العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ

يا حسرة على المسلمين في شهر رمضان المبارك

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يشعر المرء بألم شديد وحسرة أشد لأن كثيراً من المسلمين لم تعد لهم صلة بالإسلام. هذا الدين القيم وهذا الرسول الكريم، وهذا القرآن العظيم، لا نستحقه بل لقد أضعناه في أقدس مظاهره، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونحن نقتل بعضنا بعضاً بدم بارد، كوحوش مفترسة لا صلة لها بالإسلام وقيمه ومبادئه ولا صلة لها بأية إنسانية على الإطلاق، لأنه لا يمكن تفسير ما حدث في مسجد الإمام الصادق في الكويت أو في مساجد عدة في السعودية أو اليمن، أو مصر في رمضان منذ عامين، أو ما يحدث من قتل في الأنبار من قوات يفترض أن تقوم بالعكس ولكنها تسرق وتنهب وتدمر الديار أو من «داعش» في سورية والعراق وليبيا وغيرها.

أية دولة إسلامية وأية خلافة أو إمامة إسلامية؟ حاشا أن ينطق أي من محترفي القتل وسفك باسم الإسلام. هل رأى أحد يهودياً يقتل أخاه اليهودي في المعبد أو يدمره؟ وهل رأى أحد قيام مسيحي بقتل أخيه وهو يصلي في الكنيسة بغض النظر عن مذهبه أو طائفته؟ وهل رأى أحد بوذياً أو هندوسياً يقتل أخاه في معبده؟ الوحيدون الذين يقتلون خارج كل القيم الإنسانية هم من يسمون بالمسلمين، وهذا اسم شريف لا يجب أن نطلقه على أنفسنا إذا بلغنا هذه الحالة من التوحّش اللاإنساني. فلا توجد دولة عربية أو أسلامية لا يسفك المسلمون دماء بعضهم باسم الدين أو الخلافة... وغيرها من المسميات. أنها السياسة أيها الحقي والأغبياء، واعتذر عن استخدام هذه الكلمة ولكنها اقتباس من برنارد شو في أحد كتبه لارتباطها بالسياق، فالدين لا يمكن أن يسمح بمثل هذا القتل الوحشي في الكويت أو العراق أو سورية أو أي بلد. إنها السياسة الغبية التي تقوم على شهوة السلطة وتدمير الآخر أياً كان.

إن تاريخنا للأسف ليس ناصعاً بل هو ملطخ بالدماء، ليس بدماء أعدائنا فنحن نسالم ونخضع للأعداء ونستأسد علي إخوتنا في الوطن والعقيدة. والمحرضون على كراهية الآخر أشد جرماً من القتلة وكما قال القرآن الكريم بأن الفتنة أشد من القتل، كما أن الصامتين أسوأ حالاً، فالصامت عن الحق شيطان أخرس.

إنني أتساءل بحزن شديد: أين القيم الإسلامية؟ أين التسامح الإسلامي الذي نتحدث عنه كثيراً ولا نعمل به ولو قليلاً؟ وأين حرمة الدماء التي قال عنها الرسول الكريم في خطبة حجة الوداع؟ وأين حرمة أوطاننا ومساجدنا وبيوتنا وأرواحنا وأين حرمة شهر رمضان؟

إننا بقتل بعضنا بعضاً في المساجد، نرتكب ثلاثة ذنوب خطيرة، سفك الدماء وانتهاك حرمة المساجد وحرمة شهر رمضان وحرمة الصلاة للآمنين الركع السجود، فهل يمكن لأحد منا أن يدعي أنه مسلم بعد أن يقتل أخاه وهو في دار الأمان بالمسجد؟ إن الوحوش المفترسة تستحي أن تقتل بعضها كما نفعل نحن الذين ندعي الانتساب للإسلام.

إننا فقدنا الوعي ونعيش في غيبوبة، فهل نحن عرب أو مسلمون حقاً؟ وأين الشهامة والنخوة العربية؟ لقد كان كبار مكة قبل الإسلام لهم دار الأمان (دار الندوة) وحلف الفضول، ونحن ندّعي الإسلام وليس لأحد منا أمنٌ ولا أمان ولا عهد ولا حرمة؟ فنحن نقول ما لا نفعل ونكذب على أنفسنا وعلى ديننا وطوائفنا وأوطاننا. وحتى الحضارة الأوروبية المعاصرة لم تصلح ممن يسمون مسلمين هاجروا وعاشوا بل بعضهم ولد هناك في دول غير إسلامية، فعادوا يقتلون ويسرقون وينهبون وينتهكون كل الحرمات باسم الجهاد الذي هو برئ من سلوكهم ولم يستبعد النساء والأطفال. فالجهاد الحق كلمة مقدسة لا يمكن أن نطلقها على من يرتكبون تلك الجرائم النكراء، ويجب ألا ينتسب أحدنا للإسلام أو للطائفة السنية أو الشيعية لأن الجميع متورط بصورة أو بأخرى في تلك الجرائم من الأنبار والرمادي إلى مساجد الشيعة في الكويت والسعودية وباكستان، إلى مساجد مصر باسم الشرعية، تلك الكلمة البريئة منا جميعاً، و»لكنها السياسة يا غبي» كما قال برنارد شو.

لا يقول لي أحد أنه يدافع عن هذا المذهب أو ذاك، أن عبدالمطلب عم النبي (ص) كان أكثر عقلانية من أي منا عندما تحرك أبرهة لهدم الكعبة، وفي الطريق استولى على غنم عبدالمطلب فذهب إليه وطالبه بإعادة غنمه، فرد عليه: كنت أظنك سوف تتحدث عن الكعبة، فقال قولاً بليغاً: «إن الغنم لي أما البيت فله رب يحميه».

إن الروح الإنسانية هي مسئوليتنا، أما اختلاف المذاهب فأمره متروك لله، ويجب أن نتعامل جميعاً كمواطنين في دولنا. وقد كان الأوربيون أكثر عقلانية منا عندما عقدوا معاهدة وستفاليا (1648) ليضعوا جانباً الحروب الضروس بين الكاثوليك والبروتستانت، ونحن نتقاتل باسم مذاهبنا منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.

إنني أدعو السياسيين ورجال الدين بوجه خاص ليراعوا حرمة المساجد وحرمة النفس البشرية وحرمة الأموال والأعراض، ويقف الجميع وقفة واحدة كلٌّ يراجع نفسه. فالإسلام في عصره الأول لم يعرف أياً من مذاهبنا هذه، وإن أهل بيت الرسول الأطهار وصحابته الكرام كانوا في قمة التعاون والاحترام لبعضهم بعضاً، ولم يقتتلوا مطلقاً رغم اختلاف وجهات النظر وهذا حق كل إنسان أن يختلف مع الآخر، ولكن ليس من حقه أن يلجأ للعنف باسم الدين. إننا نقتل باسم الإسلام البريء، ولكنها السياسة أيها الأذكياء والحكماء.

الروائي التشيكي برخت له مسرحية جاء فيها «أيها النيرون إن شيئاً في عالمكم خطأ»، ولكنني أدّعي أن عالمنا اليوم أصبح كله خطأ، بل ربما نحن جميعا على خطأ لما يحدث الآن. إنني أدعو الخطباء وعلماء الدين أياً كان مذهبهم أو وطنهم، ليجلس كل منا مع نفسه ليراجعها مراجعة شفافة وصادقة عما ارتكب من تحريض باسم هذه الطائفة أو تلك. وأدعو للتآخي جميعاً باسم الوطن، ولنترك الخلافات الدينية والمذهبية لله يحكم فيها يوم القيامة.

اللهم ارحم موتانا وشهداءنا في الكويت والسعودية واليمن وسورية والعراق ومصر وليبيا وتونس وسائر بلاد العرب والمسلمين، ممن راحوا ضحية للفكر الضيق والنظرة الطائفية البغيضة والصراع السياسي باسم الدين. اللهم اهدنا إلي صراطك المستقيم. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:25 م

      داعش

      داعش انتاج اسرائيلي بإمتياز لايصح ان نطلق عليهم مسلمين وهم امتداد للخوارج ظاهرهم الاسلام وباطنهم الكفر (منافقين) لعنة الله عليهم وعلى من انتجهم ومن مولهم ودعمهم

    • زائر 1 | 10:12 م

      باحسرةً على المسلمين في شهر رمضان

      لا تتحسر على المسلمين لقتل بعضهم البعض ها هم مسلمين وليسو بمسلمين الله اكبر والكبيرة الثانيه ينحر الرأس من جسده والثالثة يفجر نفسه في صلاة جماعه او جمعه اختار اخي المسلم اما تقتل الكثير وتتغدي عند النبي وأما تحصل على حوريه من الجنة ......... آدلف لا دين لك ولاجنة لك وإنما النار ومثواها

اقرأ ايضاً