العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ

قريب... بعيد

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

من جديد، نحن أمام عقليتين وأسلوبين في مواجهة مشكلة الفقر وتحسين مستويات المعيشة، هذه المرة تحت قبة مجلس النواب.

ففي جلسته يوم (الثلثاء) 19 اكتوبر/ تشرين الأول، ناقش المجلس وصوت بالموافقة على مقترحين. الأول هو صرف مساعدة عاجلة بقيمة 500 دينار بحريني لكل أسرة بحرينية وهو المقترح الذي تقدم به 5 نواب والثاني هو إنشاء «صندوق الأجيال القادمة» الذي تقدم به رئيس المجلس خليفة الظهراني.

ومع التقدير لحسن نوايا النواب أصحاب مقترح المساعدة العاجلة بقيمة 500 دينار، فإن الكثيرين لم يجدوا مناصاً من التساؤل: ماذا بعد؟ أي ماذا بعد ان تستلم كل عائلة 500 دينار على افتراض ان الحكومة استجابت للاقتراح؟ يستند الاقتراح بالدرجة الأولى إلى الرغبة في الاستفادة من الفائض الذي يمكن ان يطرأ على الدخل الوطني جراء ارتفاع أسعار النفط. فأسعار النفط تم تقديرها في موازنة الدولة بسعر متحفظ هو 18 دولاراً للبرميل في حين ان أسعار النفط وصلت إلى مستويات قياسية في الأيام القليلة الماضية جاوزت أحياناً سعر 50 دولاراً للبرميل.

لكن مقترح الخمسمئة دينار هو من ذلك النوع من المقترحات التي تم طرحها في المجلس مثل مشروع «العيدية». هذه الاقتراحات لا غبار عليها من حيث المبدأ، لكن عندما توضع امام الحاجة لمعالجة مشكلة الفقر على المدى البعيد وبحلول استراتيجية وليست وقتية، فإن غياب النوع الأول من الحلول في أروقة المجلس هو ما يدفعنا للقلق.

ربما يقدم مشروع «صندوق الأجيال القادمة» جواباً لهذا القلق حيال هذا الميل المتزايد نحو معالجة مشكلة الفقر بذلك النوع من الحلول الوقتية. فاقتراح صندوق الاجيال هو من ذلك النوع من الحلول الذي يقدم حلاً على المدى البعيد وبآليات قانونية ثابتة ومصدر دخل ثابت مقتطع بنسبة معقولة متفق عليها من دخل النفط.

آلية عمل الصندوق مثلما يمكن ان تفهم من الاقتراح ثابتة وتؤمن مصدراً ثابتا لنمو موجودات هذا الصندوق وهي هنا تقدم الفارق الأول مع ذلك النوع من الحلول الوقتية المتمثلة في المساعدات والهبات. يمكن التعامل بترفق وبتفهم مع دواعي اقتراحات من هذا النوع تحت وطأة المعاناة التي تعاني منها فئات عريضة من البحرينيين. لكن من جديد، فإذا كانت المساعدات الوقتية قد تبدو مطلوبة أحياناً لمواجهة الطابع العاجل في معاناة الناس، فإن الحلول المؤسسية البعيدة المدى تبقى هي المطلوبة.

ربما تبدو موافقة المجلس على كلا الاقتراحين بداية لإدراك النواب للحاجة إلى الحلول البعيدة المدى، وهم بموافقتهم على كلا الاقتراحين يقدمون مؤشراً مهماً لهذا الإدراك.

لكن بالنهاية، سنعود للتساؤل: هل تكفي مقاربة واحدة لحل مشكلة الفقر؟ هل يكفي الصندوق بكل إيجابياته لحل هذه المشكلة؟ الجواب المنطقي هو كلا وهو جواب يدركه النواب والناس على حد سواء. ما يدفع لهذا التساؤل هو ان المقاربات لحل مشكلة الفقر كثيرة ومطروحة، أكثرها شمولاً هي تلك التي طرحت خطوطها العريضة ورشة اصلاح سوق العمل التي عقدت في 23 سبتمبر/ ايلول الماضي برعاية ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.

هذه المقاربة لاتزال مطروحة للنقاش على المستوى الوطني وهي كفيلة بإثارة الكثير من الأسئلة والملاحظات والرؤى التي لا غنى عنها لكي يكون بالإمكان عبر المناظرات والنقاش العقلاني ان تتبلور في النهاية في مشروع وطني شامل نحتاجه بشدة لكي نطلق إصلاحاً اقتصادياً وتعليمياً وهيكلياً في سوق العمل طال انتظاره.

النواب هم أكثر من تقع عليهم مسئولية بلورة هذا النقاش والتعاطي مع المقاربة التي طرحتها الورشة، وإذا كانت موافقتهم على مقترح «صندوق الأجيال» تبدو إشارة مطمئنة إلى إدراك لأهمية الحلول البعيدة المدى، فإن الأمل يبقى في ان يواصلوا بناء وجهات نظرهم في مشكلات البلاد على هذا النحو. أي عبر التفكير بالحلول البعيدة المدى والشاملة وهم قادرون على ذلك بالتأكيد، الأهم ان الوقت حان لمثل هذا النوع من التفكير. التفكير الهادئ والعقلاني المتزن. فبعد عامين من عمر المجلس، يبدو الأوان قد آن لكي نرى ونسمع ونتابع أداء أفضل للنواب يستند إلى رؤى بعيدة المدى وليس إلى حركات خلابة قصيرة النفس قد تجلب الإعجاب والتصفيق لبعض الوقت لكن ليس لكل الوقت. وبعد عامين من عمر المجلس أيضاً، فإن وطأة المشكلات التي نعيشها أصبحت تضغط علينا بشدة وتمتحن ذكاءنا وصبرنا وحصافتنا

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً