العدد 682 - الأحد 18 يوليو 2004م الموافق 30 جمادى الأولى 1425هـ

دلالات ونتائج المبادئ التي قررتها المحكمة الدستورية (1 - 3)

قراءة في أول الدعاوى الدستورية

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

تضمنت أول الدعاوى الدستورية عدة مبادئ دستورية وقانونية مهمة في مجال الرقابة على الشرعية الدستورية، ولقد اتسمت هذه المبادئ بالتطبيق الصحيح لأحكام الدستور وبالعدالة والنزاهة المطلقة، ويمكن القول إن المبادئ التي قررتها المحكمة الدستورية في أول أحكامها تعكس بكل صدق النتائج الإيجابية التي يحققها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك على مرّ الأيام.

وقائع الدعوى

وقبل أن نبدأ في دراسة المبادئ التي قررتها المحكمة الدستورية يتعين علينا أن نعرض للوقائع التي تضمنتها أول دعوى نظرتها هذه المحكمة حتى يتمكن القارئ من الإلمام بطبيعة ومضمون هذه المبادئ، وتتمثل وقائع هذه الدعوى حسبما جاء في حكم المحكمة فيما يأتي:

«وإذ إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تخلص في أن المدعي كان تقدم إلى وزير العدل بطلب قيده في جدول المحامين المشتغلين وأرفق به المستندات المشار إليها في المادة (2) من قرار وزير العدل رقم (5) لسنة 1981 بشأن تنفيذ قانون المحاماة، وبتاريخ 22/2/2002 أوصت لجنة قيد المحامين بقبول قيده بجدول المحامين المجازين بالترافع أمام محكمة التمييز، ثم قام بسداد الرسم المقرر، وبتاريخ 5/4/2003 أُبلغ بصدور قرار ضمني من وزير العدل برفض قيده في الجدول العام للمحامين على سند من عدم تقديمه شهادة من وزارة الداخلية تتضمن عدم صدور أحكام ضده جنائية أو تأديبية ماسة بالشرف والأمانة، فتظلم من هذا القرار أمام محكمة الاستئناف العليا المدنية بالدعوى رقم 1/2003 مقررا أن القرار الضمني برفض قيده بجدول المحامين لا يتفق وأحكام المادة (2) (رابعا) من قانون المحاماة الصادر بالمرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1980 وكذا المادة (2) من قرار وزير العدل رقم (5) لسنة 1981 بشأن تنفيذ قانون المحاماة، ثم دفع أمامها بعدم دستورية نص المادة (6/6) من المرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1980، المشار إليه فقررت بجلسة 5/10/2003 التأجيل لجلسة 6/11/2003 ليقدم ما يفيد رفع دعواه أمام المحكمة الدستورية، فأقام دعواه الماثلة.

نطاق الرقابة الدستورية

تمثل أول المبادئ التي قررتها المحكمة الدستورية في خضوع جميع التشريعات السابقة منها على أول اجتماع للمجلس الوطني واللاحقة عليه لرقابة المحكمة الدستورية.

وكانت دائرة الشئون القانونية دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بمقولة إن قانون المحاماة صدر قبل أول اجتماع للمجلس الوطني، ومن ثم فإنه طبقا لأحكام المادة (121/ب) من الدستور يكون اكتسب حصانة دستورية من أي طعن فيه يمس صحته ونفاذه، كما استندت دائرة الشئون القانونية في هذا الدفع إلى أن دستور 1973 كان يعلق صحة ونفاذ التشريعات السابقة على صدوره على شرط هو عدم تعارضها مع نص من نصوصه، وأن عدم إيراد هذا المبدأ في دستور 2002 يدل على اتجاه المشروع الدستوري إلى إضفاء حصانة دستورية نهائية على القوانين المعمول بها كافة قبل صدور هذا الدستور وحتى أول اجتماع للمجلس الوطني، وبالإضافة إلى ما تقدم استشهدت دائرة الشئون القانونية بما جاء في المذكرة الإيضاحية للدستور الحالي إذ تقرر في معرض بيانها لحكم المادة (121) أنه يدخل في إطار ما ورد في هذه المادة كل ما سيصدر من قواعد قانونية في الفترة الواقعة بين نشر الدستور واجتماع المجلس الوطني، وبالإضافة إلى ما سبق صدوره قبل تعديل الدستور.

دفاع الطاعن

وقد رد الطاعن على هذا الدفع مبينا ما يأتي:

1- إن عجز الفقرة الثانية من المادة (121) من الدستور المشار إليها نصت على بقاء المراسيم بقوانين السابقة صحيحة ونافذة، ما لم تعدل أو تلغى وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور، ومن النظام المقرر بالدستور سلطة المحكمة الدستورية المقررة بنص المادة (106) من الدستور التي تختص بالحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ويكون لحكمها - في غير المسائل الجنائية - أثر مباشر، أي أن القانون المحكوم بعدم دستوريته لا يطبق بالنسبة إلى المستقبل، فهو بمثابة إلغاء قضائي للنص المخالف للدستور، ومن ثم فغير صحيح القول إن الفقرة (ب) من المادة (121) حصنت قوانين مملكة البحرين كافة من الطعن بعدم دستوريتها.

2- ليس من الأصول الصحيحة لتفسير القانون أن يتخذ التفسير المتعسف تكأة لإلغاء أحد النصوص الواجبة الإعمال، إذ ما جدوى النص في الدستور على إنشاء المحكمة الدستورية إذا كان جل عملها سيعلق على صدور القانون في المستقبل مخالفا للدستور، بينما تظل القوانين الصادرة قبل العمل بالدستور الجديد على أوضاعها المخالفة للدستور من دون أن يتمكن المواطن من الاعتراض عليها بالطعن فيها أمام المحكمة المخصصة لذلك.

3- إن المادة (38) من الدستور اشترطت في المراسيم بقوانين التي تصدر - في غيبة مجلسي الشورى والنواب - ألا تكون مخالفة للدستور، فإذا جاءت على العكس من هذا الشرط أو كانت مخالفة له حتى وإن كانت صدرت من قبل فما الوسيلة التي يمكن بواسطتها إعمال حكم الدستور؟ وما السلطة التي يتعين اللجوء إليها لتفصل في هذا النزاع إذا كانت المراسيم بقوانين محصنة من الطعن كما تدعي خطأ دائرة الشئون القانونية؟

وقد أيدت المحكمة الدستورية دفاع الطاعن فقررت رفض الدفع المقدم من دائرة الشئون القانونية بعدم اختصاصها بنظر النزاع مستندة في ذلك إلى ما يأتي: «وحيث إنه عن الدفع المبدي من دائرة الشئون القانونية بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيسا على أن النص المطعون فيه قد عُمل به قبل صدور الدستور الحالي وقبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني وبالتالي يخضع لحكم الفقرة (ب) من المادة (121) من الدستور التي تنص على أنه: (استثناء من حكم الفقرة الثانية من المادة (38) من هذا الدستور يبقى صحيحا ونافذا كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ولوائح وأوامر وقرارات وإعلانات معمول بها قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور). فإن هذا الدفع مردود بأن هذا النص واضح وصريح في استمرار نفاذ القوانين والمراسيم بقوانين والمراسيم واللوائح والأوامر والقرارات والإعلانات المعمول بها قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور، من دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب موضوعية ومن دون تحصينها ضد الطعن بعدم دستوريتها شأنها في ذلك شأن التشريعات التي تصدر في ظل الدستور القائم، مع ملاحظة أن تحري أوجه المخالفة الشكلية إنما يتم - على خلاف ما تقدم - في ضوء الأوضاع الدستورية النافذة عند صدورها، فمن غير الجائز أن تكون التشريعات التي صدرت قبل صدور الدستور بمنأى عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل الدستور وفي ظل نظمه وأصوله المستحدثة، مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب، وخصوصا أن المادة (106) من الدستور نصت على أن (تنشأ محكمة دستورية... وتختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح... ويكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة أثر مباشر، ما لم تحدد المحكمة لذلك تاريخا لاحقا، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن...) كما أن المادة (31) من قانون إنشاء المحكمة الدستورية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 تنص على أن (أحكام المحكمة وقراراتها الصادرة في المسائل الدستورية تكون ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، وتنشر في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدورها. ويكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة في جميع الأحوال، أثر مباشر، ويمتنع تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم، ما لم تحدد المحكمة تاريخا لاحقا لذلك.

فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن...)، ما مفاده أن قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة هو نوع من قضاء الإلغاء، إذ يترتب على حكمها تجريد النص المقضي بعدم دستوريته من قوة نفاذه ليؤول عدما، ويحوز هذا الحكم حجية مطلقة قبل جميع سلطات الدولة والكافة، وهذه الرقابة القضائية الدستورية تمتد إلى جميع التشريعات السابقة أو اللاحقة لصدور الدستور بقصد تنقيتها من مخالفتها لقواعد الدستور الواجب احترامها وحمايتها، وفي الحدود السالفة البيان، ولكي تتسق النصوص التشريعية في النظام القانوني جميعا بحيث يجمعها إطار واحد ينظمه الدستور، الأمر الذي يتعين معه رفض الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى».

مؤشرات ودلالات

ويعتبر هذا المبدأ التاريخي الذي قررته المحكمة الدستورية من أهم المبادئ التي افتتحت بها أعمالها إذ لولاه لانغلق طريق الطعن بعدم الدستورية في جميع التشريعات الصادرة في الفترة من تاريخ حل المجلس الوطني السابق في العام 1975 حتى أول اجتماع للمجلس الوطني الحالي، وبذلك يستمر تطبيق هذه التشريعات على رغم ما قد يكون فيها من مخالفة لأحكام الدستور، وهو أمر يرتب آثارا قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية سلبية تؤثر على مسيرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.

يذكر أن المحكمة الدستورية في تقريرها لهذا المبدأ أخذت بمبدأين أساسيين في تفسيرة المادة (121/ب) من الدستور هما:

1- إن النص يستدل به على ما يفهم من عباراته أو إشارته أو دلالته أو اقتضائه.

ومن هنا فقد قررت المحكمة أن «عبارة ما لم تعدل أو تلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور» الواردة في عجز المادة (121) من الدستور تؤدي إلى المعنى الذي يتبادر فهمه منها والذي يفهم من روحها ومعقولها وتقتضيها صحة واستقامة معناها وهو أن الحكم الصادر بعدم دستورية نص من النصوص يعتبر إلغاء قضائيا له.

2- إذا دل نص على حكم لواقعة معينة وكانت هذه الواقعة مقيدة بقيد أو موصوفة بوصف فإن انتفاء هذا القيد أو هذا الوصف في واقعة أخرى لا يدل بذاته على حكم مخالف للحكم المنصوص عليه بالنسبة إلى الواقعة الأولى، وعلى ذلك فإن سكوت المادة (121/ب) من الدستور الحالي عن إيراد عبارة «ويشترط ألا يتعارض مع نص من نصوصه» التي كانت واردة في المادة (105) من دستور 1973 لا يعني اتجاه المشرع إلى إضفاء حصانة دستورية نهائية على التشريعات السابقة على أول اجتماع للمجلس الوطني.

ومن الملفت للنظر أن دائرة الشئون القانونية أوردت ذلك الدفع في مذكرة التعقيب المشار إليها في المادة (22) من قانون المحكمة الدستورية والتي لا يجوز للطاعن الرد عليها، مبررة ذلك أنه سقط من دفاعها إبداء هذا الدفع ومن ثم فإنه يحق لها استدراك هذا السقوط، وقد سارع الطاعن إلى الطلب من المحكمة تمكينه من الرد على هذا الدفع تطبيقا لأحكام مبدأ المواجهة بين الخصوم، وقد استجابت المحكمة لهذا الطلب وتعتبر هذه الاستجابة مؤشرا واضحا ودلالة معبرة تؤكد حرص المحكمة الدستورية على تطبيق المبادئ القانونية لحق الدفاع

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 682 - الأحد 18 يوليو 2004م الموافق 30 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً