العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ

خطورة وفوائد هنتنجتون

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

عندما كنت طالباً أدرس العلوم السياسية كلفنا أستاذ مقرر «السياسة الخارجية للدول الكبرى» بإعداد ملخص تحليلي لنظرية صموئيل هنتنجتون «صدام الحضارات»، التي شهد العالم بعد ظهورها بسنوات صداماً بين الإسلام والغرب بتهم الإرهاب، ومثال ذلك ماحدث من احتلال لأفغانستان والعراق لاحقاً.

في تلك الفترة لم يكن الحديث عن الإرهاب كثيراً، وإنما كانت مجرد إرهاصات لم نتوقع باعتبارنا طلبة آنذاك أن نشهد ما نعيشه الآن. وعندما نعيد قراءة كتاب هنتنجتون عن صدام الحضارات نجد اطروحاته واقعية للغاية، بعد أن ظلت في السابق أفكاراً وتنظيراً لمستقبل العلاقات الدولية في النظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة.

والآن يخرج علينا هنتنجتون من جديد بنظرية أخرى تتعلق بالتحديات التي تواجهها الهوية الوطنية الأميركية، إذ أصدر كتابه الجديد في مايو/آيار الماضي بعنوان «من نحن؟»، ومن حسن الحظ أنه لفت انتباهي في إحدى المكتبات الأميركية في العاصمة الماليزية كوالالمبور ما دفعني لاقتنائه. ولا أعتقد أن قراءة نظريته الجديدة ستكون كسابقتها، التي لم نعرها اهتماماً واسعاً بسبب حملة الانتقادات الشعواء التي شنها الباحثون العرب والمسلمون في أنحاء العالم، وأحدثت ضجة على المستوى الأكاديمي. والسبب في ذلك أن أكاديمياً مرموقاً مثل هنتنجتون أصبح يلعب دوراً كبيراً في السياسة الدولية عبر كتاباته واطروحاته التي بدأت في الظهور نهاية الخمسينات من القرن الماضي. ويمكن ملاحظة هذا الدور في كتاب مهم آخر بعنوان «القوة السياسية» نشر في العام 1964 وأعد مشاركة مع مستشار الأمن القومي الأسبق في الولايات المتحدة زبجنيو بريجنسكي، الذي ابتكر نظرية العولمة في ذلك العقد. ما يهمنا اليوم الإقرار بالدور الخطير الذي يمارسه هنتنجتون باعتباره أحد رموز اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. وفي نظريته الجديدة عن تحديات الهوية الأميركية يستخلص في مقدمة نظريته خلال الفصلين الأول والثاني بشأن أبرز القضايا المتعلقة بتشكيل الهويات أن زيادة العداء للآخر داخل المجتمعات يعد سبباً رئيسياً في تشكيل هويات الجماعات مدللاً بالكثير من الأمثلة التاريخية والحديثة. وعليه فإنه لابد من خلق تحد دائم لضمان تشكيل الهوية. ومن ثم يقر هنتنجتون بأن المجتمع الأميركي مازال في طور تكوين هويته، إذ واجه خلال العقود الماضية جملة من التحديات لم تساهم في تشكيل هوية وطنية مشتركة للشعب الأميركي، ومن أبرزها تطور وسائل الاتصالات المختلفة، والهجرات المتتالية التي غزت أميركا، بالإضافة إلى تزايد نفوذ التيار الليبرالي في الدولة الذي يؤمن بالتعددية.

وفي ضوء ذلك يرى هنتنجتون أنه يجب استغلال الدين كأداة لإعادة تكوين الهوية الأميركية بطبيعتها الأولى (الانجليزية البروتستانتية) خصوصاً في ظل تزايد معدلات الالتزام الديني في المجتمع الأميركي. وهنا يطرح فكرة اعتبار الإسلام عدواً يجب محاربته بمختلف الوسائل في سبيل تكوين الهوية الأميركية، متوقعاً اندلاع عدة حروب خلال المستقبل المنظور بين الولايات المتحدة وعدة تنظيمات ودول إسلامية ستزيد من وحدة الأميركيين تجاه هذا التحدي الخطير بحسب قوله.

هذا هو ملخص مقتضب لنظرية تحديات الهوية التي خرج بها هنتنجتون، وعلى رغم خطورتها الكبيرة على المسلمين في الولايات المتحدة، وكذلك على المسلمين في أرجاء المعمورة، إلاّ أنني أرى أن حملة في الطريق من الباحثين في العالم العربي والإسلامي تهدف إلى استنكار وشجب هذه النظرية المتقدمة في العلوم السياسية. ولن تظهر محاولات بعد أن يترجم الكتاب إلى العربية لدراسة محتوى النظرية، وإمكان الاستفادة منها في تطوير صراع الهويات الذي نعيشه في البلدان العربية والإسلامية وهو ما أفرز حالاً من الصراعات والحروب الداخلية بسبب اختلاف الهويات. مثل هذه النظريات يجب أن يتم دراستها بشكل واف، والتعرف على أبرز إيجابياتها وسلبياتها بسرعة، لأنها طبعاً ستكون عاملاً أساسياً في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة في السنوات المقبلة، وسنتأثر بتداعياتها بشكل مباشر وغير مباشر

العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً