العدد 4677 - السبت 27 يونيو 2015م الموافق 10 رمضان 1436هـ

العنصر النسائي في الفريق الطبي والأدوار المُكمِّلة منذ 1914

«عمل مستشفيات الإرسالية الأميركية في السعودية 1913 - 1955...

الملك عبدالعزيز والطبيب هارولد ستورم في الأربعينات
الملك عبدالعزيز والطبيب هارولد ستورم في الأربعينات

انتهى الجزء الثاني من استعراض كتاب «أطباء من أجل المملكة... عمل مستشفيات الإرسالية الأميركية في المملكة العربية السعودية 1913 - 1955»، الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز في العام 2004، للطبيب بول أرميردينغ، وترجمة الأكاديمي عبدالله ناصر السبيعي، بتبيان الطبيب ويلز توماس الغرض من زيارة الوفد الطبي الأخيرة، وحدَّده في تقديم العلاج لعدد من أفراد الأسرة المالكة، مشيراً إلى أن الأطفال والأحفاد مثلهم مثل كثيرين كانوا يعانون من التراخوما التي كانت شائعة في المنطقة، وأن بعض الحالات تتطلَّب علاجاً طبياً، وأخرى جراحياً. في الجزء الثالث والأخير من استعراض الكتاب، سنتناول الفصل التاسع من كتاب أرميردينغ، والذي حمل عنوان «سيدات لمعالجة النساء المريضات»، إضافة إلى الفصل الأخير منه والذي خصصه الكاتب للتعريف بالشخصيات الرئيسة والمؤسسات التي ورد ذكرها في الكتاب، وارتأينا تبنِّي منهج الكتاب بتركها في نهاية الاستعراض لأن الإشارة إليها في أثناء التناول قد يطول؛ ما يربك القارئ، ويفقد تواصله مع المادة والترتيب في المذكرات التي وردت على لسان تلك الشخصيات أو غيرهم.

ثمة أدوار مُكمِّلة وضرورية للنساء في تشكيلة الوفد الطبي الذي تعاقبت زياراته إلى المملكة العربية السعودية منذ العام 1914، وما أعقبها من سنوات؛ وما كان للوفد الطبي أن يطلع بدوره، وما كان للنساء أن يحظين برعاية صحية جنباً إلى جنب ما يحظى به الرجال لولا وجودهن في الوفد؛ وإن كانت بداية طلبهن ضمن الوفد تحدَّد في علاج بعد أفراد الأسرة المالكة، إلا أن الوفد واصل مهمته بإجراء عمليات وإشراف طبي على المواطنين من الجنسين.

في مجتمعات محافظة وتقليدية؛ مع تطلب تلك المرحلة مع ندرة التعليم والجامعات، وتوافر التخصصات التي تحتاجها أي دولة، وخصوصاً في مجال الرعاية الصحية والطبية، كان لابد للوفد الطبي التابع إلى الإرسالية الأميركية أن يضع في اعتباره أنه وإن كانت بعض الأمراض لا تتطلَّب من أي مجتمع أن يكون متحفظاً أو متمنعاً عن مباشرة الرجال لمعالجة أو تشخيص بعض الأمراض؛ إلا أن بعض الأمراض تتطلب مثل ذلك التحفظ والامتناع لا التمنع فحسب؛ علاوة على أن الوفد الطبي كانت من مهامه معالجة بعض أفراد العائلة المالكة التي كان من بين أفرادها نساء وفتيات، وبالتالي الترتيب ذاك في تشكيلة الوفد الطبي؛ بتوافره على العنصر النسائي؛ تم إما تحسُّباً ومعرفة بخصوصية مجتمع شبه الجزيرة العربية من جهة، وإما بطلب من الملك مباشرة أو أحد أفراد عائلته؛ وحتى بعض العائلات الكبرى ذات الحظوة والنفوذ في المجتمع.

بيرسم ورحلة العام 1914

جوزفين فان بيرسم، هي مسئولة عن إدارة مستشفى تومس التذكاري، وحلَّت مكان الطبيبة تيفاني في يونيو/ حزيران 1933.

لها في ممارسة المهنة ثلاث وعشرون سنة منذ أن تم تعيينها ممرضة في «الإرسالية الأميركية». كانت اللغة العربية مدخلاً ضرورياً للارتباط بسكَّان البلاد.

في العام 1914، كانت جوزفين بيرسم على موعد مع مهمة تم ترشيحها لها من قبل الطبيب بول هاريسون كي تصحبه في الرحلة الثانية إلى القطيف. هذه المرة بطلب من أميرها الذي أراد طبيبة تعالج بعض نساء أفراد أسرته. خبرتها في العمل مستقلة؛ ليس لمعالجة الشيخات فقط؛ بل أولئك الذين يرتبطون بهن من عائلات وأصدقاء.

يشير أرميردينغ إلى أن جوزفين باتت أمام تحدٍّ جديد وتجربة مختلفة بعد تلقى الطبيب لويس ديم طلباً مُلحَّاً من الملك عبدالعزيز آل سعود لإحضار طاقم طبي إلى الرياض «وأضافت هذه الدعوة طلباً مُحدَّداً لإحضار حكيمة أو ممرضة. خرجت المجموعة من البحرين بعد الاستعداد العاجل مُبحرة إلى ميناء العقير في 26 يوليو/ تموز».

وصف للطريق من البحر، إلى وسيلة المواصلات التي باتت مألوفة ومُيسَّرة للملوك والأمراء وطبقة الأثرياء (السيارات والشاحنات)، مروراً بالصحراء وتفاصيل العناء ومشقة العبور. الحرص والاحتفاظ بأكبر ثروة بالنسبة إلى عابري الصحراء (الماء)، ورود آبار بعض مائها لن تنظر إليه وأنت في سعة من أمرك، لكن الأمر مع الصحراء يختلف؛ إذ ستراه وترشفه كأنه ماء زلال، وهو ليس كذلك. تكتب جوزفين «كان بعض الماء الذي نشربه أيضاً أي شيء، لكنه ليس خيارنا؛ إذ لم يكن نظيفاً أو سائغاً؛ بل كان مرطِّباً، وهذا هو المطلب الرئيس. لا أحد يستطيع أن يكون مهتمَّاً بالتفاصيل الدقيقة وهو في رحلة». وليست أي رحلة!

بالوصول إلى المدينة التي ينالها جانب من الوصف... «بدا مظهر مدينة الرياض مُشابهاً لمظهر مدن العصور الوسطى بأسوارها وأبراجها».

بوصول الوفد الطبي تم تخصيص نصف منزل لجوزفين وإليزابيث ديم، مع مرافقاتهن من النساء القادمات من البحرين. المنزل يخص شقيق الملك. في المذكرات إشارة إلى أن جوزفين قوبلت بتقدير كبير داخل الأسرة المالكة، وللتعبير عن ذلك التقدير تمَّت دعوتها والنساء من الوفد إلى مجلس يلتقي فيه الملك عبدالعزيز قريباته كل ظهر يوم جمعة.

أرميردينغ يتأخر في تنقلاته وإيراد الملاحظات العابرة، والوصف الممتد أحياناً، في توضيح الهدف الرئيس من الزيارة العاجلة؛ أو على الأقل جانب من تفاصيلها. يفعل ذلك بعد إطناب!

هدف الزيارة علاج أميرتين

«كان الهدف من الرحلة إلى نجد، العلاج الطبي لسيدتين من أسرة الملك عبدالعزيز، أجريت لكل منهما عملية جراحية من قبل الطبيب ديم، وتم تمريضهما بمهارة تامة وحنان من قبل فان بيرسم، وبمساعدة ماهرة من الممرضة جريس. أجريت العملية في القصر الملكي في البديعة الواقعة على بعد تسعة كيلومترات من مدينة الرياض. كانت العملية الأولى هي الأكثر صعوبة، وتطلَّبت عناية متواصلة؛ لذا انتقلنا إلى البديعة وعشنا هناك مدة أسبوعين». وعن العملية الثانية تشير جوزفين إلى أنه عندما أجريناها «استقرَّت المريضة في جناحنا في القصر مع أطفالها وخدمها وعبيدها، عدنا إلى منزلنا في المدينة».

ستتكرر زيارات الوفد الطبي المتضمِّن ممرضات وطبيبات بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية، وكله باستدعاء وطلب كما يُلاحظ في كثير من الشهادات والمذكرات، وحتى التعليقات التي يوردها أرميردينغ. سيهيَّئ لجوزفين في العام 1935 «معاودة زيارة صديقاتها في وسط الجزيرة العربية مباشرة بعد شهور».

في تفاصيل مباشرة الحالات أثناء وجودهن في الرياض، تشير مذكرات الطبيب جيريت فان بيرسم إلى أن الوفد (الطبيب جيريت ديم وزوجته جوزفين) يستقبل نحو 300 حالة كل يوم ما عدا يوم الأحد «كان من الصعب على زوجتي أن تمشي من المستشفى وإليه حيث ذهبت كل السيارات إلى مكة؛ ولذا وُضع الآن تحت تصرفنا سيارة واحدة فقط؛ ومع ذلك ظل برنامجنا مزدحماً تقريباً».

تُظهر رسالة من بين رسائل أخرى كتبتها فان بيرسم إلى أن أطباء الإرسالية في الرياض بقوا خمسة أسابيع. بقي الطبيب ومساعدوه مشغولين للغاية؛ ففي كل صباح يقدم نحو مئتي رجل، والعدد نفسه من النساء طلباً للعلاج. «يفتح المستوصف أبوابه في العادة عند الساعة 1:30، وتخصص فترة ما بعد الظهر لإجراء العمليات الجراحية؛ إلا أن الطبيب يظل يعمل في بعض الأيام حتى الساعة 8:00 مساء».

الطبيبة إستر بارني

من بين الطبيبات اللاتي قُدِّر لهن القيام بزيارات إلى المملكة العربية السعودية ضمن الوفد الطبي، الطبيبة إستر بارني؛ إذ قامت بخمس رحلات إلى الرياض، وتوضح ذلك رسائل ومذكرات كتبتها جاء في جانب منها «كانت هناك رحلة في العام 1942 مع الطبيب هاريسون وزوجته. كانت رحلة صعبة بسبب حرارة شهر أغسطس/ آب وتزامنها مع شهر الصوم، ولم أكن بصحة جيدة أيضاً. وعلى أية حال، جدَّدت تعارفي مع أسرة الملك، وعالجت حشْداً مُندفعاً من النساء اللاتي تدفقن إلى داخل العيادة. كما أدارت أيضاً عيادة في قصر الملك لمعالجة الرقيق المحتاجين للعلاج. وفي العام الماضي (1941)، أرسل الملك مرة أخرى يطلب قدومي خصصياً لعلاج واحدة من الملكات (تقصد الأميرات)، وبعدئذ، وفي مطلع هذه السنة أرسل ابن سعود مرة أخرى».

من جانبه، ترك الطبيب هارولد ستورم، جزءاً من تفاصيل إحدى رحلات الطبيبة إستر بارني إلى الرياض؛ إذ في شهور شتاء العام 1943، كان الطبيب ستورم يزور الرياض بطلب من الملك عبدالعزيز، وحينها طلب الملك قدوم الطبيبة إستر لمعالجة بعض نساء الأسرة المالكة. «استجابة لبرقية الطبيب ستورم، ردَّ عليه الطبيب بول هاريسون بأن الطبيبة إستر بارني مشغولة بمعالجة أفراد من الأسرة الحاكمة في البحرين. احتار ستورم في كيفية إبلاغ هذه الأخبار إلى الملك (...) عندما زار هارولد ستورم الملك عبدالعزيز، اكتشف أن الملك على علم بفحوى برقية الطبيب بول هاريسون، وكان مُغتاظاً. وكان أفضل ما يستطيع الطبيب ستورم تقديمه هو التدخل باسم الملك (...) وأثمرت الاتصالات التالية، فقد أفاد هاريسون بأن الطبيبة إستر بارني قرَّرت القدوم إلى الرياض، وكانت تلك الأخبار كافية لإرضاء الملك».

طبيبات وممرضات

زرن السعودية

من بين اللائي قُيِّض لهن مرافقة الوفد الطبي التابع إلى الإرسالية الأميركية، في زياراته المتكررة إلى السعودية، الطبيبة ناريون ويلز تومس، وهي زوجة شارون تومس، وإليزابيث ديم، زوجة لويس ديم والتي عينت في العام 1919، وخدمت في البحرين حتى العام 1936، والممرضة كورنيليا دالينبرغ، والتي عينت في العام 1921، وخدمت في البحرين والبصرة والعمارة في العراق والكويت، وقامت بجولات في السعودية وقطر، وكذلك الطبيبة إستر بارني إيمس، والتي عينت في العام 1927، وهنالك إيدا باتيرسون ستورم، زوجة هارولد ستورم.

إضاءات على الأعلام

الإضاءة ولو كانت عابرة لبعض الأعلام الذين وردوا في الكتاب، تظل ضرورية كجزء مُكمِّل للأدوار التي وقفوا وراءها وقاموا بها، والخلفيات التي جاءوا منها.

من بين أولئك الأعلام، الطبيب سي تانلي ج ميلريا، الذي عُيِّن في العام 1906، ودرس اللغة العربية، وعمل في البحرين. وما بين العام 1907 - 1912م، ومن ثم بعد إجازة طويلة أعيد تعيينه في الكويت العام 1914؛ حتى تقاعد في العام 1941. عاد إلى البحرين في العام 1944، وعمل حتى تقاعد مرة أخرى في العام 1947. كان ميلريا أول أطباء الإرسالية اتصالاً بالملك عبدالعزيز آل سعود.

بول هاريسون

تم تعيينه في العام 1909، ووصل إلى البصرة في العام 1910؛ إذ درس اللغة العربية حتى تم نقله إلى المحطة النائية الجديدة في الكويت في العام 1911. تم نقله في العام 1913 إلى البحرين، وعمل حتى العام 1922؛ ليعود إلى الكويت في العام 1924، ثم نُقل إلى البحرين مرة أخرى في العام 1925. عمل في عُمان خلال الفترة ما بين 1928 - 1938م. عاد مرة أخرى إلى البحرين ليعمل بها في العام 1941 حتى مغادرته في إجازة طويلة العام 1948، ليتقاعد في العام 1949؛ إلا أنه عاد من تقاعده ليعمل في البحرين مرة أخرى خلال الفترة ما بين 1952 - 1954م. قاد الطبيب هاريسون أولى الجولات الطبية للإرسالية في المملكة العربية السعودية أولاً إلى المنطقة الشرقية ثم إلى الرياض.

جوزفين فان بيرسم

جوزفين فان بيرسم، عُيِّنت ممرضة في العام 1910، وتزوجت جيريت فان بيرسم في العام 1913، ومنذ ذلك الوقت تطابق عملها مع عمل زوجها كممرضة، وكانت غالباً ما تعمل دون عون من طبيبة. عُهدت إليها إدارة واسعة من الخدمات للنساء المريضات، كما رافقت أطباء الإرسالية في جولات إلى المملكة العربية السعودية بدءاً من العام 1914، ومُدِّدت خدماتها في أربعينيات القرن العشرين الماضي، لتتقاعد وزوجها في العام 1947.

لويس ديم

تم تعيين لويس ديم في العام 1919، وبدأ دراسة اللغة العربية، وبقي يعمل في البحرين حتى العام 1936، عندما انتقل ليعمل لدى شركة ستاندر أويل كاليفورنيا العربية (كاسوك) في مدينة الظهران بالمملكة العربية السعودية. قدَّم الطبيب ديم خدمات طبية مكثفة للملك عبدالعزيز وأسرته وشعبه، ونال تقديراً عالمياً لوصفه تنقلاته في المملكة العربية السعودية.

المترجم... السبيعي

يُذكر، أن مترجم الكتاب، عبدالله السبيعي من مواليد 1364هـ (1945م). حصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الرياض (الملك سعود) العام 1970، وعلى درجة الماجستير في التاريخ من جامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة الأميركية العام 1975، وعلى درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة ميتشيغان العام 1980.

يعمل حالياً أستاذاً مُشاركاً في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض.

شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية.

من أعماله المنشورة:

«اكتشاف النفط وأثره على الحياة الاقتصادية في المنطقة الشرقية 1932 - 1960»، دراسة في التاريخ الاقتصادي.

«الحياة العلمية والثقافية والفكرية في المنطقة الشرقية 1930 - 1960».

«الحملة العسكرية العثمانية على الأحساء والقطيف وقطر العام 1871م أسبابها ونتائجها»، دراسة تطبيقية.

اقتصاد الأحساء والقطيف وقطر أثناء الحكم العثماني الثاني 1871 - 1913»، دراسة وثائقية.

أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى وولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبدالعزيز
أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى وولي العهد السعودي الأمير سعود بن عبدالعزيز
المنزل الذي استُخدم كمستشفى في الهفوف في الخمسينات
المنزل الذي استُخدم كمستشفى في الهفوف في الخمسينات

العدد 4677 - السبت 27 يونيو 2015م الموافق 10 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً