العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ

الإنترنت والأنفاق السرية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

من الظلم بمكان أن تسمّى «شبكة»، أعني بها الانترنت، فلأول مرة في التاريخ البشري يستطيع الانسان أن يداعب الفضاء بأنامله، والشبكة نموذج وعيّنة من حصار... فخ يمهد لولائم انتقام، فيما الانترنت انفتاح حد الشعور بالحرج على الأماكن المغلقة أو تلك التي يراد لها ان تكون مغلقة.

الانترنت دعوة عامة للدخول، فيما الرقابة استدعاء للخروج من امتياز هذا القرن، الى حرمان قرون من الاقتتال الذي دام عشرات السنوات لأن ناقة (خايبة وطايحة حظ) تم عقرها قبل أن تقطع الشوط!

هل لابد أن أصرّح بأنها انقلاب علينا... على ترددنا وخوفنا وتلفتنا المستمر - في فترة ولت - فزعا من مرور دورية عسكرية في غرفة النوم أو قوات خاصة مرتزقة تروّع أطفالك وهم محشورون في غرفة لا تتعدى خمسة أمتار، وتحديدا في الساعة الثانية الا دقيقة صباحا؟ (انتبهوا للدقة والصرامة في التوقيت) فيما الواحد منا تأمر المحكمة بإطلاق سراحه فيتم تعديل الحكم في مكتب عريف أو ضابط لا يعجبه شكلك أو لهجتك أو حتى شعرك لأنه غير (مسبسب)!

في الدول التي نفذت مشروع الحكومة الالكترونية بشكل لا لبس فيه، يصبح الشرطي الفاسد ورجل المخابرات المبتز ويصبح المرتشي والأمي الذي يتحكم في إدارة مئات وآلاف من البشر خطأ مطبعيا لابد من تصحيحه بالاقصاء، لأنه واحد من المعوقات التي تحول دون اثبات ان البشر قادرون على الإتيان بالمعجز، فيما تلك النماذج تمثل الصارخ من أسباب العجز والإعاقة.

أعلم ان الانترنت لن يقدّر لها أن تكون ذات حضور ملفت، كما هو الحال في الغرب، فكيف يمكننا الحديث عن تعميم ذلك الاكتشاف المذهل في أمة تعاني من كوابيس البطالة والرقابة وأقساط الثلاجة وحتى المخبز وصاحب البقالة الأجنبي الذي يطاردك بلهجته التي لا تشبه شيئا (ما في كلام... في فلوس... مافي... في شرطة... شب ما في كلام!). عن أية انترنت يمكنك أن تحدث واحدا من عشرات الآلاف من نماذج في هذا الوطن، ينام ويصحو على الفاقة؟

ثقافة الـ (play Station) اذا ما استمرت بهذا المستوى من الإدمان بين أطفالنا فستدفع بما نسبته 10 - 15 في المئة منهم الى عيادات الطب النفسي، وجلسات مكثفة للشفاء من (زيران) حديثة، وكوابيس بالألوان، بدل اللونين الأبيض والأسود. هنا فقط يمكننا أن نطلق على الـ (Play Station) صفة «الشبكة» لأنها بالفعل شبكة ستحكم حصارها علينا وعلى أبنائنا.

للذين يتحدثون أكثر من لغة، تظل الانترنت تبث أعاجيبها كل لحظة، وخصوصا مع محركات البحث البعيدة عن اللغة العربية، إذ إن الحركية في العرب مطعون فيها، ربما لاستهلاكيتهم البغيضة، لذلك لن يتجاوب المحرك معك، ولا تفاجأ اذا رد عليك (اقلب وجهك، وعطني مقفاك، وضف وجهك)، فيما المحركات تلك وبلغات أخرى تستشعر نشاطها وحضورها، كالطالب في حصة الرياضة ينتهي تثاؤبه وتبرمه ومخططاته للقفز من سور المدرسة مع انتهاء حصة «النحو» والرياضيات.

تتحول الانترنت الى مغارة... أنفاق سرية لحركة احتجاج ومقاومة ورفض... سراديب بطول آلاف الكيلومترات لن تستطيع - مع امتدادها - آلاف الأقمار الاصطناعية ووكالات الاستخبارات من كشفها وإن فعلت فبعد جهد جهيد.

بيانات «بن لادن» و«الزرقاوي» وغيرهما شاهد على ذلك. هل يدل ذلك على تفوق؟

من جهة أخرى ألا تشكل الانترنت لدى الفكر الاقصائي رجسا من عمل الشيطان؟ أليست بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ تُرى ما الذي يدفع «بن لادن» و«الزرقاوي» وأنصارهما لبث دعوتهما الدموية عن طريقها فيما هما يدبجان بياناتهما آناء الليل وأطراف النهار دعوة لقتل الكفار والصليبيين أينما ثقفوا؟

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً