوال تاريخة العربية مثيلا له، ليس هذا فحسب بل ان الدستور على رغم كونه دستورا لم يصوت عليه شعبيا بالاقتراع المباشر، وانتقاد المرجع الديني السيدالسيستاني والسيد مقتدى الصدر وهما من اهم زعماء الشيعة له، الا انه كان واقعيا بكل معنى الكلمة ولم يرغب القياديون الشيعة تعطيل مسيرة الحرية في العراق. صحيح ان الاحتلال حاول دس الوقيعة بين السنة من جهة والاكراد من جهة اخرى والشيعة من جهة ثالثة، باعتماد فقرة تتيح لثلاث محافظات التصويت على الغاء الدستور.

الا انه يجب ان نفهم ان هذا الدستور وضع في ظل الاحتلال الاجنبي وانه اقصى ما يمكن تحقيقه في فن الممكن. لكن هل نعتبر هذا الدستور نصرا للشعب العراقي؟ في رأيي نعم لان الشعب العراقي يجب ان يفاخر امام العرب بديمقراطية دستوره. اما المقارنين بين الوضع في السياسي في العراق بأفغانستان فهم مخطئون، يجب ألا ننسى ان افغانستان كانت في غفوة حضارية وفكرية لم تصحُ منها الا في الفترة الاخير، وكانت قابعة تحت حكم ظلامي متزمت مقيت، وليس من السهل تغيير عقلية الافغان الذين يعانون من الجهل والفقر والجوع.

من ناحية اخرى فان تسليم السلطات الى العراقيين واضطلاع العراقيين بمهمات أمنية أكبر يعيد الثقة الى العراقيين مستقبلهم السياسي الحر والمنفتح الذي كان مقفلا تماما ابان فترة حكم صدام حسين الدكتاتوري، ربما لن يغادر الاميركيون العراق بحلول 30 يونيو/ حزيران المقبل وهو موعد تسليم السلطة للعراقيين، لكنهم حتما سيتراجعون إلى ثكنات أكثر أمنا تاركين للعراقيين المهمات الخطيرة بعد تورطهم سياسيا وعسكريا في مستنقع العراق الذي ليس من السهل الخروج منه بأقل الخسائر. والاهم من ذلك ان انسحاب الاميركيين من مطار بغداد ليتسلم العراقيون ادارته يعتبر نجاحا للمقاومة السلمية للشعب العراقي الذي حقق النصر بتماسك مواقف ابناء شعبه الوطنية، صحيح ان الاميركيين لن يتركوا أمنهم في أيدي العراقيين، لكن العراقيين سيضطلعون بالمهمات الخطيرة مثل حراسة المطار والمنطقة المحيطة به، في حين تنسحب القوات الاميركية الى مناطق أكثر أمنا لحماية أرواحهم.

هذا الوضع سيتكرر في الكثير من المناطق الأخرى في العراق مثل السدود الواقعة على نهر الفرات وقاعدة الحبانية الجوية التي تتخذ الوحدة 82 المحمولة جوا منها قاعدة لها. الاميركيون لن يغادروا العراق وهو ما يعرفه العراقيون. الاتفاق على الدستور المؤقت لا شك انه نصر مؤقت للعراقيين لحين اجراء انتخابات عامة حرة وبالاقتراع المباشر. وهذا أول نجاح سياسي حقيقي لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق، كما أنه نصر مهم للعراقيين لأنه ينطوي على روح نادرة من التنازلات في منطقة لا تقبل فيها العملية السياسية حلول الوسط كما أنها دائما ما تكون عملية دموية. كما أن الاتفاق محاولة من الشيعة والسنة والأكراد لتبني نظاما يضمن حقوق الاقليات وتماسك الوحدة الوطنية ويضمن حقوق الغالبية على رغم تفجيرات كربلاء وبغداد المأسوية لشق الوطنية وتفجير حرب اهلية بين الشيعة والسنة. إلا أن الدستور والقانون لا يعنيان الكثير من دون اقرار الأمن وسنرى كيف يستطيع العراقي النصر على الارهاب؟ إن الأمن ضروري لمنع الارهابيين من تحويل العراق الى لبنان آخر، في عصر الحرب الأهلية، أو اجبار السنة والشيعة والأكراد على الانعزال الطائفي.

القادة العرب من الشيخ زايد حتى ملك المغرب اعتبروا، الموافقة على الدستور المؤقت في العراق الشقيق انجازا للشعب العراقي، ونجاحا كبيرا في اتجاه تحقيق الاستقرار وإعادة البناء الشامل في العراق. اقرار قانون ادارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية يمثل تطورا ايجابيا باتجاه اعادة بناء المؤسسات العراقية وتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية في العراق، اعضاء مجلس الحكم أظهروا درجة عالية من الشعور بالمسئولية الوطنية بتمكنهم من التغلب على العقبات والصعوبات التي اعترضت طريق اقرار الدستور المؤقت، خصوصا الاعضاء الشيعة مؤكدين أهمية اعطاء الاولوية على الدوام لكل ما فيه خير العراق ومصلحة شعبه. إذا الدستور العراقي خطوة تجاه استكمال النظام الديمقراطي وتتويجه بالانتخابات المقبلة.

كاتب بحريني

العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً