العدد 694 - الجمعة 30 يوليو 2004م الموافق 12 جمادى الآخرة 1425هـ

أترون محنتنا؟

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

حلفاء استراتيجيون للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو؟ لم لا، نحن حلفاء قدامى وهذا التحالف عنصر توازن مهم لدول صغيرة مثلنا في هذه المنطقة المتقلبة. نستورد الأسلحة من الولايات المتحدة؟ لم لا. جزء من علاقة التحالف، كما أن الأسلحة الأميركية متقدمة. نفتح الأبواب للشركات الأميركية؟ لم لا. شريك تجاري مهم للبحرين؟ لم لا. نفتح الأبواب للاستثمارات الأميركية؟ لم لا، بل اننا مقبلون على توقيع اتفاق تجارة حرة مع هذا الحليف المهم وهو اتفاق تحلم به دول أخرى. اتفاق يمضي بالشراكة الى آفاق عملية أكثر يمكن ان تمس حياة الافراد بدلا من ان تقتصر على تحالف دفاعي فحسب. نستهلك البضائع الأميركية؟ لم لا. نبعث بأبنائنا الى الجامعات الأميركية؟ لم لا. المزيد والمزيد من المطاعم الأميركية؟ لم لا، فهي شركات واستثمار ونمط حياة وثقافة يجتاح العالم. نستورد الافلام الأميركية؟ أوه بكل سرور. لكن ثمة بضاعة واحدة فقط ليس مقبولا استيرادها من الولايات المتحدة: أفضل ما فيها، أو بعبارة أخرى: سر قوتها الأهم، أو لنقل فضائل أميركا. في أوج الثورة العربية الكبرى مطلع القرن العشرين الماضي، دار حوار بين الأمير فيصل الاول وضابط بريطاني. سأل الضابط البريطاني الأمير فيصل: ما أسباب قوة بريطانيا من وجهة نظر سموكم؟ رد الأمير: تملكون المدافع. لكن الضابط صحح الجواب: "كلا سيدي لأننا نملك الانضباط". الآن لنعد طرح ذلك السؤال من جديد: ما سر قوة أميركا؟. هل هي البوارج والاساطيل أم الاقتصاد الذي يهيمن على العالم؟ وراء الاقتصاد الضخم والبوارج والقوة العسكرية يقف سر آخر: النظام الأميركي نفسه. هل قلت النظام؟ لنكن أكثر دقة. اذا كانت أميركا أفضل واقوى من جميع البلدان فان ذلك يعود الى النظام الذي يحكم حياة الأميركيين أنفسهم: تقاليد المصارحة والمحاسبة والتدقيق التي لا ينجو منها حتى الرئيس. ليس لأميركا وجه واحد، فهي تراوح دوما ما بين وجه توتوليتاري ووجه ديمقراطي وفي كلا الوجهين يمكن ان يلحظ المرء الكثير من تصرفات القوة الامبراطورية. عدا ان الفارق ليس هنا بل في هذا التقلب نفسه. انه دليل الحيوية الأهم، فلولا أن الأميركيين يملكون القدرة والحق والتقاليد المصونة بالدستور وترسانة من التشريعات والقوانين على تصحيح اي اختلال يعتري نظامهم لما شاهدنا الديمقراطية في أفضل صورها على رغم مآخذ لابد منها على النظام الانتخابي الأميركي مثلا. هذه قصة أميركية صميمة. من حروب التوسع في القرن التاسع عشر الى اضطهاد المهاجرين في العشرينات الى الغاء قوانين التفرقة العنصرية مرورا بالمكارثية في الخمسينات وصولا الى قرار المحكمة العليا الأميركية عن معتقلي غوانتنامو. لا يمثل التاريخ الأميركي صفحة من نوع واحد مثلما هو الحال لدينا هنا، بل هو صفحات متجددة تعطينا أكثر من وجه لأنها صراع مفتوح بين الافكار والمصالح تتم كلها في إطار النظام وضمن تقاليد الحياة السياسية نفسها وأداتها الأهم: الاحتكام لصناديق الاقتراع. هذه الأخيرة تعني ان الناخب له الكلمة الاخيرة. يكمن سر قوة الولايات المتحدة في هذه القدرة على تصحيح الاختلالات كلما طرأت بفضل نظامها الديمقراطي المبني على المحاسبة والتدقيق والمصارحة، الناخب الأميركي يملك القوة والتأثير الذي من شأنه تغيير وجه أميركا عندما يوصل من يشاء الى البيت الابيض والكونغرس. اترون محنتنا؟ نتقبل كل شيء من أميركا عدا سر قوتها. نتقبل السلاح والتجارة والبيبسي و"المول" ونمط حياة واقتصادا كاملا، لكننا لا نقبل ان نتعلم شيئا من فضائل أميركا: نظام المصارحات والتدقيق والتوازنات والمحاسبة والشفافية

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 694 - الجمعة 30 يوليو 2004م الموافق 12 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً