العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ

التنمية الإنسانية... والحكومات العربية

عبدالهادي مرهون comments [at] alwasatnews.com

على مدى أشهر مضت وجه مناوئو التصحيح والتحديث في المنطقة العربية حملة شعواء على تقرير التنمية الإنسانية الذي أصدرته الأمم المتحدة وشارك في إعداده باحثون ومفكرون عرب مشهود لهم بالكفاءة والقدرة، ومرجعهم في ذلك ربما يكون أن عدداً من السياسيين الغربيين وبينهم الرئيس الأميركي بوش استندوا إلى بعض ما جاء في التقرير في حملتهم على الأوضاع في المنطقة العربية. وبحسب هؤلاء فإن معنى ذلك أن التقرير وفر فرصاً لتصيُّد الأخطاء، كما أنه بحسب تقديرهم يقدم مسوغات سياسية لتبرير التدخل الخارجي في البلاد العربية أو المطالبة بالتغيير من الخارج.

وشكلت هذه الاستنتاجات والذرائع نموذجاً لتفكير سياسي مازال مستمراً يرى أصحابه الأمور بمقياس المفاضلة بين «الاستبداد الوطني» أو «التخلف القومي» وبين التغيير المفروض من الخارج، وفي ذلك فإنهم طبعاً ينحازون إلى الخيار الأول باعتباره أقل الخيارات ضرراً، والحق أن المفاضلة الصحيحة هي بين استبداد داخلي يوفر فرصاً لتدخلات وإملاءات خارجية وبين تغيير وتطور إلى الأمام في الداخل استجابة لحاجة المجتمعات وحق الشعوب العربية في أن تنعم بالكرامة والديمقراطية الحقيقية وحكم وسيادة القانون، ويقطع الطريق على أي استغلال خارجي، فذلك هو المعيار المنطقي للحكم على الأمور والذي أثبت حاجة المجتمعات العربية إلى الأخذ به.

ومن المناسب هنا الالتفات إلى الماضي، إذ جرى طيلة نصف القرن الماضي التعلل بأسباب وذرائع شتى - في وقف عجلة التقدم والإصلاح الاجتماعي والسياسي وتداول السلطة - من أبرزها استمرار الاحتلال الصهيوني البغيض لفلسطين وما يمثله من تهديد للأمن القومي من أجل تفادي إنجاز استحقاق البناء الداخلي القائم على التعددية والمشاركة السياسية وإقامة وتعزيز دولة المؤسسات والقانون واحترام حقوق الإنسان، إضافة إلى أسباب أخرى تخرج من جنبات السبب الأول، مثل: الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية والحرص على الوحدة الوطنية وتارة أخرى من أجل رص الصفوف لمواجهة العدو الصهيوني المتربص الذي - للمفارقة - لم يؤجل استحقاقاً انتخابياً أو تغييراً حكومياً أو يعطل محاكمة رئيس وزراء وطاقمه بسبب رشاً أو فساد أو حتى بسبب استمرار انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني وما تمثله من خطر عليه أو تهديد ووعيد الحكومات العربية منذ نشأة هذا الكيان السرطاني منذ العام 1948 حتى الآن.

كل ذلك يحدث مع أن تقرير الأمم المتحدة يعتمد التعميم ولا يشخص أوجه القصور والضعف في بلد عربي بعينه، وعلى رغم ذلك قامت عليه بعض الأقلام والأنظمة العربية من منطلق قومي لا غير، لما قد يسببه برأيهم من حرج للبلدان العربية، والحال هذه، فكيف لو شخص التقرير العلل وسمى الأشياء بأسمائها من دون تمويه. ولا يلتفت هؤلاء المنتقدون إلى أن من متطلبات تقدم المجتمعات وتطورها هو اللجوء إلى النقد المنهجي وتشخيص العلل وهو ما فعله التقرير. أما في أوطاننا العربية فقد نشأت عادات - شجعت عليها الأنظمة والحكام - تشكّك في النقد وفي حق الاختلاف وأهمية الاجتهاد تحت طائلة التخويف بتوقيع مختلف أشكال العقوبات القانونية، تبدأ عند قوانين المطبوعات ولا تنتهي عند قوانين العقوبات.

ولذلك فإنه يجدر بصناع القرار من حكام وحكومات عربية الآن - من غير إبطاء - وفي المستقبل التفاعل الإيجابي مع دعوات تطوير وتحديث المجتمعات العربية والتركيز على الجوهر الموضوعي لدعوات الإصلاح، وليس وضع العقبات أمام هذه الدعوات لأن من شأن ذلك تجميد حركة عصرنة وتحديث المجتمعات وتراجع أسس التطور. ونحن في البحرين قطعنا شوطاً مهماً على طريق الإصلاح والتحديث السياسي والمجتمعي، وبالإمكان لو تضافرت الجهود أن نستفيد بصورة أكبر من زخم هذا المناخ بما يوفر من عوامل أكثر ملاءمة للسير قدماً في دعم هذه المسيرة الواعدة على طريق تحقيق التنمية الشاملة التي من شأنها أن تفضي لإزالة الكثير من المعوقات الاقتصادية والاجتماعية التي مازالت تحتاج إلى قرارات أكثر جرأة، منعاً للعودة إلى منزلقات الماضي، إذ إن السير على طريق التقدم يستحق كل جهد يبذل، لأنه يضمن استمرار حيوية توفير أسباب البقاء ويشكل أسساً قوية لتصدي الشعوب العربية لقوى الاحتلالات في فلسطين المحتلة وسواها، كما يسرع وهو الأهم، من التحاق الدول والشعوب العربية بركب العالم الديمقراطي من خلال تعزيز مناخات صحية توفر أسباب التقدم وتدفع الاستثمار والتنمية وتعزز من ممارسات حقوق الإنسان وخصوصاً أن البحرين مقبلة في ظرف شهرين على توقيع العهدين الدوليين للحقوق السياسية والاجتماعية، ومن شأن ذلك أن يسرع من مغادرة العوالم القديمة.

النائب الأول لرئيس مجلس النواب

العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً