العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ

من انتخاب وولفوفيتز إلى استراتيجية استباق النزاعات

عودة التحالف القديم

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

في نهاية الشهر الماضي، انتخب مرشح جورج بوش، وأحد أبرز صقور الإدارة الأميركية، بول وولفوفيتز، بالإجماع على رأس البنك الدولي. ويعتبر المحللون السياسيون أن الموافقة الأوروبية "السهلة" نسبيا على الرجل الذي كان بين أبرز مهندسي الحرب على العراق التي فرقت بين الحلفاء في حينه، بمثابة تراجع من الاتحاد الأوروبي عن مواقفه السابقة. وبالتالي القبول بحصص غير معروفة الحجج من كعكات المصالح الموزعة على العالم. وقد جاء تأكيد هذا التحول بعد عرض عدد من المسئولين الأميركيين في "البنتاغون" وفي وكالة المخابرات المركزية الأميركية "السي آي إيه"، الاستراتيجية الأميركية في مجال استباق النزاعات، وضرورة، بل أيضا كيفية وحدود مشاركة الحلفاء فيها. على رغم اعتبار الكثير من الدوائر الأوروبية، في فرنسا وألمانيا تحديدا، أن ترشيح الرجل الثاني في البنتاغون، بول وولفوفيتز، أحد رموز المحافظين الجدد لمنصب رئيس البنك الدولي مكان جيمس ولفنسون، الذي تنتهي ولايته في أواخر مايو/ أيار المقبل هو بمثابة استفزاز للاتحاد الأوروبي، وخصوصا أن هذا الترشيح جاء مباشرة بعد تسمية الشخصية الأكثر تطرفا بين تيار المحافظين في الولايات المتحدة، جون بولتون، لتولي مهمات سفيرها لدى الأمم المتحدة، فإن القرار النهائي للأوروبيين جاء حاسما لناحية القبول بما فرضته واشنطن، حتى لو كان، في المقابل، حصولها على رئاسة المنظمة العالمية للتجارة. لقد دفع هذا "الانكفاء" الذي وصفه بعض المعارضين للتصويت بنعم على الدستور الأوروبي الذي يواجه اليوم معارضة شديدة في فرنسا، والذي من الممكن أن تؤدي إلى إسقاطه في الاستفتاء المحدد في الشهر المقبل، للتذكير بأن الموقف الأوروبي الغالب، المناهض لقرار اجتياح العراق، وبالتالي احتلاله، لم يكن في أية لحظة من اللحظات موقفا مبدئيا، أو أخلاقيا يتعلق بتجاوز منظمة الأمم المتحدة، والإخلال بتحالف الغرب. بل هو نابع في حقيقة الأمر من التباين بشأن نسبة الحصص التي سيتم اقتطاعها فيما بعد من ثروات هذا البلد الغني. ويرى المواطنون الأوروبيون في وصول وولفوفيتز إلى رئاسة الهيئة المالية الدولية الثانية الأكبر - إلى جانب صندوق النقد العالمي الذي ينفذ حرفيا سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية الضاغطة على الدول "المتمردة" أو "المارقة" في العالم الثالث - ليس نوعا من تكريس للهيمنة فحسب، بل دليل على عنجهية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث من جهة، ومن جهة أخرى، إثبات على التصميم على إذلال الحلفاء التقليديين في أوروبا "العجوز"، وإجبارهم على القبول بالمهمات العسكرية المكلفة، مقابل الفتات التي سيترك لهم. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى في الكثير من بقاع العالم.


التلاقي الجديد وشروطه

في الثامن عشر من مارس/ أذار الماضي، أعلن أحد كبار مسئولي وزارة الدفاع الأميركية دوغلاس فيت أن بلاده ستطبق الاستراتيجية العسكرية التي وضعتها بالنسبة إلى العقود المقبلة. وأكد هذا الأخير أن الاهتمام سيتركز، من الآن وصاعدا، على الإجراءات الاستباقية، الهادفة إلى منع النزاعات في المجال الأمني من أن تتحول إلى أزمات وتؤدي بالتالي إلى نشوب حروب في مناطق متعددة من العالم. ويرى خبراء الاستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية أن الإجراءات التي يتم الحديث عنها، تتضمن العمليات العسكرية المفضية إلى الاستقرار. كذلك، تحريك المبادرة القاضية بتحديد انتشار أسلحة الدمار الشامل، على النحو الحاصل حاليا عبر الضغوطات والتهديدات التي تمارسها الإدارة الأميركية لكل من إيران وكوريا الشمالية. ومن الإجراءات الأخرى الأكثر تعبيرا عن نوايا البنتاغون، كموضع القوات الأميركية في مواقع يمكن عبرها الانتشار بسرعة ولدى الحاجة. كذلك، تعزيز التعاون العسكري مع بلدان أخرى وفق سياسات انتقائية بحيث لا تكون بالضرورة هذه القوى الحليفة أوروبية، كيلا تطالب بالتالي ببدل خدماتها على شكل اقتطاع مصالح اقتصادية أو جغرا - استراتيجية. ولا يخفي المسئولون العسكريون الأميركيون أن الاستراتيجية الجديدة تهدف، إضافة إلى ما سبق وأشار إليه دوغلاس فيت، إلى إعادة تحريك عملية التنسيق مع الحلفاء، وإلى تنفيذ العمليات القتالية المشتركة معهم. كما يوحي هؤلاء إلى إمكان صوغ استراتيجية مشتركة من دون إعطاء معلومات وافية أكثر عن هذا التصور. ويكتفي خبراء البنتاغون بالإشارة إلى أنه يتحتم على الجميع أن يأخذ في الحساب ضرورة البحث عن الوسائل الكفيلة بحماية مصالحهم الوطنية وخصوصا في إطار الحرب على الإرهاب. وفي تبرير لقبول الحلفاء الأوروبيين منهم بصورة معينة، يلفت الخبراء لناحية أن الإرهابيين الموزعين في جميع أنحاء العالم وداخل الدول التي تتمتع بعلاقات تحالف وصداقة مع الولايات المتحدة الأميركية، تفرض على هذه البلدان التعاون بشكل وثيق، مع الابتعاد عن الحسابات والمصالح الضيقة. فمن الواضح أن واشنطن لجأت إلى الحديث عن استراتيجيتها الجديدة مع صدور تقريرين كبيرين عن وزارة الدفاع. الأول يتعلق بالتقرير السنوي بشأن استراتيجية الدفاع الوطني. والثاني، بالتقرير نصف السنوي بشأن الاستراتيجية العسكرية الوطنية. ويرتكز كل من التقريرين على الدروس والتجارب المستقاة من "تحرير" أفغانستان والعراق. كذلك، من العمليات الإنسانية التي نفذت في الكثير من المناطق في العالم. كما يستفاد من هذين التقريرين مراجعة الاستراتيجية الدفاعية لأربعة عقود ماضية، والتي ستنشر نتائجها في مطلع العام .2006 وفي سياق التوجه لاستيعاب الحلفاء مجددا، تحاول الولايات المتحدة الأميركية إقناع هؤلاء بإشراكهم في القرارات الاستراتيجية من خلال التشاور والتنسيق بشأن الوضعية العامة في ميادين الأمن والتهديدات الآنية والمستقبلية. كذلك، الوقوف على رأيهم في نوعية الوسائل المطلوبة لمواجهة المخاطر المشتركة. ويتعلق الأمر بتحديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتقليل من حظوظ نجاح انفجار أزمة ما في مكان معين. ويركز القسم الأكبر من التقرير الأول بشأن استراتيجية الدفاع الوطني، القائمة على ضرورة حرمان الشبكات الإرهابية من أي دعم أيديولوجي، سواء تعلق الأمر بتقديم الملجأ والسلاح، أو الوصول إلى الأهداف. لكن الخبراء الأوروبيين يرون أن الاستراتيجية العامة التي وضعوها أدت إلى نتائج إيجابية نسبيا، بغض النظر عن تفجيرات مدريد، وبأن ما تعرضه واشنطن لا يتجاوز التصور الشكلي وإعطاء الدروس في الوقت الذي تفشل فيه هذه الاستراتيجية يوميا في مواجهة هذه المخاطر، سواء في أفغانستان أو في العراق وحتى بعض دول الخليج التي تتخذها قواعد لقواتها. ولم يكتف هؤلاء الخبراء بهذا التشخيص الذي نقلوه إلى قياداتهم السياسية عبر تقرير أوروبي موحد في هذا الشأن، بل ذهبوا أكثر من ذلك في انتقاد الاستراتيجية الأميركية الغامضة الأهداف، بحسب رأيهم. كما انتقدوا، وبتهكم ملفت، ما رشح من حديث لوزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، خلال لقائه العاملين في البنتاغون يوم 16 مارس/ آذار الماضي، عندما أشار إلى أن "الأيديولوجيات المتطرفة أصيبت بضربة قاصمة عندما عمدت دول كأفغانستان لحماية المرأة وسجن الإرهابيين بدل حماية هؤلاء وسجن النساء!". كما اعتبروا كلام وزير الدفاع الأميركي القائل إن "الايديولوجية المتطرفة للعدو ستغيب نهائيا عندما يتخلص الشرق الأوسط الكبير من التسلط والعنف والتطرف، ونشوء مستقبل متسم بالتسامح، بمثابة تصور بعيد عن الواقع إلى حد التضليل، كما جرت العادة". ولم يتردد بعض المسئولين في وزارة الدفاع الفرنسية في الإشارة إلى مداخلة وزير الخارجية السابق، هوبير فيدرين في الملتقى عن الديمقراطية الذي عقده الأسبوع الماضي بالدوحة في قطر، إذ أعلن هذا الأخير أن "العرب لا يريدون الديمقراطية بشكلها الأميركي المطروح".


النوايا والخلفيات الأميركية

من ناحية أخرى، لم يتردد دوغلاس فيت في التعبير عن حقيقة النوايا الأميركية، ولو بشكل مبهم حيال الحلفاء، وخصوصا عندما ذكر أن مختلف القوى في العالم تبحث عن الوسائل الآيلة إلى الهجوم أو لتقليص مساحة المصالح الأميركية وفق عدة طرق، تحديدا، عبر الأدوات القانونية والفنية، وحتى الاقتصادية والسياسية. ففي إشارة مبطنة إلى مواقف وزير الخارجية الفرنسي السابق ووزير الداخلية الحالي، دوفينيك دوفيلبان، الأكثر قربا من الرئيس جاك شيراك، ذكر فيت أن بعض الأشخاص يحاولون "تجريم" السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما أن البعض الآخر يسعى إلى إقناع أطراف في العالم كي تتقدم بدعاوى قانونية غير مبنية على أسس ضد واشنطن. ذلك، في محاولة لممارسة ضغوط على مسئولين أميركيين. وفي التقرير المشترك الذي رفضه الخبراء الأوروبيون لقادتهم، ألمح هؤلاء إلى التشكيك في صدق نوايا الإدارة الأميركية. كذلك الخلفيات التي تتحكم في مسار علاقاتها الدولية، حتى مع الحلفاء. ويعتبر هؤلاء أن "الانفتاح المشروط" الذي بدأه الرئيس جورج بوش بعد انتخابه لولاية ثانية بزيارة بعض الدول الأوروبية، لا يبرر مقابلته بتقديم تنازلات أساسية على حساب مصالح دول الاتحاد في الكثير من المناطق. وذلك، في إشارة إلى كل من العراق وإيران. ويرى الخبراء أن التورط والنزف المستمرين للإدارة الأميركية في البلد الأول، وعدم القدرة على تحقيق الهدف المرسوم أحاديا بالنسبة إلى البلد الثاني، دفعا بواشنطن إلى مد يد التعاون والتحالف على الشكل الذي نشهده في هذه المرحلة. ويعتبر هؤلاء، في المقابل، أن التقرب من روسيا ومن الصين، سياسيا واقتصاديا، وحتى عسكريا بالنسبة إلى الأخيرة، من شأنه أن يعزز مواقع دول الاتحاد الأوروبي في رسم العلاقات التحالفية المستقبلية مع الولايات المتحدة الأميركية. أما الذي يزيد من شكوك الخبراء الأوروبيين، فهو العبارات التوضيحية التي أتى على ذكرها في مداخلته نائب مدير الاستراتيجية والخطط والمبادئ الرئيسية داخل رئاسة أركان الجيوش الأميركية الأميرال ويليام سوليشان، بشأن خلفيات العناصر التي تكون منها التقريران. إذ يعتبر هذا الأخير أن الضرورات بالنسبة إلى القوات المسلحة تكمن في مواجهة "المجهول"، مضيفا "انه يتحتم الاستعداد لتقبل كل المفاجآت". وردا على سؤال عما إذا كانت هنالك منطقة معينة من العالم يجب أن تحظى بالاهتمام الخاص للولايات المتحدة، أجاب هذا الأخير من دون أدنى تردد: "هذا سؤال غير مطروح ولا مقبول، لأن لأميركا مصالح في جميع أنحاء العالم ستدافع عنها مع ومن دون أخذ رأي أحد". جواب كاف يفسر الأبعاد الاستراتيجية الأميركية التي تجمع بين الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية. * محلل سياسي واقتصادي لبناني

العدد 947 - السبت 09 أبريل 2005م الموافق 29 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً