العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ

علاقات بلا مشاعر

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

السبت الماضي تسلمت سيارتي من مرآب التصليح في الشركة. الخدمة لا غبار عليها والموظفون متعاونون ولطفاء، لكن نتائج لطفهم وتهذيبهم لا تظهر في المحصلة النهائية. السبب: السياسات العليا.

لم تكن قطع الغيار المطلوبة متوافرة وعليه يتعين الانتظار. كم واحدا منكم صادفه هذا الموقف؟ يكاد ان يكون جميع من يستخدمون السيارات في البحرين. النتيجة اني وجدت نفسي من دون مواصلات لأكثر من اسبوعين. لا تهونوا الامر بقولكم ان من الممكن تدبر الامر مع الاهل أو الاصدقاء، المسألة ابعد من قدرتنا على التصرف في مسألة باتت اعتيادية.

اناقش الامر من زاوية اخرى. عدم توافر قطع الغيار، مشكلة الشركة ام مشكلة الزبون؟ لا يحتاج الامر إلى مشقة، لكن من سيدفع ثمن هذا الخطأ هو الزبون الذي سيتحمل مشقة تدبر اموره ومتطلبات عمله من دون سيارة. ليس هناك عرف او قانون أو تقليد يمنح الزبون أي حق في التعويض عن اخطاء البائع أو صاحب الخدمة او صاحب البضاعة أو الانتظار "الوقت المهدور" بسبب اخطاء الغير.

بعض الشركات تعمد الى توفير سيارات لزبائنها، يسمونهم الزبائن المميزين أو "كبار الشخصيات". هؤلاء ونحن اليوم بتنا هدفا لبرامج ترويج لا تنتهي: دنانير اضافية في بوليصة التأمين لتوفير سيارة في حال دخول السيارة للمرآب. بطاقات تأمين متعددة الالوان ذهبية وفضية وبرونزية، بطاقات ائتمان تحل المشكلة ببضع دنانير اضافية. فنحن في النهاية في عرف الشركات لسنا سوى جيوب تنتظر من يغرفها.

قبل سنوات، جاء المهندس المعني من الشركة وقام بقياس المساحات التي نحتاجها لرخام الحمامات. وعندما تسلمت الكمية تبين انها ناقصة وبعد المراجعات تبين انه خطأ المهندس الذي دون الارقام الخطأ. لكن لكم ان تقرروا مشاعركم: رفضت الشركة تحمل مسئولية خطأ مهندسها ولم نجد مناصا من شراء الكميات الاضافية على رغم اننا دفعنا السعر مقدما.

احد المصارف، شكل لي صداعا استمر لشهور. قام المصرف باستبدال نظام الحاسوب لديه وتحديثه لكنه لم يستغن عن نظامه القديم. احد الاعراض الجانبية لهذا التغيير ان بعض الشيكات المسحوبة من حساب الزبائن المقترضين لا تظهر في النظام الجديد. الحل بسيط، يرفع موظفو قسم التحصيل سماعة الهاتف ويبلغون الزبون المعني انه لم يسدد قسطا او اثنين من اقساطه. بعد القلق، اهرع الى المصرف الذي اودع فيه راتبي لاستيضاح الامر فيتضح ان الشيك تم سحبه لحساب المصرف الاخر في الموعد المحدد. ادفع ثمن كشف حساب هو شهادة براءة وضعتها امام موظفي التحصيل. لكن الامر تكرر مرات عدة بل ان موظفي التحصيل أعادوا القصة الى مربعها الاول، كانوا يطالبونني بالشيكات الاولى التي تمت تسويتها لسبب بسيط ان الموظف تغير والسجل وما فيه من ملاحظات لم تتغير.

هل تعرفون ماذا يقول الموظفون كلما جلبت شهادة براءة جديدة؟ "سنرى"، "سنقوم بالتأكد". لا ينطقون ابدا بكلمة "نأسف على الازعاج". اما المصرف فلا يكلف نفسه عناء كتابة رسالة ينطق فيها بكلمة سحرية مكونة من 5 احرف: "نعتذر".

لست الوحيد من زبائن هذا المصرف الذي تعرض لهذا الموقف، فالاعطال التقنية لا ترحم بل تعمم الخطأ الى ابعد الحدود: العشرات من الزبائن.

على مدى سنوات احتكمنا لهذا الاستدراك الضروري: "التعميم خطأ". لكنه ليس سوى تعبير عن ترفقنا في وضع الامر على شكل اتهام معمم يؤذي مشاعر مستثمرينا وقطاعنا الخاص. هذا الاستدراك يتداعى يوما بعد يوم لسبب بسيط هو ان: هل لمستم العبرة في كل تلك القصص؟ العقلية البحرينية في التجارة والاستثمار: "لا تتحمل مسئولية اخطائها مع المستهلكين".

الاحساس بالرضا لن تناله لمجرد كونك زبونا، فالزبائن في عرف الشركات فئات وانواع: مميزون وعاديون وعابرون ايضا.

احد هؤلاء "العابرين" كان قد دخل مصرفا لاجراء معاملة. ولأن مظهره رث عامله موظف النضد بفظاظة دفعته للتوجه الى غرفة المدير غاضبا لكرامة اهينت وطلب سحب امواله المودعة من المصرف. تبين ان امواله المودعة بالملايين فأعلنت حال الطوارىء في المصرف وجند المديرون انفسهم لاقناع "العابر" الذي أاهينت كرامته بعدم سحب أمواله.

ها أنذا اتحدث عن "الكرامة"، وقبل ذلك كنت اتحدث عن "الاحساس بالرضا" و"الاعتذار"، أي بعبارة اخرى كل المفردات اللازمة لوصف علاقة تخلو من المشاعر بين المستثمرين والمستهلكين. هذا تعبير مترفق ايضا لقصة بحرينية صميمة لكي نحد من خيالنا قليلا وهو يتصور المدى الذي يمكن ان تصل إليه علاقة أصبحت ضرورة لكنها تخلو من المشاعر

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً