العدد 4688 - الأربعاء 08 يوليو 2015م الموافق 21 رمضان 1436هـ

الإمام علي والعيش المشترك

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

عليٌّ الذي استطاع أن يحوّل المعاناة إلى قيم وآمال، وأن يجسد الفكر إلى مبادئ رفيعة ونبيلة، ليس إلا رمز العظمة وعنوان الإنسانية العريضة والعيش المشترك. فلم تكن المدينة التي غشتها الظلمة بعد مقتل الخليفة عثمان، يسودها الفزع والقلق أن تعرف مسارها إلا حين قرّر أهلها «عليٌّ لنا رضى، نحن به راضون»، وكان إصرارهم استنفاراً لا مفرّ منه.

دانت له الأرض، وأقبل الناس نحوه في دولةٍ أراد لها أن تكون دولة الله على أرضه، خلقه فيها مصانون، لا يُحرمون ولا يُهانون. وبنى دولته على مفاهيم الحقوق العالية، أساسها صيانة حقوق البشر على اختلاف صنوفهم وتوجهاتهم، بالعيش بالتساوي. فالعيش المشترك قائم على ثلاث، أولها نظرتك لمن يعيش معك على اختلاف توجهه معك، وثانيها كيف النظر إلى المظلوم منهم سلوكاً وليس تصريحاً، وثالثها متى تستخدم القوة ضدهم.

الإمام علي كانت له نظرة للرعية، كونه مسئولاً مباشرة عنهم، فهو يصفهم بقوله إلى واليه: «اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة». لذا فإن الناس عنده «صنفان، أما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخَلْق»، ومن حقّهم التشارك في موارد الدولة، ويتضح ذلك في قوله (ع): «إن الناس كلهم عيالٌ على الخراج وأهله».

لقد أنصف عليٌّ المظلومين دون تحديد، فها هو يجعل عون المظلوم وصيةً لولديه الحسن والحسين (ع): «كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً». كان همه تكوين أمة لا ظلم ولا تمايز ولا تباغض فيها، تكون ملاذاً للجميع دون استثناء. لذا كانت آخر ما وصى به أمته وهو على فراش الموت: «وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولّى عليكم شراركم ثم تَدعُون فلا يُستجاب لكم».

كما نهى عليه السلام عن التعسف في استخدام القوة، إذ لا تكون العقوبة ضرباً من الانتقام: «لا تندمن عن عفوٍ ولا تتبجّح بعقوبة»، حتى ضد أشد أعدائك، فها هم الخوارج الذين وقفوا ضده، بل كفّروه وهي قاصمة الظهر وأم الخطايا، حتى قال علي بن البطريق: «إن علياً كان قد مرن على سماع قول الخوارج: أنت كافر»، فقد كفّروه، لأنه رفض التخلّي عن العهد بعد التحكيم، والذي فرضوه هم وتحت ضغوطهم «وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم عليَّ إباء المنابِذين حتّى صرفت رأيي إلى هواكم».

كان (ع) يكره التعميم وظلم الآخرين لانتماءاتهم، إذ يقول عليه السلام من كفّروا أتباعه: «فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وَضللت، فلم تضلّلون عامة أمة محمد (ص) بضلالي، وتأخذونهم بخطئي، وتكفّرونهم بذنوبي، سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرءِ والسّقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب». لذا وضع خطاً لمعارضيه ممن يشتركون معه في الأرض: «لهم علينا ثلاث: أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء مادامت أيديهم في أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا»، لأنه عليه السلام يرى أن أصل الحياة ببساطة، هي التوافق مع الآخر إذا أرادنا لأنفسنا الخير، على حد قوله «الناس بخير ما توافقوا»، فـ « العيش يمر» و»خير الناس من نفع الناس».

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4688 - الأربعاء 08 يوليو 2015م الموافق 21 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:32 ص

      العيش المشترك والتوافق مع الاخر

      هذه المبادئ النبيلة لو طبقناها من البداية مع من تجمعنا معه حياة مشتركة وتوافقنا جميعا لما يحتاج إليه الشعب من مطالب تصب لمصلحة الوطن ومن يعيش على هذه الأرض وشتركنا في جمعيات تمثل تعزز الشراكة لجميع الأطياف لما حلة الريبة وعدم الثقة ولما تجزءتنا مذهبية لتيارات طائفية وتركيا الوحدة الوطنية

اقرأ ايضاً