العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ

سورية واغتيال الحريري... قراءة في الأبعاد المتعددة

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

كثيرة هي الاتهامات التي أشارت الى ضلوع سورية في عملية اغتيال الحريري.

اذ تجاوزت تلك الاتهامات اشارات الصحافة الدولية الى اتهامات اطلقتها دول مثل "إسرائيل"، أو أوحت بها دول مثل فرنسا، وقد كانت صريحة من جانب بعض أقطاب المعارضة اللبنانية، وهو ما قال به عدد من رموزها بينهم النائب اللبناني مروان حمادة الذي نجا من محاولة اغتيال في بيروت قبل أشهر، مازال يعالج من تداعياتها.

وبالمقابل، فقد رفضت سورية كل الاتهامات بمسئوليتها عن اغتيال الحريري، بل وجهت أصابع الاتهام الى "إسرائيل"، حسبما أكد نائب الرئيس عبدالحليم خدام في معرض رده على الاتهامات لسورية، ورأت سورية، ان اتهامات المعارضة اللبنانية لسورية باغتيال الحريري انما تندرج في سياق "استغلال جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري لأسباب انتخابية".

وبطبيعة الحال، فان الاتهامات كلها، لا تعدو كونها اتهامات سياسية في إطار ما درجت عليه العادة في خصومات الفرقاء، وهي لا تجد لها سندا واقعيا في معطيات ما حدث فعلا على الاوتستراد البحري ببيروت، حيث حصل الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس الحريري وآخرين يوم الاثنين الماضي، ولم تتوافر بعد معلومات أو أسس للفرضيات التي رافقت الانفجار، والتي مازالت تراوح بين ثلاثة فرضيات، اولاها وجود سيارة مفخخة، جرى تفجيرها عند وصول الموكب الى المكان، والثانية، ان ارهابيا قاد سيارة مفخخة في عملية انتحارية أدت الى الانفجار الهائل، أما الفرضية الثالثة، فقد تحدثت عنها المعارضة اللبنانية بالقول، ان عملية تفخيخ لإنفاق جرت في المكان أخيرا، قبل ان يتم تفجيرها عند مرور موكب الحريري.

ان الكلام عن عملية الاغتيال مازال غامضا باستثناء نتائجها المعروفة، ما يعني ببساطة شديدة، ان كل الاتهامات لا تملك لها اساسا يمكن الاستناد اليه، وهذا يطرح السؤال عن معنى هذه الاتهامات، التي يمكن القول، انها تحاول استغلال حادثة اغتيال الحريري لتصفية حسابات فيما بين الاطراف المختلفة، وهو أمر يمكن ملاحظته في مستوى الداخل اللبناني وعلى صعيد العلاقات اللبنانية - السورية، والعلاقات السورية - الاسرائيلية، اضافة الى علاقة كل من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا بالشرق الاوسط عموما وبكل من لبنان وسورية خصوصا.

ففي المستوى اللبناني المحلي، تنحو المعارضة اللبنانية في اتهاماتها لسورية وللسلطة اللبنانية باغتيال الحريري لتأكيد مطالبها فيما تصفه بتصفية الطابع البوليسي للدولة اللبنانية، وفك ارتباط المؤسسة الامنية الرسمية مع المؤسسة الامنية السورية، التي يتهمها المعارضون اللبنانيون بالهيمنة على الدولة والسياسة والمجتمع في لبنان مدعومة بالوجود العسكري السوري، وهم يمهدون في ذلك الى تأكيد مطالبتهم بخروج القوات السورية من لبنان وإعادة صوغ العلاقات بين البلدين على أسس جديدة.

وفي مقابل استغلال المعارضة اللبنانية لاغتيال الحريري من خلال اتهامها للسلطة اللبنانية وسورية، يؤكد الاسرائيليون اتهامهم للسوريين في اغتيال الحريري، وهم في هذا يحاولون الضغط على سورية ووجودها في لبنان وإضعافها وحلفائها هناك بالتزامن مع ضغوط داخلية ودولية موازية، وهو أمر يتوخى الاسرائيليون من خلاله اخراج سورية من لبنان، وتصفية الوجود المسلح لحزب الله في لبنان والضغط لإعادة ترتيب أوضاع الفلسطينيين في لبنان بما يتناسب والمصلحة الاسرائيلية.

وقد جاء اغتيال الرئيس الحريري ليكون مناسبة يجري استغلالها من جانب فرنسا والولايات المتحدة في اعادة ترتيب الوضع اللبناني وعلاقة سورية به وفقا للصيغة التي توصل اليها الطرفان وقاما بتمريرها عبر مجلس الأمن الدولي قبل عدة اشهر في قراره "1559" بهدف اخراج السوريين من لبنان واعادة ترتيب اوضاعه الداخلية على صعيد السلطة والدولة، وكان مؤشر الاستغلال الفرنسي المطالبة باجراء تحقيق دولي في عملية الاغتيال، وقد انضمت واشنطن من دون ان تتهم دمشق بدور في اغتيال الحريري الى الجهد الفرنسي لتدويل الموضوع في مجلس الأمن، ثم في توجيه رسائل سياسية لا تخلو من تهديدات الى سورية مترافقة مع استدعاء السفيرة الاميركية في دمشق الى واشنطن للتشاور، بما يعنيه من فتح الابواب على احتمالات المزيد من التطورات السلبية في العلاقات السورية - الاميركية.

ولاشك في ان تداعيات عملية اغتيال الحريري في ابعادها المختلفة على سورية ستترك آثارا سلبية على بلد يواجه تحديات داخلية وخارجية مزدوجة، تجعله ابعد ما يمكن من الضلوع في عملية اغتيال شخص مثل رفيق الحريري، ليس فقط بسبب ما يمكن ان يحمله ذلك من تداعيات سلبية - وقد بدأت هذه بالظهور - بل بفعل علاقات قديمة ربطت بين الحريري وكبار المسئولين السوريين، ربما كانت تمنع الذهاب بالخلافات التي ظهرت بعد التمديد للرئيس لحود الى حد قتل الحريري من جانب سورية او قتله بمعرفتها من جانب طرف آخر، لكن من الممكن القول، ان خلاف سورية مع الحريري منح أطرافا فرصة سياسية لقتل الحريري.

في كل الاحوال، يمثل اغتيال الحريري ذروة في جنون القتل، وتمثل التطورات السياسية التالية في لبنان ومحيطه ومن الجانب الدولي ذروة أخرى في جنون السياسة، بل هي استمرار لجنون السياسة السائدة في عالم اليوم، والتي تجد تعبيراتها في العراق وفلسطين وفي لبنان وصولا الى مجلس الأمن الدولي

العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً