العدد 4676 - الجمعة 26 يونيو 2015م الموافق 09 رمضان 1436هـ

القواقع والأصداف: في التاريخ والموروث الشعبي

أحد أنواع البزاقات البحرية
أحد أنواع البزاقات البحرية

تناولنا في سلسلة الحلقات السابقة جزءاً من تاريخ عددٍ من القرى والمناطق في البحرين، وهي جزء من سلسلة مقالات طويلة، وسنعود لتناول أجزاء منها في المستقبل القريب. في الوقت الراهن، سنتناول جزءاً من التراث البحري المجهول، الذي لم يتم تسليط الضوء عليه، واندثر جزء كبير منه، وبقي جزء آخر منه متناثراً في الذاكرة الشعبية. وتعتبر القواقع والأصداف جزءاً مهمّاً من التراث الشعبي، فهي تدخل في عدة أمور، كالألعاب الشعبية (مثل الحالوسة والترتور)، وأسماء المناطق والعيون (مثل أم الحصم وأم الشويلي)، وفي التجارة (كتجارة اللؤلؤ والمحار)، وكذلك تدخل في دراسة التاريخ القديم كالمعتقدات والطقوس القديمة، ويدخل في ذلك أيضاً ذاكرة المرض.

تنتمي القواقع والأصداف لمجموعة من الحيوانات تعرف باسم الرخويات، وقد عرفت بهذا الاسم لأنها لا تحتوي على دعامة داخلية، باستثناء وجود صدفة أو قوقعة في غالبية أنواعها. هذه المجموعة من الحيوانات منتشرة في العديد من البيئات، فمنها ما يوجد في المزارع، ومنها ما يوجد في المياه العذبة، ومنها ما يعيش على شاطئ البحر ومنها ما يعيش في أعماق البحار. وسنقتصر في دراستنا على مجموعتي القواقع والأصداف فقط، وهي تلك الكائنات الحية التي لها صدفة خارجية يختبئ فيها الحيوان الرخوي. يذكر أن هناك مجموعة أخرى من الرخويات ليست لها صدفة خارجية، منها حيوانات بحرية مشهورة مثل ما يعرف عند العامة باسم الخثاق (وفصيح الاسم الخذاق). أما المجموعة الأخرى فهي ما تعرف باسم البزاقات العارية، وهذه مجموعة تعرفها العامة بالعديد من المسميات. وهي تقسم بصورة عامة لمجموعتين، الأولى تتنفس الهواء وتعيش في المزارع، وتكثر عند سقوط الأمطار وتعرف باسم البزاقات العارية الأرضية land slugs، ومن هذه المجموعة ما يعيش على سواحل البحر.

أما المجموعة الثانية فلا تتنفس الهواء، وهي تعيش في البحار، وتنقسم لمجموعتين أساسيتين، أرانب البحر sea hares وبزاقات البحر sea slug. وتعرف بزاقات البحر عند العامة في البحرين بعدة مسميات منها، أم الزيت أو أبو الزيت، وذلك بسبب المادة اللزجة التي تفرزها. ومنها ما يسمى الونان أو إم، وقد زعمت العامة أن هذه الكائنات تصدر صوتاً كالأنين، ولذلك عرفت بهذه الأسماء. ومن أسمائها أيضاً: لحمة البحر، وأرنب البحر، وأم الريش وغيرها.

الأصداف بين تصنيف العامة والتصنيف العلمي

يقصد بالأصداف البحرية seashells الهيكل الخارجي لعدد من الكائنات الحية التي تنتمي لشعبة الرخويات والتي تعيش في البحر أو المياه المالحة بصورة عامة، وبالطبع هناك أصداف اليابسة وأصداف المياه العذبة والتي تمثل الهيكل الخارجي لكائنات تنتمي للرخويات تعيش على اليابس والمياه العذبة، وهذه الأنواع نادرة جداً في البحرين. وعادة ما تجمع الأصداف البحرية من قبل الهواة، وهناك العديد من المنتجات الصدفية التي كانت ومازالت تصنع حتى يومنا هذا. وتقسم الأصداف البحرية، عادة، إلى ثلاث مجموعات هي: الأصداف، والقواقع، والأصداف النابية (على شكل ناب الفيل).

ويجب التنويه هنا، إلى أن تصنيف العامة لهذه القواقع والأصداف يختلف عن التصنيف العلمي، وما يُؤسَف له أن البعض يغفل التصنيف العلمي ويعتمد تصنيف العامة. ومما تصنفه العامة على أنه من القواقع والأصداف وهو ليس منها، النو والخبان. فالخبان أو الخنبوب أو الخمبوب هي أنواع من السرطانات البحرية صغيرة (أي الگباگب) تعيش في قواقع الرخويات، وهي تنتمي لمجموعة القشريات. أما النو، فهي تلك الكائنات البحرية التي تلتصق على القوارب أو الحجارة أو الأخشاب أو أي جسم وجد في البحر، وهي شبيه بالأصداف إلا أنها تنتمي للقشريات.

الدراسات حول الأصداف في البحرين

هناك ندرة في الدراسات المتخصصة حول الأصداف في البحرين بصورة عامة، سواء تلك التي تتناول الأصداف في الحقب الدلمونية أو التي تتناولها في الحقب الحديثة، وإن غالبية المعلومات حول أهمية الأصداف في البحرين، في الماضي أو الحاضر، متناثرة بين الكتب والدراسات الأخرى غير المتخصصة. ربما يكون سبب ذلك هو عدم الوعي بأهمية هذا النوع من الدراسات، على رغم أهميتها لارتباطها بصناعات مهمة ربما كانت رائجة في البحرين منذ حقبة دلمون، وأيضاً ارتباطها بعادات وتقاليد معينة، وكذلك، فإن الأصداف جزء مهم من الموروث الشعبي، من حيث الاستعمال، ومن حيث المسميات ودلالاتها.

وبحسب المراجع التي اطلعت عليها، فإنه إلى الآن لم تصدر قائمة نهائية بأسماء جميع أنواع الأصداف في البحرين، وإنما هناك قوائم متناثرة في عدد من الدراسات. وتعتبر دراسة Smythe التي صدرت في العام 1972م أول دراسة ميدانية للأصداف البحرية في البحرين، وقد ذكر فيها 86 نوعاً من الأصداف البحرية (50 نوعاً من القواقع، و36 نوعاً من الأصداف). وفي العام 1983م قام Price وآخرون بعملية مسح للبيئات الساحلية والبحرية في البحرين وعملية حصر للكائنات الحية التي تعيش فيها، ومن ضمن تقريرهم كانت قائمة بالأصداف البحرية تحتوي على 44 نوعاً من الأصداف البحرية (20 نوعاً من القواقع، و22 نوعاً من الأصداف، و نوعان من الأصداف النابية) بالإضافة لعدد بسيط من الأصداف غير المصنفة. وفي العام 1988م قام Vousden بإعداد تقرير حول الموائل الساحلية والبحرية في البحرين والكائنات الحية التي تعيش فيها، وقد تضمن تقريره قائمة للأصداف البحرية التي تعيش على السواحل وفي المياه الإقليمية في البحرين، وتضم القائمة 138 نوعاً (85 نوعاً من القواقع، و50 نوعاً من الأصداف، و3 أنواع من الأصداف النابية) بالإضافة لأعداد بسيطة من الأصداف لم يتم التعرف عليها بصورة دقيقة.

أما الدراسة الأخيرة والمتخصصة لدراسة الأصداف البحرية في البحرين فقد أجراها Stephen Green وقد استمرت لعدة سنوات، وقد نتج عنها تقريران، الأول تقرير منشور صدر في العام 1994م على هيئة دليل للأصداف البحرية في البحرين بالاشتراك مع المصور Chouhfeh. ويحتوي الدليل على 171 نوع من الأصداف (59 نوع من القواقع، و103 أنواع من الأصداف، ونوعان من الأصداف النابية). أما التقرير الثاني فهو مسودة لقائمة بأسماء الأصداف البحرية في البحرين، لا أعتقد أنه نشر. ومحصلة تلك التقارير قائمة تضم قرابة 253 نوعاً من الأصداف البحرية (130 نوعاً من الأصداف و120 نوعاً من القواقع وثلاثة أنواع من الأصداف النابية).

الخلاصة

في هذه السلسلة من المقالات، التي سنتناولها في حلقات، سنسلط الضوء على جزء من التراث البحري المفقود، وهي محاولة أولى لجمع وتحليل التراث المتعلق بالقواقع والأصداف. لقد قضيت سنوات طويلة في جمع ما يتعلق بالتراث البحري، لاسيما، المعلومات الشفهية غير الموثقة وبالخصوص المتعلقة بالأسماء العامية للكائنات البحرية، ومطابقتها بالأسماء العلمية والعربية، ويبدو أن هناك تراثاً ثقافياً ضخماً حول الأصداف لم يوثق بعد، أو وثق ولكن ليس بالصورة العلمية الصحيحة. وحتى توثيقنا هذا ينقصه الكثير، ولكنه محاولة أولى تنتظر التطوير.

العدد 4676 - الجمعة 26 يونيو 2015م الموافق 09 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً