العدد 883 - الجمعة 04 فبراير 2005م الموافق 24 ذي الحجة 1425هـ

ثورة النساء المؤجلة

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

1هل ثمة ميدان لم تقتحمه المرأة في البحرين سواء في سوق العمل أو في النشاط العام؟ انهن موجودات في كل مكان، وإذا كان المقياس الرائج للحكم على تقدم وضع النساء هو وصولهن إلى المناصب العليا، فإن هذا المقياس قد يبدو مضللا قليلا للحكم على أوضاع النساء.

منذ الثمانينات على الأقل، دفعت الأوضاع الاقتصادية بالنساء إلى مهن لم تكن تدور في خلد أمهاتهن في يوم. واليوم هن موجودات في كل الوظائف والأعمال تقريبا. تذكروا فقط تلك الأيام من السبعينات عندما كانت البحرينيات يحلقن على متن اسطول طيران الخليج كمضيفات قبل ان يهبطن من الجو واحدة اثر الأخرى فيما بعد. واليوم ستشاهدهن يملأن المجمعات التجارية: بائعات في المحلات وعاملات في المطاعم، مندوبات مبيعات، في الجيش والشرطة بلغن رتبة عقيد. محاميات وموظفات كبار في الوزارات. اكاديميات بارزات في الجامعة وفي غيرها من المواقع. موظفات في قطاع المصارف وفي الفنادق وفي كل شركات القطاع الخاص والعام. فنانات على المسرح ومطربات اقتحمن الميدان وواجهن الجمهور بجرأة في سنوات الستينات.

وخلف هذا الحضور خلفية صلبة من الانخراط المبكر في الحياة العامة. في العام 1955 تأسست أول جمعية نسائية في البحرين هي جمعية نهضة فتاة البحرين. وقبل ذلك التاريخ أول مدرسة للبنات رسميا العام 1928 على رغم ان الشيخة مي ال خليفة تذهب ببداية تعليم النساء إلى تاريخ ابكر من ذلك في كتابها عن تعليم النساء في البحرين.

في التمرد هن حاضرات أيضا: حضورهن القوي في الحياة السياسية. تلك اللواتي كن يقفن خلف الرجال حتى الخمسينات مثلا، انخرطن بقوة في العمل السري منذ الستينات وحتى اليوم ومن المؤكد ان في التاريخ غير المدون المئات من القصص عن نساء قدمن تضحيات وكن حاضرات في كل الانتفاضات والحوادث التي شهدتها البحرين حتى اليوم. وإذا شئتم المفاجآت اليكم واحدة: كن متطوعات للقتال إلى جانب الفلسطينيين في حصار بيروت العام .1982

لكن السؤال يشغل بال الجميع حتى اليوم: لماذا لم تنجح النساء في الدخول إلى البرلمان أو المجالس البلدية؟ ولماذا يسود التشاؤم حيال فرصهن؟

ثمة مؤشر فات المتشائمين أو المتشائمات على الأصح: كيف وصلت مرشحتان هما لطيفة القعود وفوزية الرويعي إلى المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية في العام 2002؟ هذا معناه ان ثمة من بامكانه التصويت للنساء أي الثقة في قدراتهن. وإذا كان الحضور والشهرة عنصرين مساعدين بقوة للمرشحين، فإن الناخبين لم يروا وهم يقلبون البرنامج الانتخابي لكل من لطيفة القعود وفوزية الرويعي سوى سيرة ذاتية تخلو من الصخب لسيدتين بحرينيتين تعمل الأولى في وزارة المالية والثانية عسكرية متقاعدة. فما الذي دفع بالناخبين إلى التصويت لهاتين السيدتين اللتين لم تسبقهما شهرة من نوع ما؟ لقد حصلت الاثنتان على نسب تقارب 40 في المئة من الأصوات.

كانتا سيدتين تقلبتا في الوظائف والدورات الدراسية المتخصصة، القعود كانت مديرة إدارة والرويعي كانت عسكرية برتبة رائد، مؤشر أول لجدارة مهنية لكلا الاثنتين. هل هذا هو السر؟ الجدارة المهنية؟

غير القعود والرويعي، أعرف شخصيا نساء لا غنى عنهن في مجال عملهن، لكن جدارتهن مخفية وراء أستار المسئولين من الرجال. لكن هذا لا يكفي أيضا.

فالبحرينيات مازلن في مجمل نشاطهن المهني أو العام والتطوعي حددن حدود حركتهن بالسائد والعادي. لقد راكمت الجمعيات النسائية مثلا خبرات مهمة من عقود طويلة من العمل الدؤوب والمثابر. والنساء عموما أكثر اخلاصا في العمل من الرجال، لكن هذا النشاط لم يشهد أي تغيير منذ سنوات، لقد بات شيئا أشبه بالتقليد الثابت والمفاهيم أصبحت بحاجة إلى تغيير. انه أوان التغيير ولكي يبدو الأمر واضحا هنا فلا سبيل لنا سوى المفارقات كالعادة.

انظروا لهذه المفارقة مثلا: ايهما أولى بأن يحتضن قضية الخادمات الأجنبيات اللواتي يتعرضن للعنف أو الاستغلال وسوء المعاملة؟ الجمعيات النسائية أم غيرها من الجمعيات؟

كيف تتعرض نساء وفتيات صغيرات للعنف والاغتصاب والاذى الجسدي والنفسي ويتم استضعافهن إلى حد مهين للكرامة بل ويواجهن خطر الموت من دون ان تحرك الجمعيات النسائية ساكنا؟ هل لأنهن أجنبيات فقط؟ كيف تغفل الناشطات البحرينيات عن انتهاك مثل هذا بحق نساء مستضعفات إلى هذا الحد؟ لا تقولوا انها حالات عارضة واستثنائية لأن هذا خطير، فهو قول يحمل في طياته تبريرا للعنف نفسه.

ان العمل التطوعي مرهق ويؤثر في الاستقرار العائلي طالما ان النساء مطالبات بالوجود في المنزل أكثر من الرجال، لكنه إذا أصبح حبيس التقليد والمواعيد الثابتة والجداول والنشاط الذي لا يتغير سيفقد معناه بلاشك لسبب بسيط خارج عن ايدينا: "الزمن". فالزمن الذي كانت تحتاج فيه النساء الاميات في القرى والمدن لمبادرات محو الامية راح وجاء مكانه زمن حلت فيه متطلبات من نوع آخر. جيل الرائدات انصرف للاعمال الخيرية ومساعدة الفقراء بالخياطة والتطريز. وذلك النوع من النشاطات في وقته كان عملا رائدا، لكنه أصبح مثار سخرية الجيل اللاحق من النساء في السبعينات مثلا. ومحو الامية كان عملا رائدا في السبعينات، لكنه اليوم يبدو بنظر جيل آخر من النساء مضيعة للوقت، هذا هو الزمن

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 883 - الجمعة 04 فبراير 2005م الموافق 24 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً