العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ

أزمة الهيئتين والمساس بحقوق المتقاعدين!

سلمان صالح تقي comments [at] alwasatnews.com

.

«اربط صبعك كلمن ينعت لك دوا»، هذا المثل المعروف أراه أكثر ما يعبر عن الحال التي وصلت اليها أزمة هيئتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، فقد ربطت لجنة التحقيق البرلمانية اصبع الهيئتين فتراكمت وتزاحمت الوصفات لعلاجهما!

ووسط الحلول المتطايرة والمتكاثرة برزت مقترحات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب! إذ إنها أخذت الاتجاه المعاكس لمصلحة المواطنين، وان تطبيقها سيؤدي الى الغاء الكثير من الحقوق والامتيازات التقاعدية التي لا علاقة لها بما تعانيه الهيئتان من خسائر، بل أنها تعتبر من محاسن النظام التقاعدي لا من مساوئه. وكان من المفروض أن تأتي المقترحات بزيادة تلك الحقوق لا بانتقاصها! فقد نقل عن لجنة التحقيق أنها أثناء قيامها بالتدقيق في الحسابات اكتشفت الغاء خمسين ألف دينار متبقية من حساب استبدال معاش موظف حكومي انتقل الى رحمة الله، وهنا برزت الفكرة الجهنمية لاصلاح هذا الوضع (غير الخاطئ أصلا) بأن استشاط البعض غضبا ولم يجدوا حلا لهذه «الكارثة» سوى مطالبة هيئة التقاعد بعدم الغاء المتبقي من القروض التي يتوفى أصحابها، وإلزام ورثتهم بسدادها (مع العلم أن معظم المتبقي سيكون الفوائد الفاحشة التي تأخذها الهيئة على أصل القرض المستبدل)!

بالله عليكم هل هذا الحل يتضمن شيئا من الانصاف أو الرحمة؟! كيف يتم تعميم هذا القرار القاسي على جميع المقترضين فقط لأن اللجنة اكتشفت الغاء خمسين ألف دينار من حساب استبدال معاش أحد المتوفين؟! ما ذنب الآخرين وما ذنب ورثتهم لنسلبهم حقوقهم؟! هل يعلم مقدمو هذا المقترح مدى أثره السيئ في نفوس المتقاعدين وورثتهم من بعدهم؟! وخصوصا أن ما يتركه الموظف الحكومي لا يكاد يسد رمقا. هل يعلمون أن هناك مدخرات كبيرة لموظفين يتوفون من دون أن يكون لهم وريث يستحق المعاش (بحسب نظام التقاعد) فتعود كل مدخراتهم لموازنة الهيئة من دون أن يصرف لورثتهم أي معاش، ومن دون اعتبار لما دفعه الموظف المتوفى من اشتراكات تم اقتطاعها من مرتباته طوال حياته؟! ألم تصل الى علم مقدمي الاقتراح معلومات عن قيام المصارف الوطنية بالغاء المتبقي من قروضها عند وفاة المواطن، وهذا ليس تكرما منها أو تبذيرا غير محسوب بل لأنها تستردها كاملة مع أرباحها الربوية من شركات التأمين، فهل ستكون تلك المصارف أرحم منهم على المواطنين؟!

أما المقترح الآخر والأكثر ظلما للمتقاعدين فهو السعي لإلغاء العلاوة السنوية عنهم من دون أن يؤخذ في الاعتبار التزايد المطرد في نفقات المعيشة والسكن، ولو ألغيت هذه العلاوة فهل ستحل المشكلة أم ستزيد من غضب المتقاعدين الذين تضرروا من تبديد جزء كبير من أموالهم فجاء من يقترح مضاعفة خسائرهم في الهيئة، فهل هذا معقول ومقبول؟!

والأسوأ من ذلك والأكثر اجحافا المناداة باحتساب المعاش التقاعدي على أساس مستوى مرتب الموظف خلال السنوات العشر الماضية، من دون مراعاة لهزالة المعاش الذي يصرف حاليا للمتقاعد بل والاصرار على (قلقصته) لينخفض الى مستوى لن يتعدى نصف مرتبه؟!

وتتوالى المقترحات التي تركز على الانتقاص من حقوق المتقاعدين، مثل الغاء التقاعد المبكر والحرمان وما يتبعه من منح خمس سنوات خدمة مجانية (مع ان هذا لا يعمل به الا لمن أمضى أربعين سنة كاملة في الخدمة؟! أما من لم يمض هذه السنوات فعليه شراء سنوات مكملة).

ومن المقترحات الغريبة المطالبة برفع سن التقاعد للمرأة من دون مراعاة أن الغاء التقاعد المبكر (الاختياري والالزامي)، ورفع سن التقاعد للمرأة من شأنه أن يكدس قدامى الموظفين في مناصبهم ويحرم الجيل الثاني من العاملين من أخذ فرصهم في الترقية الى مناصب أعلى. الى جانب أنه سيعمل على اغلاق فرص التوظيف أمام الكثير ممن يريدون الالتحاق بالعمل فلا يجدون الشواغر!

يأتي بعد ذلك اقتراح غريب يفرق بين المواطنين المتقاعدين، فمن استحق معاشا محدودا يضاعف له المعاش، ومن كان معاشه مرتفعا يخفض الى النصف! ووجه الغرابة في هذا المقترح أن يتم لصقه بـ «التكافل الاجتماعي»، فأين التكافل فيمن يساهم بمبالغ كبيرة طوال حياته باشتراكاته وعند احالته للتقاعد يتسلم نصف مستحقاته؟! مع العلم أن تلك المستحقات ستوزع بعد موته على ورثته الذين هم في أمس الحاجة اليها بعد فقد عائلهم، فهل نسلبهم حقهم الشرعي ونوزعه على (زيد وعبيد)، أليس هذا هو الظلم بعينه؟!

هذه عيّنة من المقترحات التي قرأنا عنها أخيرا، ورأينا ايضاح مخاطرها للسادة النواب، وبكل المودة والتقدير نقول لهم: اعملوا ما ترونه ضمن صلاحياتكم الدستورية، شكّـلوا اللجان، ابحثوا وتقصوا، ناقشوا واقترحوا، استجوبوا من تريدون، واسحبوا الثقة ممن تشاؤون، لكن رجاء ضعوا في اعتباركم أن لا تأتي حلولكم بما ينتقص من حقوق المواطنين، وليكن دفاعكم عنهم بالمطالبة بالمزيد من الحقوق لا انتقاصها، حتى لا نذكركم (كرمكم الله) بحكاية الدب الذي أراد أن (يهش) الذبابة عن رأس صاحبه فلم يجد طريقة أفضل من أن يرميها بحجر كبير، فماتت الذبابة ولكن بعد ان تهشم رأس صاحبه المسكين! فهل تريدون أن يقال عن مجلسكم «جاء يكحّـلها عماها؟!»... وفقنا الله وإياكم لما فيه السداد و الصلاح

إقرأ أيضا لـ "سلمان صالح تقي"

العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً