العدد 4678 - الأحد 28 يونيو 2015م الموافق 11 رمضان 1436هـ

حين يكون لكائنات الظلام دورٌ في التنوير

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أصبح من البديهي اليوم أن تتوافر الحاضنات لكل مدفوع لشقِّ الصفِّ، وإثارة الفتن، وترويج الكراهية، والحضِّ عليها. أصبح من البديهي أيضاً ألاَّ يخشى أولئك عقاباً ينتظرهم؛ أو قانوناً يستجوبهم ويُحاسبهم؛ أو ضميراً - أساساً - يحول بينهم وبين ذلك الفجور الذي تجاوز حدوده وبلغ مداه؛ ما داموا في استمراء للممارسة؛ ومادام الضوء الأخضر مفتوحاً لهم كي يقوموا بالأدوار بالوكالة، ليتوارى الذين يتوَّلون الدفع خلف المشهد والصورة، لترك البذاءة والغِلِّ يمارسان الأدوار. وليذهب مكوِّن؛ غالباً كان أو في الهامش من الإحصاء إلى الجحيم؛ ماداموا - هذه المرة أيضاً - استووا على جنَّتهم المُتوَهَّمَة؛ ولو على حساب خراب وطن، وضياع أمَّة، والتواطؤ مع مشروع للتفتيت يتم إحياؤه من جديد بفعل مسوخ الداخل ومباركة مواقفهم المشبوهة من قبل الخارج!

وأصبح من البديهي جداً، أن يتصدَّر الصفوفَ التافهون، والفاشلون وأنصاف المتعلِّمين، ومن لا يُحسنون في الحياة صُنْعاً، ومن هم بانقطاع ممارستهم وأدوارهم تلك، سيجدون أنفسهم في بريَّة مُوحشة؛ ولو كانوا في مدن معزولة تكتظ بأشباههم ممن لا علاقة لهم بالناس، ولا علاقة لهم بالحياة خارج الأسوار في مدن الردْم الجديدة التي أتيحت لهم، نظير سقوط في تناميه اللانهائي، ونظير التماهي مع الكارثة!

فمن مُنظِّرة «سِكيك» إلى مُنظِّرة تُخطط لخروج بلد من أزمته، التي تسهم في تعميقها، وتأبيد إغلاق الأفق أمام حلول لمشكلاتها، بمطالبات لا تنتهي؛ وممارسة مزيد من القمع والتمييز؛ عدا الصفاقة والبذاءة في اللغة، والمزايدة التي باتت مكشوفةً حتى من قبل القطيع الذي تبع هُراءها أول الأمر، ومازال يتبع هراءها في الرمق الأخير من الإفلاس المكشوف، والتكرار الباعث على الضجر والقرف في الوقت نفسه، مروراً بحارس بوابة سابق، أصبح بقدرة قادر كاتب عمود يطالب بإعدام الديمقراطية، ويتشفّى على أحوال بشر وكأنهم سيُنقصون من عمره؛ أو سيُنقص من أعمارهم، أو سيُصادرون رزقه أو سيُصادر أرزاقهم، وهو الذي له في الخبايا والمستور قصص تضعه في حجمه الطبيعي؛ إن كان للخبايا وكشفها حجم أساساً؛ وصولاً إلى كُتَّاب يساريين «تقدُّميين» يمثِّلون آخر صيحات الطبعات المُنقَّحة والمستفيضة إضافاتها، من الرجعية الحقيقية على مستوى المواقف في الوجود، والخيار، والنظر الحُرِّ؛ باصطفافهم مع التخلُّف والعنصرية والتمييز؛ وكل ذلك نظير مبلغ وقدره، مقطوع آخر الشهر، أو ما تبقَّى من كرامة وشرف! كأن قيمة أحدهم بتلك الدفعات المغموسة بالدم والانتهاكات، وكل ما يحط من قيمة البشر!

مثل تلك النماذج من أشباه البشر المُتعطشين للدمار والخراب؛ مادامت مصالحهم، وحركة «الرِشا» وأرصدتهم في حركة دائمة؛ لا يمكنهم الحرص على الأوطان بقدر حرصهم على منافعهم ومصالحهم وأطماعهم والتمسُّك بعُقدِهم وأمراضهم. مثل أولئك لا يُؤتمنون على «حُوطة غنم» عدا ائتمانهم على وعي الناس الذي يعبثون به ليل نهار؛ توظيفاً لطاقاتهم في الكذب والتحريف، والتجنِّي والتزوير، واللعب على عواطف طيف من الشارع، بعضه لا يُفرِّق بين فيفي عبده وماري كوري، أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، والوحيدة التي حصلت عليها مرتين، في الفيزياء وأخرى في الكيمياء!

ومثل تلك النماذج لن تسمع لها صوتاً، ولن يكون لها حيِّز حتى في نهايات وأطراف المشهد الذي تحتلُّه في الوقت الراهن؛ إذا عادت أوضاع الأوطان والناس إلى استقرارها؛ في توجُّه صادق للبحث عمَّا يضع حدّاً لمفازات من المآسي والتجاوزات والانتهاكات والاستباحات. لحظتها سينشغلون بالغِلِّ والمؤامرات التي تعيدهم إلى الصدارة المؤقتة؛ تماماً كأي أداة تم إيجادها للاستخدام المؤقت؛ في محاولةٍ لإرجاع زمنهم البائس بكل انحطاطه وتفاهته، كي يُثبِّتوا لهم سطوراً في كشوف الرِشا وقوائم الفساد؛ فالأرقام الفلكية تُحدِّثنا عن أمرٍ يشبه المُعجزَة يقوم به أولئك. أرقام لا يتقاضاها من هم بدرجات الأستاذية في أعرق الجامعات؛ فيما حظُّ أولئك من المعرفة، الجهْل والتجهيل، وليُّ عنق الحقائق، والصراخ لمزيدٍ من الالتفات لأدوارهم البائسة واليائسة؛ عدا التدخلات الجراحية المُنهِكة التي تتم من قبل لغويين كي يخرج الهراء الذي يأتي على هيئة رأي إلى الناس في الصورة التي تتناسب والأرقام الفلكية التي يتقاضونها!

أولئك، هم من يَحُول بين حق الناس في الاستقرار، والحياة الحُرَّة الكريمة، بذلك النفخ النتن في نار الفتن؛ والتحريض على ممارسة مزيد من خنق الحياة في حدود مُكوِّن على حساب مكوِّن آخر. مثل أولئك هم عار الحياة الأبدي، ومثل أولئك أدلة على هوان الدنيا على الله حين يكون لكائنات «الظلام» دور في «التنوير»، ولكائنات مصِّ الدماء والثروات - بالفساد المطلق في التحريض - دور في المساواة والعدالة وتجريم التمييز!

مثل أولئك هم من يقدِّم صورة ونموذجاً؛ وأدلة في كثير من الأحيان، على أن الحياة لا تستحق أن يأخذها أحدنا طولاً وعرْضاً، وأنها في الهزيع الأخير من قيمتها ومعناها وجدواها؛ لأن مثل أولئك وأشباههم ممن لا قيمة ولا معنى ولا جدوى يُتلمَّس منهم، هم من يُحدِّدون شروطها والقيم التي تحكمها!

ليس أصحاب الفطنة والذكاء الحاد من يمكنهم اكتشاف الفارق بين عوار الحياة وصلاحها باستتباب الأمور لتلك النماذج من مصّاصي الدماء والمتطفلين عليها؛ حتى هم، بينهم وبين أنفسهم من دون الحاجة إلى اعتراف أو إقرار مكتوب منهم، يعلمون بأنهم أحد مصادر تسميم الحياة واضطرابها وضياع الموازين فيها!

بعد كل ما ذُكر، من تُراه سيتصدَّر المشهدَ في شقِّ الصفِّ، وإثارة الفتن، وترويج الكراهية والحضِّ عليها غير التافهين، والفاشلين وأنصاف المتعلِّمين؛ ممن يُسجِّلون أرقاماً فلكية من المنافع تثبت تفاهة وبذاءة هذا الزمن الذي يقود الرأي فيه مثل أولئك بامتياز! وذلك من هوان الدنيا على الله أيضاً!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4678 - الأحد 28 يونيو 2015م الموافق 11 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:48 ص

      الانبياء والرسل

      لقد ارسل الله الانبياء والرسل لهداية الناس ونبذ العنصريه ولاتمام الاخلاق ومن واجب الانسان لاخيه الانسان كف الاذى عنه سواء باللسان او اليد وهل من متعظ يتعظ وها الله الجميع

    • زائر 1 | 3:26 ص

      يا الله

      هل يكون لهؤلاء البشر دور في الحياة غير نشر الظلام ؟
      "لو عدلت الدنيا قيد انملة ما سقى منها الكافر قطرة ماء"

اقرأ ايضاً