العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ

السوريون ينهضون في مواجهة حوادث القامشلي وتداعياتها

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

كيف تعامل السوريون مع حوادث القامشلي وتداعياتها؟ سؤال يطرحه الحدث الذي هز سورية في الايام القليلة الماضية، ليس بسبب طابعه المأسوي، وما تسبب به من قتل وجرح لعدد من السوريين واعمال تخريب وتدمير أصابت منشآت عامة واملاكا خاصة، بل بسبب طبيعة الحدث في تأثيراته على اللحمة الوطنية للسوريين في ظل ظروف وشروط محلية واقليمية، تضفي على الحوادث طابعا حساسا وخطرا نتيجة ما يحيط بسورية وشعبها من اخطار وتحديات.

وطبقا للوقائع، فان صدامات جرت بين الاكراد ومواطنيهم السوريين من العرب، واخرى جرت مع اجهزة الامن، التي تدخلت لحفظ النظام والامن، وكان من تداعيات هذه الحوادث، تنظيم اعتصامات ومسيرات في عدة مدن وقرى سورية، كان بينها ماجرى في الحسكة وحلب ودمشق، وترافقت بعض التحركات مع اعمال تخريب على نحو ما حدث في دمشق والحسكة، وعدا ما وقع من قتلى وجرحى، فقد اعتقل مئات الاشخاص في اطار محاولة الاجهزة الامنية السيطرة على الاوضاع القائمة.

وإذا كان الجوهري في تحرك السلطات السورية لجوئها الى اجراءات الردع الامني، فقد توازى مع هذه الاجراءات المحلية الطابع، قيام السلطات في دمشق بتشكيل لجنة، ضمت مسئولين كبار في السلطة السياسية مع بعض قادة الاجهزة الامنية، هدفها حصار تداعيات الحوادث، والتحقيق في مجرياتها، وهو امر يمهد لمحاسبة المسئولين عن الحوادث، طبقا لما اعلنت عنه المصادر الرسمية في دمشق.

واذا كانت اجراءات السلطات، تعكس مخاوفها من الحوادث وتداعياتها الخطيرة، فان المجتمع السوري هو الآخر اظهر مخاوفه من الحوادث واحتمالات تطورها، وظهر ذلك واضحا في القلق الذي ساد اوساطا سورية واسعة، بما فيها تلك الاوساط البعيدة عن مناطق الحوادث، ولعل التعبير الابرز عن مخاوف المجتمع، تلك الحركة النشطة، التي باشرتها جماعات سياسية ومنظمات المجتمع المدني السورية بالدعوة الى التهدئة، وعزل المتطرفين الذين حاولوا استغلال الحوادث ودفعها للتصعيد، وفي تأكيد ضرورة اجراء تحقيقات نزيهة وجدية بشأن ما جرى، وايقاع العقوبات بالمتسببين، وبهذا المعنى صدرت بيانات من منظمات حقوق الانسان ولجان احياء المجتمع المدني وهيئات ثقافية، الى جانب بيانات احزاب المعارضة السياسية والاحزاب الكردية في سورية. وقد شارك عدد من هذه الجماعات في اصدار «نداء عاجل» عند اندلاع الحوادث، قالت فيه «ندعو كل الغيارى على وحدة الوطن ومستقبله المبادرة إلى خلق صلات واتصالات عاجلة مع جميع الأطراف بغرض ضبط النفس ووقف العنف فورا مؤكدين أن الحل الديمقراطي هو المدخل الوحيد والآمن لمواجهة معضلاتنا». وطالب بـ «تشكيل لجنة تحقيق وطنية عامة تحظى بقبول جميع الأطراف من اجل تقصي حقيقة ما جرى وتحديد المسئولين ومحاسبتهم»، في اعتبارها «خطوة لا غنى عنها» لـ «علاج الصدع الذي حدث في بنيتنا الوطنية».

وبروحية مماثلة اصدرت مجموعة من المثقفين السوريين العرب والاكراد بيانهم «الى الرأي العام» بشأن الحوادث وتداعياتها، أكدوا فيه، ان «سورية ليست عراقا ثانيا، ولا ينبغي أن تكون»، وان «واجب الديمقراطيين والوطنيين السوريين، عربا وأكرادا وغيرهم، كما واجب السلطات السورية، المركزية والمحلية، هو قبل كل شيء حقن دماء السوريين وصون كراماتهم جميعا»، وخلص البيان إلى القول «إننا نحث مواطنينا والنخب السياسية والثقافية جميعا أن يرتفعوا إلى مستوى مسئولياتهم الوطنية، ويرفضوا الانجرار وراء المهيجين والغوغائيين. ونطالب السلطات، أن تضع حدا فوريا لأعمال العنف دون تعد على حياة المواطنين وكرامتهم، وأن تجري بعد ذلك تحقيقا نزيها في أسباب المأساة، وتعمل على علاجها، وتعاقب بحزم من تلوثت أيديهم بالدماء، أو الاعتداء على المال العام».

ولم تقتصر ردة الفعل السورية على الداخل، بل امتدت الى اوساط السوريين في الخارج، حيث ظهرت المخاوف، ودعوات التهدئة ومحاسبة الضالعين بالحوادث، ودعابيان اصدرته «جماعة الإخوان المسلمين» من لندن «إلى أخذ الدروس والعبر من هذه الفاجعة، لتكون جسرا للعبور إلى فضاءات اللقاء والحوار والوحدة الوطنية»، وطالب البيان «الأطراف الوطنية، بموقف عقلاني مسئول، يقدم مصلحة الوطن العليا، ويضع حدا للتداعيات السلبية التي ستنعكس آثارها المدمرة على الجميع»، و«تشكيل لجنة تحقيق محايدة ونزيهة، تشارك فيها مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان، ولجان إحياء المجتمع المدني، وشخصيات وطنية موثوقة، لتحديد المسئول عن سفك الدماء البريئة، والأخذ على أيدي الفئة التي استباحت دماء المواطنين، وأهدرت كرامتهم، حتى لا يذهب دم أي مواطن بعد اليوم هدرا».

ولم يقتصر دور المجتمع السوري وقواه السياسية والمدنية على اصدار بيانات التهدئة ودعوة السلطات للقيام بدورها بصورة جدية وفاعلة في اطار تبدلات اصلاحية في طبيعة النظام السياسي وعلاقاته مع المواطنين بكل مكوناتهم، بل خطت في اتجاهات عملية، كان اولها عقد لقاءات بين ممثلي الجماعات السياسية والاهلية والمدنية من عرب وأكراد من اجل حصار الحوادث والوصول الى التهدئة وهو امر تكرر في الحسكة ودمشق والرقة وغيرها، والخط العملي الثاني، كان التوجه الى القيادة السورية من جانب لجان احياء المجتمع المدني وجمعية حقوق الانسان والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم خمسا من احزاب المعارضة السورية، وفتح بوابة حوار معها بشأن الخطوات المطلوبة في اطار معالجة تداعيات حوادث القامشلي، وقد التقى وفد يمثل هذه الجماعات رئيس مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي محمد سعيد بخيتان، ووصف حسن عبدالعظيم الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي في سورية المبادرة، انها «وجدت ترحيبا من القيادة السورية»، والخط العملي الثالث توجه وفد من جماعات المعارضة السياسية والهيئات المدنية الى القامشلي للاطلاع على مجريات الامور ميدانيا والتشارو بشأنها مع القيادات المحلية هناك.

حوادث القامشلي وتداعياتها، ليست حدثا سوريا داخليا، كما يبدو، بل هي امتداد في بعض جوانبها لما يجري في العراق وخصوصا في توجه الاكراد العراقيين هناك نحو بلورة كيان كردي مستقل، وهي في جانب آخر منها ذات صلة بالحملة الأميركية على سورية، ولعل ابرز تعبيرات هذين المعنيين لحوادث القامشلي قيام بعض المتطرفين برفع شعارات تؤيد القيادات الكردية العراقية من مسعود برزاني وجلال طالباني، وأخرى تهتف للرئيس الأميركي جورج بوش، وكلها ساهمت في تعزيز المخاوف السورية مما حدث، ودفعت السوريين في السلطة والمعارضة وجماعات المجتمع المدني، العرب والأكراد وغيرهم للعمل على التهدئة ومعالجة ما حصل، وان يكن كل من موقعه وبطريقته

العدد 558 - الثلثاء 16 مارس 2004م الموافق 24 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً