العدد 962 - الأحد 24 أبريل 2005م الموافق 15 ربيع الاول 1426هـ

بلوى... لكن "طنش"!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

مهمته متابعة ما يدور في وسائل الإعلام عموما، والصحف خصوصا، والنبش عن أية مشكلة أو موضوع يتناول دائرته أو يمسها - بحسب ما أرى - من قريب أو بعيد. .. يتابع الأمر مع تلك الوسيلة للوقوف على حيثيات الموضوع كاملة وتبيان المبهم وتأكيد الواضح الجلي... ولا شك - وفي الجهة المقابلة له - تنتظر تلك الوسيلة تعليقه على ما مس ولو شعرة من الجهة التي يمثلها... وتلك مهمته الأساسية ومجال عمله الذي يتقاضى عليه أجرا شهريا... أي أنه من المفترض أن يكون - وخصوصا بعد مرور ردح من الزمن على التحاقه بتلك الوظيفة - ملما بمهمات عمله ومدركا لها تمام الإدراك بحيث يقوم به على أحسن وجه من دون الحاجة إلى توجيه من أحد، أو أمر من مرؤوسيه... ولكن للأسف صاحبنا الذي نحن بصدد الحديث عنه، فاجأني ذات مرة، وأنا المنتظرة مهاتفته للبحث في موضوع نشر في الصحيفة وأظنه خطيرا فعلا ويكفيني ردود الفعل التي تلقيتها والمؤيدة كل التأييد لما ذكر والمفندة للموضوع بآراء وإضافات أخرى، لا أخفيكم علما بأنه اقشعر بدني عند سماعها... إلا صاحبنا ما كان قوله إلا: "لقد قرأت الموضوع وكم أثار استغرابي ودهشتي ولكني كنت "سأطنشه" لولا أمر "..." في الوزارة بضرورة متابعته"!

والسؤال الذي تبادر إلى ذهني بعد أن أنهيت تلك المكالمة التي أثارت حفيظتي على تلك الوزارة أكثر وأكثر: لو أن كل موظف أيا كان منصبه وموقعه الوظيفي أثاره موضوع معين ولكنه قال "سأطنش" فأي المشكلات سنحل وأي اعوجاج سنصلح؟

ذلك النموذج "المطنش" لمسته في آخرين من القائمين على العلاقات العامة في الوزارات والهيئات الحكومية الذين وجهت إليهم النداء تلو الآخر وكأني أستعطفهم للقيام بواجباتهم... وأخيرا تفاعلوا على الأقل بالمهاتفة وأخذ البيانات... ولكن في الغالب أكتشف أن ذلك التفاعل ما كان ليكون لولا توجيهات عظمى من السلطات العليا في وزاراتهم ربما في محاولة لبدء الإصلاح وهي خطوة نباركها وإن كان يبدو أنها أخطأت الطريق في وثوقها بأناس ما فتئوا يطلبون المعلومات "كل المعلومات" جاهزة معلبة من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتقصي... وإن صادف أن أولوا قليلا من الاهتمام بتلك المشكلة فإنهم في الغالب يقفون عند القشور متجاهلين اللب!... أما الردود فأعتقد أنها تنتقى وفق أمزجة معينة أو وفق ما هو في صالح الوزارة أو ضدها!

مقولة "إننا كنا "سنطنش" الموضوع لولا توجيهات من "..." بمتابعته" تجعلني أستنتج أن القصور ليس من الرؤوس الكبيرة في هيئاتنا ووزاراتنا وإنما في الرؤوس الصغيرة التي هي تحت إمرة الأكبر منها الذي ما إن ينشغل في أمور أكبر وأكبر حتى تبدأ تلك الرؤوس الصغيرة باتباع سياسة "التطنيش"!

والأغرب من الغريب نفسه عندما تطرح موضوعات عامة، ليست بخافية عن كل بصير، قد تحمل في طياتها بعض النقد لجهة معينة، فما يكون من هؤلاء إلا أن يشمروا عن سواعدهم مطالبين بالأدلة أو بالتوجيه إلى موضع الخلل نفسه الذي قد يقصد كاتبه التعميم قليلا لتبيان حجم المشكلة التي سمع بحدوثها من عدة جهات لا يمكن تجاهل عددها والتي ما إن "تطنش" حتى تتحول إلى ظاهرة أو "بلوى" يصعب السيطرة عليها أو يطالبون بمعرفة هوية كاتب المقال الذي ما اختار إخفاء اسمه إلا لعلمه بما سيحل عليه أو لرده بالأبواب الموصدة بالحديد كلما أراد التنبيه "لا أكثر" أو رفع شكوى إلى الرؤوس الصغيرة وليس الكبيرة... وأتساءل: أي دور ستؤدون إن كانت الصحافة ستضع يدها على الخلل وستوجه وتبحث في الأدلة وتدلكم إلى الطريق، علما أن كل مهمة من المهمات الملقاة على صحافي واحد أو كاتب مقال وقد يكون من القراء أنفسهم تخصص له في أية وزارة لجنة كاملة مكونة من عدة أشخاص أو قسم كامل؟!... لماذا لا تكلف تلك الجهات نفسها قليلا من العناء بتجاوز الإجراءات الروتينية ومغادرة المكاتب أو إعطاء توجيهات للجنة أو القسم المعني بالبحث في القضية ميدانيا والإنصات إلى الأصوات المنبهة للخلل وعدم "تطنيش" أية مشكلة صغيرة كانت أم كبيرة؟... أعتقد أننا في بعض المواقع المشار إليها بالخلل بحاجة إلى مداهمات فجائية بعيدا عن الزيارات المنظمة والمعد إليها مسبقا، هذا إذا أردنا كشف الخلل فعلا وليس محاولة إظهار التزامنا بالبروتوكولات الرسمية التي لن تنفع وإنما ستزين الطالح بالصالح حتى ليبين أننا نعيش الديمقراطية والشفافية الحقة وليس المزيفة!... وكفانا "تطنيشا"

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 962 - الأحد 24 أبريل 2005م الموافق 15 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً